ترجمة حفصة جودة
وقف الرئيس التركي هذا الشهر في البحرين ليلقي اللوم على “القومية الفارسية” فيما يتعلق بأزمات الشرق الأوسط، بعدها اتهم وزير خارجية إيران بالمشاركة في حرب طائفية في أنحاء المنطقة، هذا التشدد المفاجئ في خطاب حكومة رجب طيب أردوغان يتزامن مع وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإيران “تحت الملاحظة”، ورغبة روسيا في تهميش طموحات إيران فيما يتعلق بمحادثات سوريا.
هذه الأحداث كالموسيقى في أذن السعودية – العدو الإقليمي اللدود لإيران – والتي كثفت هجومها ضد حكومة طهران على المستويات كافة، ويحذر المحللون من أن أنقرة قد تشعر بجرأة مماثلة، لذا ينبغي عليها أن تكون متيقنة من أصدقائها أولاً قبل أي هجوم منسق على الأعداء السابقين.
لم تكن إيران وتركيا رفيقتين هادئتين أبدًا، فالأولى دولة ثيوقراطية والثانية جمهورية علمانية، والأولى ذات أغلبية شيعية والثانية أغلبية سنية، لكنهما كقوتين إقليميتين كانا يحافظان في معظم الأحيان على مظهر من مظاهر الأخلاق الحميدة حتى في الأوقات العصيبة.
يقول المحللون إن مواقف الولايات المتحدة وروسيا تجاه إيران تؤثر على دول المنطقة مثل تركيا، لكن أنقرة وطهران بحاجة لمعرفة كم الثقة التي ينبغي وضعها في ترامب وبوتين قبل المواجهة، يقول أحمد قاسم هان أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قادر هاس: “ربما تم إقناع أنقرة باتخاذ خطوة بعد سلسلة الزيارات التي قام بها مسؤولون رفيعو المستوى من الولايات المتحدة إلى تركيا بينهم رئيس وكالة المخابرات المركزية والقائد العسكري الأعلى، خلال الأسابيع القليلة الماضية”.
ويضيف هان: “من المرجح أن تكون تركيا قد حصلت على معلومات معينة خلال تلك الزيارات دفعتها للتحدث علنًا ضد طهران، لكن علينا أن نتذكر أنه رغم خطابات أمريكا ضد طهران فإنها لم تتخذ أي موقف تجاه إيران على الإطلاق، ومن الخطأ أن ننظر إلى تصرفات تركيا بشكل مجرد بعيدًا عن موقف إدارة ترامب من إيران”، تشعر تركيا الآن بأنها محاصرة لبعض الوقت، فإيران اتخذت قرارات مهمة في العراق وسوريا، مما جعل أنقرة في حالة من التوتر أجبرتها على مواجهة فشل سياساتها الخارجية في تلك البلاد”.
يقول هان أيضًا: “ربما ترى أنقرة أن الوقت أصبح مناسبًا الآن لتحرير نفسها من هذا الحصار، لذا ينبغي أن نكون حذرين بشأن عدم تدمير واحدة من السياسات الخارجية القليلة الناجحة في السنوات الأخيرة، والسؤال الأهم الذي يجب أن تطرحه دول المنطقة: إلى أي مدى يمكن الوثوق في ترامب وبوتين؟”.
يقول عارف كسكين – خبير في شؤون الشرق الأوسط وإيران ويعمل في عدة مؤسسات فكر تركية – إن سياسات إيران الطائفية التخريبية أجبرت أنقرة على اتخاذ رد فعل، ومما لا شك فيه أن الضغط التركي سوف يسفر عن بعض النتائج.
العلاقات بين تركيا وإيران لم تكن دائمًا مستقرة
ويضيف كسكين: “لم تترك إيران أيًا من دول المنطقة في سلام، انظر إلى ما فعلته في العراق واليمن والدول الأخرى، ولم يكن كافيًا أنها تسببت في عدم استقرار المنطقة، لكنها تحاول أيضًا العبث بعلاقة تركيا مع تلك البلدان مثلما فعلت في العراق، لقد انتهت تركيا من ذلك وتغير موقفها لا علاقة له بترامب، ظهور ترامب على الساحة كان مجرد توقيت، لكن أنقرة قد نفد صبرها وينبغي أن تستمر في الضغط على طهران، لتحقيق النجاح وردع إيران عن سياساتها التدخلية”.
من وجهة نظر هان، كانت تصريحات أردوغان في البحرين أكثر من كونها مجرد انتقاد لإيران، كانت التصريحات تهدف أيضًا إلى تهدئة مخاوف السعودية والبحرين بشأن الوجود العسكري التركي في قطر، وإقنعاهم بأن تركيا موجودة لتقدم لهم يد المساعدة ومواجهة أي تجاوز إيراني.
تتمتع تركيا بعلاقات قوية مع السعودية ودول الخليج، لكن علاقتها أقوى بقطر، حتى إنها أنشأت قاعدة عسكرية في قطر أبريل الماضي، هذا التقارب أدى إلى إثارة مخاوف السعودية والبحرين.
مباحثات روسيا والأستانة
هناك أحاديث منتشرة بأن روسيا تسعى إلى إضعاف يد إيران في محادثات الأستانة، وهي طاولة مفاوضات بين موسكو وطهران وأنقرة للإشراف على المفاوضات بين مختلف الفصائل السورية والتأكد من الالتزام بوقف إطلاق النار ومحاولة الوصول إلى حل سياسي.
يقول ديميتر بيسيف – باحث غير دائم في المجلس الأطلسي – إن روسيا تسعى لإضعاف يد إيران في الأستانة دون تجاوز حدود خطيرة، لكن العلاقات بين طهران وموسكو ليست بمعزل عن المشاكل، فكل جانب يسعى إلى كسب المزيد من النفوذ في دمشق، لكن إيران وروسيا جهات تكميلية، لذا فإن نفوذها سيكون محدودًا.
يعتقد هان أن تركيا لاحظت هذا التنافس بين إيران وموسكو خلال المحادثات، وبالإضافة إلى تقارب تركيا الخاص مع موسكو، فقد يدفعها ذلك إلى سوء تقدير محتمل فيما يتعلق بإيران، ويضيف هان أن روسيا سوف تلعب كقوة عظمى وتحاول إضعاف يد حلفائها في سوريا، لكنها تدرك أيضًا أن سوريا أصبحت لعبة صفرية بالنسبة لطهران، وستكون حذرة من الضغط عليها أكثر من اللازم.
ويرى هان أن الأهمية التي توليها إيران لدمشق لا يمكن الاستهانة بها، فهي تعتبر سوريا خط دفاعها الأمامي، ولم تكن مزحة عندما قال مسؤول إيراني إن خسارة هذا الجزء من إيران ذي الأغلبية العربية أهون من خسارة دمشق، فخسارة دمشق لا يمكن استعادتها مرة أخرى أما خسارة جزء من الأراضي الإيرانية يمكن استعادته.
يتفق هان وبيسيف على أن محاولة روسيا إضعاف يد إيران في سوريا سوف يؤدي حتمًا إلى تقويض تحالفها مع طهران، ويعتقد كلاهما أن موسكو لن تتخلى عن علاقتها بإيران مقابل تقوية علاقتها بإدارة ترامب.
التحالف الروسي الإيراني الآمن
يرى بيسيف أن إيران تقترب بشدة من روسيا وتحيطها بسياج استراتيجي بعيدًا عن أحادية الولايات المتحدة، ويعتقد هان أن موسكو وطهران لديهما خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها بغض النظر عن بعض ألعاب استعراض القوى بين البلدين.
وعلى الرغم من أن المحللين لا يعتقدون أنه سيكون هناك تصعيدًا خطيرًا بين تركيا وإيران، فإنهم يحذرون دول المنطقة من الثقة بشكل كبير في واشنطن وموسكو، لأن الاعتماد عليهما قد يأتي بنتائج عكسية تمامًا.
يعتقد هان أن الأمور بين تركيا وإيران لن تتطور، ولن تنهار إيران فجأة تحت تأثير الضغط الجديد، ستواجه إيران ضغوطًا لا مثيل لها، لكنه معتادة على ذلك وسوف تشارك باستخدام توجهات دبلوماسية مختلفة، كما أن الدول الكبرى لا تشارك حدودها مع إيران مثل تركيا، لذا ينبغي أن تكون تركيا حذرة من خلق وضع آخر مشتعل على حدودها.
حتى كسكين – المقتنع بموقف تركيا المتشدد تجاه إيران – يرى أنه لا ينبغي السماح للتوترات بأن تتحول إلى عداء صريح، ويضيف كسكين أن كلا البلدين شهدا العديد من التوترات في الماضي، ويعلمان أنه ينبغي الحفاظ على العلاقات الثنائية بين البلدين بعيدًا عن العلاقات الإقليمية، وسوف تكون الأمور بخير طالما كانت في مستوى تبادل التعليقات الجدلية عبر وسائل الإعلام.
المصدر: ميدل إيست آي