جاء ترحيل السلطات المصرية لعضو اللجنة المركزية لحركة فتح ورئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم جبريل الرجوب، بعد منعه من دخول البلاد عقب وصوله قادمًا من الأردن، ليعكس حجم ما وصلت إليه العلاقات بين القاهرة والسلطة الفلسطينية من توتر في الآونة الأخيرة.
وبحسب مصادر فلسطينية فإن مندوب سفارة فلسطين في القاهرة في أثناء قيامه بإنهاء إجراءات جواز سفر الرجوب من صالة كبار الزوار، فوجئ بأن اسمه على قوائم المنع من دخول البلاد، وعلى الفور تم ترحيله على الطائرة نفسها القادمة من الأردن.
المصادر أشارت إلى أن زيارة الرجوب للقاهرة كانت بدعوة من قبل الجامعة العربية إلى حضور المؤتمر الوزاري عن الإرهاب والتنمية المجتمعية، حيث كان من المقرر أن يلقي كلمة فلسطين في المؤتمر، وأن الدعوة موجهة من الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، وليس من الخارجية المصرية، بصفته رئيسًا للمجلس الأعلى للشباب وليس كونه قياديًا بحركة فتح، وهو ما دفع الوفد الفلسطيني المشارك في المؤتمر للانسحاب عقب تلقيهم خبر منعه من الدخول.
لست أبو بكر البغدادي
في أول تعليق له على ترحيله من مطار القاهرة، قال الرجوب: كنت قادمًا من الأردن في رحلتي إلى القاهرة وعندما وصلت مطار القاهرة فوجئت بمنعي من دخول الأراضي المصرية، مضيفًا خلال مداخلة هاتفية له مع إحدى البرامج الفضائية المصرية أن مندوب سفارة فلسطين أخبره بإدراج اسمه على قوائم الحظر ومن ثم لا بد من إعادته للأردن مرة أخرى.
القيادي الفتحاوي أشار إلى أنه لم يجي أي اتصالات بأي مسئول مصري من أجل الدخول، ملفتًا أن العلاقات مع القاهرة أكبر من ذلك، قائلاً: “أنا لست أبو بكر البغدادي ليتم منعى من دخول مصر، وعلى السلطات المصرية توضيح أسباب منعي من الدخول، وأعتقد أن ما حدث خطرًا استراتيجيًا”.
كما أكد خلال مداخلته على احترام الشعب الفلسطيني للأشقاء المصريين، ملفتًا أن رئيس السلطة محمود عباس أبو مازن لم يتعرض يومًا لمصر بالهجوم أو النقد، مختتمًا حديثه بقوله: “أتمنى ألا يتم فتح هذا الموضوع مرة أخرى حفاظًا على علاقات الدولتين، وأبو مازن وحركة فتح لن يكونا عاملاً سلبيًا في العلاقات ولن نقبل أي بديل عن مصر ودورها في القضية”.
الرجوب: أنا لست أبو بكر البغدادي ليتم منعى من دخول مصر، وعلى السلطات المصرية توضيح أسباب منعي من الدخول، وأعتقد أن ما حدث خطرًا استراتيجيًا
مثير للجدل لكنه ليس الوحيد
يعد جبريل الرجوب من أكثر الشخصيات الفلسطينية المثيرة للجدل عربيًا، فبعيدًا عن الموقف من مصر كما سيرد ذكره لاحقًا، فاللرجل مواقف لا تنسى تسببت في إثارة وتهييج بعض الشعوب العربية ضده، كان آخرها غضب الأردنيين منه بعد رفضه تأييد ترشيح الأمير علي بن الحسين لرئاسة الفيفا، كذلك تمنيه فوز منتخب العراق لكرة القدم على منتخب فريقه من أجل تفويت الفرصة أمام المنتخب الأردني في الوصول إلى أدوار متقدمة في تصفيات آسيا لكرة القدم في 2015.
وبحسب مصادر خاصة لوكالة “نبأ برس” الفلسطينية، فإن الرجوب لم يكن القيادي الفلسطيني الوحيد الذي وضع اسمه على قوائم المنع والحظر من دخول الأراضي المصرية، إذ إن هناك قائمة شملت 15 قياديًا من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح منعتهم السلطات المصرية من دخول أراضيها بأي طريقة.
ووفقًا لتلك المصادر فإن الأعضاء الممنوعين من دخول مصر، هم: مروان البرغوثي، محمد أشتية، حسين الشيخ، محمود العالول، توفيق الطيراوي ، جمال محيسن، أحمد حلس، ناصر القدوة، محمد المدني، صبري صيدم، عزام الأحمد، عباس زكي، روحي فتوح، دلال سلامة، سمير الرفاعي,
هناك قائمة شملت 15 قياديًا من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح منعتهم السلطات المصرية من دخول أراضيها بأي طريقة
16 قياديًا باللجنة المركزية لحركة فتح ممنوعون من دخول مصر
انتقاد السيسي وراء المنع
في تصريحات نقلها “العربي الجديد” عن مصدر في جهاز الأمن العام المصري، أن قرار منع الرجوب من دخول مصر تم اتخاذه عن طريق جهاز الاستخبارات العامة منذ أسبوع واحد فقط، بمناسبة الاستعداد لاستضافة مؤتمر “الإرهاب والتنمية الاجتماعية”، الذي تنظّمه وزارة التضامن الاجتماعي مع جامعة الدول العربية في شرم الشيخ، مضيفًا أن عدم إبلاغه بإدراج اسمه على قوائم الممنوعين، إجراء مقصودا لأهانته وإيصال رسالة شديدة اللهجة إليه بعدم التعرض للنظام المصري الحاكم مرة أخرى، وبأن النظام سيقطع اتصالاته بمجموعة الرجوب،.
أما عن أسباب المنع، قال المصدر: “نعرف أن الرجوب ومجموعته كانوا في مصر خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين، والمعلومات المتداولة في أروقة الأجهزة الأمنية تشير إلى أن الرجوب انتقد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي شخصياً، واتهمه في إحدى الجلسات الخاصة التي جمعته بقيادات من حركة فتح بتدبير تحركات تمهد لانقضاض القيادي محمد دحلان على رئاسة حركة فتح”.
واستطرد المصدر الأمني: “يتردد أيضاً في الأجهزة المصرية أن الرجوب تحدث باستخفاف عن سماح السيسي لدحلان بإقامة مؤتمر لشباب حركة فتح المؤيدين له في فندق الماسة التابع للجيش في القاهرة، وهو ما فسرته الاستخبارات بانحياز الرجوب إلى قوى إقليمية أخرى تنافس مصر على إدارة الملف الفلسطيني، وتريد إزاحتها، وذلك بالتشكيك في نوايا السيسي، وتصوير علاقته القوية بدحلان كمقدمة للإطاحة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس والمقربين منه”.
مصدر أمني: المعلومات المتداولة في أروقة الأجهزة الأمنية تشير إلى أن الرجوب انتقد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي شخصياً، واتهمه في إحدى الجلسات الخاصة التي جمعته بقيادات من حركة فتح بتدبير تحركات تمهد لانقضاض القيادي محمد دحلان على رئاسة حركة فتح
وأوضح المصدر أن عدداً من المفاوضين المصريين عبّروا عن غضبهم من الرجوب خلال الفترة الماضية، ووصفوا أسلوبه أخيراً بأنه “يتحدث باستعلاء عن القاهرة، ويستنكر أن يكون لمصر دور في حسم خلافات حركة فتح”. وأضاف المصدر أن “الخلافات بين الرجوب والمجموعة المصرية المختصة بالملف الفلسطيني لم تقتصر على مسألة دحلان، بل تتضمن أيضاً سعيه لتقوية العلاقات بالسعودية التي يسيطر التوتر على علاقتها بمصر حالياً”، مرجحاً أن يكون هذا الأمر أحد الأسباب التي تراكمت لتصل إلى درجة منعه من دخول مصر.
رسالة للسلطة الفلسطينية
جاء قرار الترحيل كصدمة داخل الأوساط السياسية الفلسطينية عامة، والفتحاوية بصفة خاصة، حيث تباينت الرؤى حيال دلالات هذه الخطوة التي وصفها البعض بأنها رسالة للسلطة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس أبو مازن، بينما اعتبرها آخرون ردًا على سياسات الرجوب نفسه.
تيسير نصر الله عضو المجلس الثوري لحركة فتح، في تعليقه على هذه الخطوة أشار إلى أنها رسالة عدائية موجهة للرئيس محمود عباس وتطور خطير طرأ على العلاقة بين الجانبين، كما أنه تعبير واضح عن الغضب الرسمي تجاه قيادة حركة فتح لا سيما الرجوب الذي وقف ضد المبادرة الرباعية التي هدفت لإجراء مصالحة فتحاوية داخلية، وعودة القيادي المفصول محمد دحلان، حيث صرح آنذاك بأنه ضد ما أسماه بـ”التدخل الخارجي في الشأن الفتحاوي” مما اعتبرته مصر إساءة لها.
وفي سياق تصل، اعتبر المحلل السياسي فايز أبو شمالة، أن هذا القرار يعكس مدى استجابة القاهرة لتوجهات محمد دحلان ضد قيادات فتح، ملفتًا أنه إشارة تعكس طبيعة المرحلة القادمة التي ترتبها السلطات المصرية والقيادي المفصول في الفترة المقبلة.
أبو شماله في تصريحاته أيضًا، أكد أن هذا الموقف رسالة ضمنية لأبو مازن تخبره بأنه ليس المتصرف الوحيد في الشأن الفلسطيني، وأن هناك تفكير جدي في البحث عن بدائل جديدة للقيادة الفلسطينية، منوهًا أن مستقبل العلاقة بين القاهرة والسلطة الفلسطينية مرهون بمدى استجابة عباس للمبادرة الرباعية (المصرية – السعودية – الإماراتية – الأردنية) الخاصة بعودة دحلان للمشهد السياسي مرة أخرى.
فايز أبو شمالة: القرار يعكس مدى استجابة القاهرة لتوجهات محمد دحلان ضد قيادات فتح، وإشارة تعكس طبيعة المرحلة القادمة التي ترتبها السلطات المصرية والقيادي المفصول في الفترة المقبلة
وفي المقابل هناك من يرى أن ما حدث تعبيرًا واضحًا عن الغضب المصري تجاه قيادة السلطة الفلسطينية الحالية، وعقابًا لها على ما أبدته من تعنت وصلف حيال الوساطة الرباعية، كما أشار بذلك طلال الشريف، المحلل المقرب من دحلان، والذي أكد أن ما حدث يمكن توصيفه بأنه “ثأر” من الرجوب، لموقفه المتجاهل للمبادرة المصرية خلال المؤتمر السابع الذي عقد في نوفمبر الماضي، ليدفع أبو مازن فاتورة هذا الموقف.
السيسي خلال استقباله لأبومازن في القاهرة
ازدواجية في التعامل
يشهد الموقف الرسمي المصري من السلطة الفلسطينية حالة من الازدواجية في التعامل، لا سيما حيال الموقف من حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، أو ربما تباين في الأوراق المستخدمة لتحقيق المصالح المصرية، سواء من خلال الضغط على أبو مازن بشأن قبول المبادرة الرباعية من جانب، أو عبر التنسيق الأمني لمحاربة الجماعات المسلحة في سيناء من جانب آخر.
التغيرات التي أجراها مؤخرًا الرئيس المصري داخل جهاز المخابرات العامة جاءت وبحسب البعض بغية تحسين العلاقات مع حماس كإحالة اللواء وائل الصفتي، المسؤول عن ملف “فلسطين” بالمخابرات العامة للمعاش، وذلك بعد الشكاوى المتكررة من قبل مسؤولي الحركة بتعنت الصفتي في التعامل معها، ومساعيه لخلق بؤر توتر جديدة بين القاهرة والحركة.
هذه التحركات التي نعتها البعض بـ”الصفقة الأمنية الجديدة” بين مصر وحماس في الحرب على التنظيمات المسلحة بشمال سيناء، مرتبطة بشكل مباشر بالتغيرات الكبيرة التي شهدتها المخابرات المصرية، بإحالة الصفتي إلى جانب 18 مسؤولاً في المخابرات المصرية للمعاش، إضافة إلى ما تبعها من لقاءات وزيارات متبادلة بين مسؤولين بالحركة والمخابرات العامة في القاهرة.
إحالة اللواء وائل الصفتي، المسؤول عن ملف “فلسطين” بالمخابرات العامة للمعاش، بعد الشكاوى المتكررة من قبل مسؤولي حماس بتعنته في التعامل معها، يعكس رغبة السلطات المصرية في تحسين العلاقات مع الحركة
الإطاحة بالصفتي لا تستهدف إرضاء حماس وفقط، بل أيضًا يضع في عين الاعتبار عدم التصعيد مع فتح خاصة أن إحالة الرجل للمعاش جاءت عقب تسريب صوتي بثته إحدى القنوات التليفزيونية لمحادثة أجراها مع محمد دحلان، وسُمع خلالها اللواء المخابراتي وهو ينتقد بشكل لاذع محمود عباس وحركة فتح والجبهة الشعبية.
وفي المقابل، ورغم هذا التنسيق المعلن بين القاهرة وحماس، أعلن الجيش المصري تدميره ستة من الأنفاق الجديدة على حدود غزة، في الفترة من 17 من يناير الماضي وحتى 4 من فبراير الحالي، حسبما أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية، العقيد تامر الرفاعي، في بيان منشور له.
هذا التدمير أسفر عن مقتل 3 عمال فلسطينيين وإصابة 10 آخرين نتيجة الاختناق بغازات أطلقها الجيش المصري خلال تفجيره هذه الأنفاق، حسبما نقلت الأناضول عن مصدر أمني فلسطيني.
ويذكر أنه منذ منتصف سبتمبر 2015، بدأت قوات الجيش المصري في استهداف تلك الأنفاق التي أقامتها عناصر من حماس من خلال ضخ كميات كبيرة من مياه البحر على طول الشريط الحدودي، بين مصر وقطاع غزة، بهدف تدمير الأنفاق الممتدة أسفله، في إطار الحملة العسكرية التي يشنها الأمن المصري ضد التنظيمات المسلحة في شمال سيناء.
وهكذا يبدو أن خطوة ترحيل القيادي الفتحاوي جبريل الرجوب بعد منعه من دخول الأراضي المصرية لا تعدو كونها خطوة تأتي في إطار التوظيف المصري لأوراق الضغط المستخدمة ضد السلطة الفلسطينية من أجل إعادة النظر في المبادرة الرباعية المقدمة لإعادة دحلان للمشهد الفلسطيني مرة أخرى، ويتحدد مستقبل هذا التوتر بناء على حجم ما يبديه أبو مازن من مرونة حيال هذه الضغوط.