ترجمة وتحرير نون بوست وقد تمت كتابة المقال الأصلي بواسطة جوست هيلترمان أبريل لونغلي ألي
إن أول حلبة صراع ستواجه فيها إدارة ترامب إيران هي اليمن. فبالاستناد لحلفاء ترامب في الخليج العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، يعتبر فريق رئيس الأمن القومي، أن الحوثيين –مليشيا يمنية أساسها التقاليد الشيعية الزيدية وتقاتل في الوقت الحالي مع جزء كبير من الجيش ومجموعات من قبائل الشمال المتحالفة مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح ضد مجموعة من المعارضين المحليين – هم بمثابة حزب الله. كما يقال أن هذه الحرب هي جزء من مخطط إيراني كبير لبناء قوة شيعية حليفة لها ضد إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
في المقابل، هناك مشكلة واحدة فقط، تتمثل في كون الحوثيون ليسوا حزب الله، وعلى الرغم من إبدائهم التعاطف العلني مع الجمهورية الإسلامية، إلا أنهم لم يطوروا علاقات مشابهة بتلك التي تربط حزب الله بطهران. بالإضافة إلى ذلك، قد ترمي الجهود المشتركة بين واشنطن وحلفاء الخليج بالحوثيين في أحضان طهران.
من العبث مقارنة صعود الحوثيين بحزب الله. فقد نشأ حزب الله في زمن “الغليان” ضد الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982. كما زادت شعبية الحزب داخل المناطق التي يسكنها الشيعة الغاضبون من تمثيلهم السيئ داخل النظام السياسي، ومن وجود ميلشيات فلسطينية (استخدمت جنوب لبنان لشن هجمات على “الأراضي الإسرائيلية”)، بالإضافة إلى عشوائية الرد الإسرائيلي، الذي طال العديد من الشيعة.
قد ترى إدارة ترامب في اليمن فرصة لإثبات الحل الذي قدمته في مواجهة إيران من دون الدخول في حرب شاسعة في الشرق الأوسط
في الحقيقة، كان ذلك بعد 3 سنوات من الثورة الإسلامية، عندما عزم الحرس الثوري، المنتشي بانتصاره السياسي وصده الغزو العراقي، على نشر إيديولوجيته داخل العالم الشيعي.
بدأ حزب الله كتجربة إيرانية، وهي فرصة تمكنت طهران من حسن استغلالها. ولكن مع مرور الوقت أصبح الحزب أكبر بكثير مما توقع له، حيث أصبح الممثل الحقيقي والشعبي (إن لم نقل العالمي) للشيعة اللبنانيين، بمليشيا تأمل في الوقوف في وجه انتهاكات إسرائيل للسيادة اللبنانية. وقد لقي هذا المكسب دعما على مضض من سنّة لبنان ومسيحيّيها، بالإضافة إلى إعجاب خارجي – في حال لم يكن سببا في خلق نزاع طائفي- خاصة في العالم العربي.
لعقود، لم تلفت حقيقة تمويل إيران لترسانة حزب الله العسكرية عبر سوريا، إلا أنظار عدد قليل من الدول العربية – وذلك بحلول سنة 2006 في ظل الحرب التي اندلعت بين لبنان وإسرائيل والتي سلطت الضوء على بعض الأنظمة العربية ومشاكلها العسكرية.
في السنوات الأربع الأخيرة، تغيّر مفهوم حزب الله بشكل كبير، فتدخله في الحرب الأهلية السورية حولته إلى شريك أساسي لإيران من أجل حماية موقع بشار الأسد ونظامه السفاك. وبالتالي تمكن الحزب من الخط الأساسي لمصادر أسلحته. ومع تواصل الصراع الإيراني السعودي، الذي بلغ درجة الغليان في الشرق الأوسط، رحب حزب الله بالتفرقة الطائفية، التي يراها البعض عنصرا ملازما للحزب منذ تأسيسه.
في المقابل، تعدّ جذور الحوثيين مختلفة عن حزب الله، ولكن توجد هناك نقاط تشابه مثيرة للاهتمام. فالحوثيون يهدفون إلى حماية الزيديين –وهم من وجهة نظر دينية شيعة أشدهم قربا لسنة اليمن أكثر من قربهم من الشيعة الإثني عشرية المنتشرين في إيران والعراق ولبنان- واجتمعوا في بادئ الأمر ضمن إطار السياسة الوطنية، في وجه تمدد الحراك السلفي الممتد في مناطق الزيديين.
في حال توجه ترامب أولا إلى خوض الحرب في اليمن، فسيكون هناك خطر حقيقي يتمثل في خروج الصراع عن السيطرة
لكن مع بداية سنة 2000 تحولوا إلى ميليشيا لها صلة سياسية بحزب الله وإيران، وتعارض علنا الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وإسرائيل. كما خاضوا بين سنتي 2004 و2010، ستة معارك في ذلك الوقت مناهضة للرئيس علي عبد الله صالح وجيشه، فكسبوا بعض القوة من خلال السيطرة على مخازن الأسلحة.
ربما قاتل الحوثيون من أجل الانتفاضة اليمنية سنة 2011، عندما زعزع الربيع العربي نظام صالح وتُوّج بانتقال سياسي للسلطة بوساطة ودعم من المملكة العربية السعودية من خلال تعويض صالح بنائبه عبد ربه منصور هادي. ولسنتين، شارك الحوثيون في اللعبة السياسية، فكانوا حاضرين في الحوارات القومية حتى عندما كانوا يعملون على قلب موازين القوى لصالحهم في الشمال. وعندما تعثر الانتقال السياسي، رفع الحوثيون السلاح من جديد واستهدفوا العاصمة صنعاء في أيلول/ سبتمبر 2014، ثم بعد أشهر قليلة أطاحوا بهادي الذي هرب إلى عدن ثم بعد وقت قصير إلى المملكة العربية السعودية.
كما أجرى الحوثيون تحالفات مع عدوهم السابق صالح. فقد رأى الرئيس السابق في الحوثيين – مقاتلين أشداء ولكن يفتقدون حسن الإدارة- فرصة للأخذ بالثأر من الذين وقفوا ضده في سنة 2011، من أجل استعادة سلطته. وقد أثار تحالف كل من القوى الحوثية مع جزء من القوة المسلحة الموالية لصالح مخاوف المملكة العربية السعودية.
وفي آذار/ مارس سنة 2015، أطلقت كل من السعودية والإمارات بدعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، هجمات جوية ثم بعد وقت قصير قامت باجتياح أرضي للتصدي لتقدم التحالف الحوثي وصالح. في نهاية المطاف، وبعد مرور سنتين، ما زال القتال مستمرا ليزيد من تدهور أفقر دولة في العالم العربي.
حتى الآن وبعيدا عن التصريحات التي تؤكد دعم الإيراني للحوثيين، فإن القليل من الحقائق تثبت التواطؤ الإيراني مع الحوثيين إذ هناك معلومات تفيد بوجود سفن تحمل أسلحة وبعض المستشارين من حزب الله والحرس الثوري، الذين ساعدوا الحوثيين في إطلاق الصواريخ على الأراضي السعودية وسفنها الموجودة في البحر الأحمر. في الأثناء، لم يثبت الجيش الأمريكي والبريطاني والاستخبارات الداعمة للتحالف السعودي تلقّي الحوثيين لأي دعم طهران.
زادت المعارك من قوة الحوثيين، الذين يرفعون الآن راية الدفاع عن الوطن ضد العدوان الخارجي. في الحقيقة، أصبحت السعودية للحوثيين كما كانت إسرائيل لحزب الله. فحزب الله يرى في إسرائيل محتل غاز للأراضي العربية وظالم لشعوبها، إلى جانب الولايات المتحدة والدول الغربية التي لديها مصالح كبيرة في المنطقة. أما بالنسبة للحوثيين، فإن المملكة العربية تعدّ بمثابة معتد أجنبي ينسج على منوال مخطط الولايات المتحدة وإسرائيل في السيطرة على المنطقة.
إن الحرب اليمنية هي جزء من مخطط إيراني كبير لبناء قوة شيعية حليفة لها ضد إسرائيل والمملكة العربية السعودية
من جهة أخرى، تبيّن قصة صعود الحوثيين إلى سلّم السلطة، أن محركهم الأساسي هو الأجندة المحلية، وليست الإقليمية. فهم يتمتعون بدعم طويل الأمد من الزيديين في الشمال. وبالتالي، لن يغير تصعيد الحرب شيئا من هذا، حتى إن قدمت الولايات المتحدة دعما كبيرا للتحالف بقيادة السعودية. وإن كان ذلك واردا، فإن الحوثيين سيقبلون الدعم الإيراني الإضافي العسكري والمالي. في المقابل، بالنسبة لإيران، ستكون اليمن موقع حرب فعالة من حيث التكلفة في معاداة السعودية، التي أنفقت مليارات الدولارات في حرب اليمن، بينما أنفقت طهران مبلغا قليلا في المقابل.
من جهتها، قد ترى إدارة ترامب في اليمن فرصة لإثبات الحل الذي قدمته في مواجهة إيران من دون الدخول في حرب شاسعة في الشرق الأوسط. أما بالنسبة للولايات المتحدة في سوريا، فستركز حربها ضد تنظيم الدولة متجاهلة نظام الأسد وقمعه لشعبه. كما أنه كلما زادت التحركات المستهدفة لإيران أو وكلائها، سيتعاظم الخطر بسبب تحالف إيران مع روسيا.
أما في العراق، فقد تحتاج الولايات المتحدة لإيران –في هيئة المليشيات الشيعية- حيث ستكون بمثابة شريك مهم من شأنه أن يقف في وجه ضعف الجيش العراقي في مواجهة تنظيم الدولة المتحصن بالموصل. وفي الخليج، تمثل مواجهة البحرية الإيرانية خطرا قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع إيران.
ومع كلّ هذا قد تكثّف واشنطن دعمها للتحالف العربي بقيادة السعودية، وقد توجه، ربما، ضربات مباشرة ضد الحوثيين في اليمن، في رسالة مباشرة لطهران. وفي الواقع، سيلقى هذا الفعل ترحيبا من المملكة العربية السعودية، التي يراهن نائب ولي العهد محمد بن سلمان على تحقيق النصر في هذه الحرب، من خلال حليفته الإمارات العربية المتحدة. والجدير بالذكر أن هاتين الدولتين تأملان في أن يساهم الدعم الأمريكي في كسر شوكة التحالف الحوثي وصالح أو على الأقل يجبرهم على تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات.
مثل هذه الحسابات قد تكون بمثابة خطأ فادح. فعلى الرغم من العلاقة القوية التي تربط الحوثيين بإيران، إلا أنها ليس باستطاعتها السيطرة على قراراتهم. ووفق لعديد المحاورات التي جرت مع موظفين في الإدارة الأمريكية والحوثيين أنفسهم، تبين أن الحوثيين تجاهلوا بكل بساطة طهران عندما نصحتهم بعدم دخول صنعاء. حتى الآن، يبدو أن إيران قد قامت بالضروري والكافي للتصدي للسعودية وإخافتها مع التأكد من أنها قد علقت في “المستنقع” اليمني، وأنفقت مليارات الدولارات في حرب لا يبدو أنها ستنتهي في وقت قريب.
في حال توجه ترامب أولا إلى خوض الحرب في اليمن، فسيكون هناك خطر حقيقي يتمثل في خروج الصراع عن السيطرة. ستوفر اليمن بكل بساطة مكانا لإيران للرد على الهجمات السعودية: وهذا سيناريو محتمل قد يخلق انتفاضة في المحافظة الغربية للسعودية تدعمها إيران، بشراكة الدفع الحوثي نحو نجران وعدد من مدن الجنوب. كما أن الصواريخ التي تستهدف السفن السعودية تهدف إلى إبعاد المملكة عن مضيق باب المندب ما من شأنه أن يمثل خطرا محققا على الاستقرار الداخلي للمملكة.
يريد ترامب تكثيف حرب الولايات المتحدة بالوكالة ضد إيران ولكنه سيجد نفسه أمام مشكلة صغيرة، تتمثل في عدم وجود “وكلاء أصليين” لطهران في اليمن
من جانب آخر، يدفع القادة السعوديون التحالف العربي على ضرورة مواصلة الحرب، لأنهم لن يقبلوا بوجود ميليشيا مشابهة لحزب الله على حدودهم. وإن كانت الميليشيا التي يشيرون إليها مدججة بالسلاح وغير حكومية ومنتشرة على حدودهم، فإن الوضع سيتجه نحو التأزم. ولكن إن كان خوفهم مصدره التحالف الإيراني فقد نجحوا، في الغالب، في جعل المجموعة تتخلى عن أجندتها المحلية والارتماء في أحضان إيران.
ليس الطريق الأمثل للتعامل مع الحوثيين هو مواصلة الحرب التي لا منتصر فيها؛ بل بعودة الأحزاب اليمنية إلى طاولة المفاوضات: في حال دعمت السعودية وحلفاءها مشروع اللامركزية والحكم الشامل، فلن يقوم الحوثيون إلا بإضعاف أنفسهم لأن إيديولوجيتهم لن تستقطب الكثيرين، فهم غير موهوبين في الحكم والإدارة، وبالتالي سيكون مصيرهم الفشل وسيُهزمون من قبل حزب صالح والمجموعات الداعمة للسعودية.
في الختام، لا يمكن للولايات المتحدة أو المملكة العربية السعودية الانسحاب الآن من الحرب في اليمن، ولكن إن كان لهم الدهاء الذي تتميز به إيران، فسيسمحون للحوثيين بالغرق في عملية الفوضى السياسية التي صنعوها هم بأنفسهم.
المصدر: فورين بوليسي