في أبريل/ نيسان 2016، أعلنت المملكة العربية السعودية رسميًا نيتها بيع حصة صغيرة من شركة أرامكو وذلك بعد أن صرح ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، للإيكونوميست في بداية العام الماضي بأن مسؤولين في الرياض أجروا اجتماعات ناقشوا فيها احتمالية طرح أسهم أرامكو خلال الأشهر التالية.
فيما قدرت الرياض قيمة الشركة العملاقة بتريليوني دولار أمريكي أو ما يزيد على ذلك في بداية العام الماضي، تعرضت قيمة الشركة لمضاربات مع تأخر طرح أسهم الشركة.
نقلت وكالة بلومبرغ في فبراير/ شباط 2017 عن شركة وود ماكينزي للاستشارات الإدارية تقديرها لأنشطة الشركة الرئيسية بأربعمئة مليار دولار أمريكي فقط، ونقلت نفس الوكالة تقديرات مديرين تنفيذيين ومحللين آخرين قدروا عدم تجاوز قيمة نشاطات الشركة نصف قيمة ما قدرته الرياض أو ربما الخُمس، فقد تتكبد المملكة العربية السعودية خسائر معتبرة في عملية طرح أسهم أرامكو بسبب تصريحات مسؤوليها المتعجلة.
لم تتجه إمارة أبو ظبي، التي تملك 94% من احتياطات الإمارات النفطية، إلى طرح أسهم شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)
وفيما تخطو الرياض خطوات قد تظهر كخطوات غير محسوبة جيدًا، تبدو خطوات أبو ظبي، جارتها وحليفتها الاستراتيجية ولكن منافستها النفطية أيضًا، أكثر وضوحًا في إعادة ترتيب أوراق قطاعها النفطي، بعد التعافي التدريجي الذي تراه أسواق النفط العالمية.
فحتى الآن لم تتجه إمارة أبو ظبي، التي تملك 94% من احتياطات الإمارات النفطية، إلى طرح أسهم شركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك) وذلك لأن الإمارة لم تتعرض لضغوط مالية كبيرة تدفعها إلى السير في هذا الاتجاه كالسعودية، ولكن في خطوة ذات دلالة مهمة، أعلنت أبو ظبي عقد اتفاقيات لمنح حصص في حقول أبو ظبي النفطية البرية التي تديرها شركة أبو ظبي للعمليات البترولية البرية المحدودة (أدكو) لعملاقي الصين، الشركة الصينية الوطنية للنفط (CNPC) وشركة الصين للطاقة (CEFC) في شهر فبراير.
باعت أبو ظبي الشركة الأولى 8% من الحقول وباعت الشركة الثانية 4%، لتصل بذلك مجموع الاستثمارات الصينية في الحقول الإماراتية إلى 12%، وتستحوذ شركة توتال الفرنسية (Total) على 10% من الحقول وتستحوذ شركة النفط البريطانية (BP) على نفس القدر، فيما تستحوذ شركة إينبكس اليابانية (Inpex)على 5% وتستحوذ جي إس إينيرجي الكورية (GS Energy) على 3% في مقابل 60% لشركة أدنوك الأم، وبذلك تتساوى حصص الاستثمارات الآسيوية مع استثمارات شركات الطاقة الغربية في شركة أدكو الإماراتية (الشكل رقم ١).
حصص الشركات الوطنية والأجنبية في حقول أبو ظبي النفطية البرية (المصدر: وكالة بلومبرغ)
يرى الكاتب روبن ميلز أن الامتيازات الأخيرة التي حصلت عليها الشركات الصينية لا يقف ورائها خبرة تقنية متميزة تمتلكها، بل إلى ما ستجلبه هذه الشركات من إمكانية أكبر لولوج الصين كمستورد عملاق للنفط إلى إمدادات النفط الإماراتية.
ويعكس حجم التجارة غير النفطية المتنامية بين الإمارات العربية المتحدة والصين أيضًا الشراكة الاستراتيجية الآخذه في التشكل بين الطرفين، إذ تعد دولة الإمارات الشريك التجاري الثاني للصين في الشرق الأوسط بوصول حجم التجارة البينية إلى 60 مليار دولار أمريكي، ولكن الحافز القوي الذي يدفع دولة الإمارات لدفع علاقتها مع الصين إلى مرحلة الشراكة هي تغيرات اقتصادية كبيرة تتعرض لها الصين، ثاني أكبر اقتصاد عالمي وأكبر مستورد للنفط، ويمكن تقسيم هذه التغيرات إلى قسمين:
تغيرات قصيرة المدى: شهد نمو الطلب الصيني على النفط في عام 2016 (2.5% مقارنة بعامي 2015 (3.1%) و2014 (3.8%) وفقًا لوكالة رويترز، ولكن هناك تقديرات تشير إلى احتمالية ارتفاع نمو الواردات الصينية من النفط بسبب تراجع إنتاج حقول النفط الصينية، فيما تراجع إنتاج الصين النفطي بنسبة 6.9%، وهو أول تراجع منذ عام 2009 (الشكل رقم 2)، هناك تقديرات تشير إلى احتمالية تراجع الإنتاج الصيني من النفط في عام 2017 بنسبة 7%.
إذا كان هذا التراجع سيصب في تجاه دعم الواردات، فمن أي منتج للنفط ستغطي الصين احتياجاتها؟ تختار الصين ذلك على أساس مجموعة من الحسابات العقلانية التي تدمج بين الاعتبارات الاقتصادية (السعر وكلفة النقل) والحسابات السياسية، ففي عام 2016، تحولت روسيا إلى أكبر مُصدر للنفط الخام إلى الصين بعد أن كانت السعودية تتمتع بهذا المركز، وإن لم يتضح سبب هذا التحول، فإن صدى ذلك التحول قد يصل إلى دولة الإمارات، وهو ما يبدو أنه كان دافعًا قويًا لأبو ظبي لتوطيد شراكتها الاقتصادية مع بكين من خلال الامتيازات التي حصلت عليها الشركات الصينية.
معدل الإنتاج الصيني من النفط منذ 2008 وحتى2017 (المصدر: وكالة بلومبرغ)
تغيرات متوسطة وطويلة المدى: يشهد الاقتصاد الصيني تحولًا في نموذجه التنموي من اقتصاد يعتمد على تنمية الصادرات والاستثمار إلى نموذج آخر يعتمد على تنمية الطلب والاستهلاك المحلي، وهو ما يسمى بعملية إعادة التوازن Rebalancing.
يستهدف هذا التحول ضمان نمو اقتصادي متوازن وأكثر اعتدالًا على المديين المتوسط والطويل عوضًا عن تحقيق معدلات نمو اقتصادية مرتفعة غير مستدامة قد تكون لها تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي.
ومن المتوقع أن يتراجع نمو الطلب الصيني على النفط على المدى الطويل، في حين أنه من المتوقع أن ترتفع معدلات الاستهلاك في الصين، فإن ذلك الاستهلاك المتزايد لن يكون كثيفًا في اعتماده على الطاقة، وفقًا لتوقعات.
الإمارات تملك سابع أكبر احتياطي نفطي على مستوى العالم
بناء على هذه التقديرات، ربما تضع الإمارات في اعتباراتها هذه التأثيرات طويلة المدى التي قد تؤثر عليها كمنتج مهم للنفط في منطقة الشرق الأوسط، حيث إنها تملك سابع أكبر احتياطي نفطي على مستوى العالم، ولا تقتصر مساعي التشبيك الاستراتيجي التي تجريها أبو ظبي في آسيا على الصين فقط، بل تعد الهند إحدى أهم مرتكزاتها، تجاوزت الهند جارتها الصينية في معدلات النمو الاقتصادية منذ عام 2015 وتعد الهند أيضًا رابع أكبر مستهلك للنفط بعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان.
ليست أبوظبي العاصمة الخليجية الوحيدة في توجهها الآسيوي ولكنها تتسابق مع جيرانها، إذ تعتزم الرياض أيضًا تعميق علاقاتها الآسيوية من خلال جولة للملك سلمان بن عبد العزيز إلى آسيا ستستمر شهرًا، ولا شك أن إيران تلعب دورًا في هذا التوجه الخليجي الذي يستهدف التقارب بشكل أكبر مع آسيا، عمقت الصين استثماراتها في قطاع النفط الإيراني كأحد الرابحين من الاتفاق النووي الذين كانوا يلعبون دورًا في القطاع حتى قبل رفع العقوبات الدولية، تعرف الصين، كلاعب دولي محوري، كيفية اللعب على وتر التوترات الجيوسياسية في منطقة الخليج من أجل تحصيل أكبر قدر من المكاسب الاقتصادية.