قرابة الخمسة أشهر، من يوم تكليفه، لم يتمكن خلالها، رئيس الحكومة المغربية المكلف في المغرب عبد الإله بنكيران، من تشكيل حكومته الجديدة، نتيجة عراقيل عديدة واجهها في أثناء مشاوراته الحكومية، حسب قوله، وهو ما يستجدي تدخل الملك لإيجاد حل لهذه الأزمة التي تعرفها المملكة وكلفتها خسائر كبرى، حسب خبراء.
انتظار رجوع الملك من جولته الإفريقية
ينتظر المغربيون، على رأسهم رئيس حكومة بلادهم المكلف عبد الإله بنكيران، عودة الملك محمد السادس من جولته الإفريقية لحسم مشاورات تشكيل الحكومة المرتقبة، بعد خمسة أشهر من تكليف بنكيران بتشكيل الحكومة عقب فوز حزب العدالة والتنمية بالأغلبية البرلمانية في الانتخابات التي جرت في الـ7 من أكتوبر الماضي.
وشرع العاهل المغربي محمد السادس، في الـ16 من الشهر الحالي في جولة إفريقية بدأت من غانا وتشمل زامبيا ومالي وكينيا وساحل العاج وغينيا، وكان الملك قد توجه في بداية فبراير إلى جوبا في أول زيارة رسمية إلى جنوب السودان قبل أن يقوم بزيارة خاصة للغابون، وفي أكتوبر ونوفمبر الماضيين زار ست دول وهي رواندا وتنزانيا والسنغال وإثيوبيا ومدغشقر ونيجيريا، وذلك لتعزيز العلاقات الثنائية التي تجمع المغرب بدول القارة، حسب وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة.
“أنا بصراحة أنتظر رجوع جلالة الملك، لأنه حينها، إما أن تكون لي حكومة لأرفعها له، أو لا لأقولها له أيضًا”
رغم مضي خمسة أشهر على انطلاق مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، ما زالت هذه المشاورات تراوح مكانها، ولم تعرف أي جديد يذكر، نتيجة “البلوكاج” الذي تعرفه، الأمر الذي يستدعي تدخل الملك محمد السادس لحسم هذه المسألة، وإلى الآن لا يعرف موعد عودة الملك من هذه الجولة، التي يرافقه فيها رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش.
بنكيران يفكر بجدية في الرجوع إلى الملك
ونقل الموقع الإلكترونى لحزب العدالة والتنمية عن عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المغربية الملكف القول تعليقًا على تأخر تشكيل الحكومة قائلاً: “المشهد السياسي لن يبقى كما هو الآن إلى الأبد، فلا بد من حل، قد نعيد الانتخابات، وقلنا إننا لا نريد الإعادة، لأن الانتخابات هي لحظة مخاضٍ صعب”، وأضاف: “أنا بصراحة أنتظر رجوع جلالة الملك، لأنه حينها، إما أن تكون لي حكومة لأرفعها له، أو لا لأقولها له أيضًا”.
التحكيم الملكي
عودة العاهل المغربي من جولته الإفريقية، قد تحمل معها حلاً للأزمة الحكومية التي تعيش على وقعها المملكة منذ خمسة أشهر، وكان نائب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سليمان العمراني، قد أكد في وقت سابق أن هذه المشاورات مسقفة زمنيًا بعودة الملك من جولته الإفريقية، مؤكدًا أن المسؤولية تقتضي ألا يستمر رئيس الحكومة المكلف في مسار قد لا يبقى منتجًا.
يمكن اللجوء إلى التحكيم الملكي وفق ما يقتضيه الدستور لتجاوز فرضية وصول مخاض تشكيل الحكومة الباب المسدود
وكان بنكيران قد قرر في 8 من يناير الماضي، وقف مشاوراته لتشكيل الحكومة الجديدة مع حزبي التجمع الوطني للأحرار (يمين)، وحزب الحركة الشعبية (يمين)، بسبب اشتراطهما ضم حزبي الاتحاد الدستوري (يمين) والاتحاد الاشتراكي (يسار) إلى أحزاب التحالف الحكومي، وفي الـ13 من فبراير الحاليّ، استأنف بنكيران مشاوراته لتشكيل الحكومة بلقائه كل من عزيز أخنوش وأمحند العنصر.
يسهر الملك المغربي حسب الدستور على صيانة الاختيار الديمقراطي
للإشارة فإن الدستور الدستور المغربي لا ينص صراحة على ما يتم إجراؤه في حال فشل الحزب الفائز في تشكيل الحكومة، كذلك لم يحدد مهلة زمنية معينة لتشكيلها من الشخص المكلف بذلك، إلا أنه يمكن اللجوء إلى التحكيم الملكي وفق ما يقتضيه الدستور لتجاوز فرضية وصول مخاض تشكيل الحكومة الباب المسدود، وينص الفصل 42 من الدستور المغربي على “الملك، رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي والحقوق والحريات”.
انتخابات مبكرة
تبدو فرضية اللجوء إلى انتخابات برلمانية مبكرة، الفرضية الأكثر طرحًا للخروج من الأزمة الحالية، وهو ما يمكن أن يعزز موقف قادة الحزب الإسلامي وعلى رأسهم بنكيران الذي يتهم عديد من الأطراف بعرقلة مشاورات تشكيل الحكومة.
في هذا السّياق يؤكد خبراء أنه حتى لو تراجع حزبي التجمع الوطني للأحرار وحزب الحركة الشعبية عن شرطهما انضمام حزبي الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي إلى أحزاب التحالف الحكومي، وقبولهما بعرض بنكيران، فإن هذه الحكومة ستولد عاجزة دون تفاهم بين أطرافها، الأمر الذي سيحصل إن تنازل العدالة والتنمية أيضًا.
دخلت مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة الباب المسدود بسبب إصرار حزب التجمع الوطني للأحرار ورئيسه أخنوش، على ضرورة مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي في التحالف المزمع تشكيله
رغم تكلفتها المالية وما يصاحبها من انتظارات، فتبقى الانتخابات المبكرة أمل المغرب في تجاوز أزمته، ولهذه الانتخابات إن تمت أن تعطي فرصة جديدة لحزب العدالة والتنمية لربح مقاعد إضافية في البرلمان، الأمر الذي يساعده في تشكيل الحكومة.
لم تمكن الانتخابات السابقة، حزب العدالة والتنمية من كسب الأغلبية الساحقة
ودخلت مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة الباب المسدود بسبب إصرار حزب التجمع الوطني للأحرار ورئيسه أخنوش، على ضرورة مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي في التحالف المزمع تشكيله، وهو ما يرفضه بشكل قاطع بنكيران وحزبه.
وفي وقت سابق، اقترح بنكيران تشكيل الحكومة من الأحزاب التي تشكل حكومة تصريف الأعمال، وهي العدالة والتنمية (125 مقعدًا في مجلس النواب بالانتخابات الأخيرة من أصل 395)، التجمع الوطني للأحرار (37 مقعدًا)، الحركة الشعبية (27 مقعدًا)، التقدم والاشتراكية (12 مقعدًا)، وبإمكان الأربعة تغطية العدد المطلوب للتشكيل (198 مقعدًا).
تداعيات الأزمة
منذ انتخابات الـ7 من أكتوبر الماضي، وخلال دورته الأولى، لم يصادق مجلس النواب المغربي (الغرفة الأولى للبرلمان)، إلا على قانون واحد، بسبب عدم تشكيل حكومة البلاد، وهذا القانون هو الميثاق التأسيسي للاتحاد الإفريقي الذي تمت المصادقة عليه تمهيدًا لانضمام المملكة لهذا الاتحاد القاري بعد أكثر من ثلاثة عقود من انسحابه احتجاجًا على قبول الأخير لعضوية جبهة “البوليساريو”، التي تطالب بانفصال إقليم الصحراء عن المغرب.
حصيلة سلبية للبرلمان المغربي في دورته الأولى
هذا التأخر في تشكيل الحكومة ترتب عنه عديد من التداعيات الاقتصادية والدبلوماسية على البلاد، وتسود حالة من الترقب لدى رجال الأعمال والمستثمرين المغاربة والأجانب الذين يريدون استثمار أموالهم بالمملكة المغربية، في ظل غياب الحكومة، خاصة أن ميزانية السنة الحالية لم يتم المصادقة عليها بعد.
أما في الجانب الدبلوماسي، كشفت مصادر دبلوماسية مغربية عن تأجيل رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف، زيارته للمملكة بسبب عدم تشكيل الحكومة المغربية الجديدة.