ترجمة وتحرير نون بوست
تتعرض الأصوات المعارضة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القمع الشديد، الذي تجسد من خلال اللجوء للفضائح ونشر الشائعات حولهم وممارسة ضغط سياسي عليهم، وقد وصل الأمر إلى درجة التصفية والقتل.
مرت سنتين على وفاة أبر الناقدين لسياسة الكرملين، بوريس نيمتسوف، الذي لقي حتفه بطلقة نارية وسط العاصمة موسكو، بعد مرور ساعات قليلة على النداء الذي توجه به إلى الروس لأجل المشاركة في وقفة احتجاجية للتنديد بالحرب التي يديرها الرئيس بوتين في أوكرانيا.
ومع ذلك، يبدو أن الرئيس لم يفلح في إسكات بوريس، حتى بعد موته، حيث أثبت أن صوته لا يزال قادراً على توحيد المعارضة الروسية، التي تشهد انقساما وحصارا شديدا، ضمن أبرز الأطراف فيها.
شهد قلب العاصمة موسكو، في الذكرى الثانية لاغتيال زعيم المعارضة نيمتسوف، عشية الأحد، الموافق ليوم 26 كانون الثاني/يناير 2016، حشداً هائلاً، ضم حوالي 15 ألف شخص، هتفوا بعبارات “روسيا ستتحرر قريباً!” .. “ليسقط بوتين!”، ورفعوا خلال المظاهرة صور الزعيم، مصحوبة بعبارة ” الكفاح!“.
سمح بوتين فقط للأحزاب شبه المعارضة بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية
على العموم، يبدو أن هذا الكفاح سيكون من أصعب التحديات وأشدها بالنسبة للمعارضين، الذين يقفون اليوم أمام رئيس قاد روسيا طوال 17 سنة، من المتوقع أن تتواصل فترة رئاسته إلى غاية سنة 2024، في حال فاز في الانتخابات الرئاسية التي ستعقد في السنة القادمة.
وتجدر الإشارة إلى أنه، وبصرف النظر عن جوزيف ستالين، فقد نجح بوتين في المحافظة على مركزه في الكرملين لمدة ربع قرن تقريبا، وسيكون بذلك أقدم قائد روسي في الكرملين.
وفي هذا الصدد، أشار بعض نشطاء المعارضة إلى أن “الرئيس بوتين تمكن من تأمين بقائه في الحكم واستمراره لفترة طويلة في الكرملين من خلال تصفية كل الأشخاص الذين يمثلون تهديدا له من خلال منافسته على السلطة، والسماح فقط للأحزاب شبه المعارضة بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية”.
في تصريح له لصحيفة الفوكتيف، أفاد ايليا ياشين، المعارض السياسي البارز، بأنه “لو كان بوتين زعيماً قوياً حقاً، كما تزعم وسائل الإعلام الروسية الرسمية دائماً، لما ارتعب من وجود معارضة حقيقية على الساحة السياسية، ولكنه يسعى لتصفية أي شخص يقف أمامه ويتحداه”. في الحقيقة، كان نيمتسوف من بين المعارضين الخمسة الذين قادوا أكبر احتجاجات عرفتها روسيا خلال فترة رئاسة بوتين، وذلك بين سنة 2011 و2012. وخلال هذه الاحتجاجات، خرج عشرات الآلاف من المواطنين إلى الشوارع، في مشهد غير مسبوق، لإعلان معارضتهم لبوتين.
ومن اللافت للنظر أنه، وعلى إثر اغتياله، وجهت السلطات الروسية تهمة قتل نيمتسوف إلى خمسة شيشانيين، من بينهم عضو في الأجهزة الأمنية. في المقابل، تخشى عائلة زعيم المعارضة من أن تفشل في معرفة الجاني الحقيقي الذي م أمر باغتياله، خاصة في فترة رئاسة بوتين لروسيا.
مرت سنتين على وفاة أبر الناقدين لسياسة الكرملين، بوريس نيمتسوف، الذي لقي حتفه بطلقة نارية وسط العاصمة موسكو، بعد مرور ساعات قليلة على النداء الذي توجه به إلى الروس لأجل المشاركة في وقفة احتجاجية للتنديد بالحرب التي يديرها الرئيس بوتين في أوكرانيا
في الواقع، خلال احتجاجات 2011-2012، دعم مجموعة من قائدي المعارضة نفوذ نيمتسوف. وقد كان من بينهم غاري كاسباروف، بطل العالم السابق في الشطرنج، ويوجين شيروكوف، ربة البيت التي تحولت إلى معارضة سياسية وناقدة للكرملين، اللذان فرا من روسيا حفاظاً على سلامتهم وخوفاً من بطش بوتين. علاوة على ذلك، نجد أيضاً في هذه المجموعة، اليساري سيرجي أودالتسوف، الذي يقبع اليوم في السجن بتهمة التحريض على الشغب الجماعي، على الرغم من نفيه للتهم الموجهة له.
السلطات الروسية تستهدف نيمتسوف حتى في موته
وفي محاولة لتوضيح مظاهر التعصب الشديد الذي يمارسه الكرملين، حتى على أقل مظاهر المعارضة العلنية، أورد، غريغوري سكسونوف، أحد المعارضين لبوتين، أن “النصب التذكاري الذي وضعه الناس على الجسر الذي قتل عليه نيمتسوف يتعرض للهجوم، تقريباً كل ليلة، حيث يأتي عاملو النظافة المدعومين من قبل الشرطة، حوالي الساعة الرابعة صباحاً ليستولوا على جميع الزهور الموجودة هناك”. ومن المثير للاهتمام أن سكسونوف يقف بنفسه حارساً على هذا النصب التذكاري.
وأضاف سكسونوف، أنه “ورغم كل ذلك، يأتي المواطنون إلى النصب التذكاري، كل صباح، ويجلبون معهم الزهور لوضعها من جديد. وفي الأثناء، يتعرض العديد منهم إلى الإيقاف من قبل الشرطة، لدفاعهم عن هذا النصب”.
والجدير بالذكر أن حالة التسمم التي تعرض لها الناشط المؤيد للديمقراطية، فلاديمير كارا ميرزا، قد رفعت الستار عن الخطر الكبير الذي يحدق بالمعارضة الروسية.
في الواقع، نقل كارا ميرزا إلى المستشفى في حالة حرجة للمرة الثانية في غضون سنتين، بعد إصابته بما عبر عنه الأطباء “بحالة تسمم حادة بمادة لم نقدر على تحديد نوعها”. وعلى إثر هذه الحادثة، غادر كارا ميرزا روسيا إلى مكان لم يتم الإعلان عنه.
تتعرض الأصوات المعارضة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى القمع الشديد، الذي تجسد من خلال اللجوء للفضائح ونشر الشائعات حولهم وممارسة ضغط سياسي عليهم، وقد وصل الأمر إلى درجة التصفية والقتل
قبيل هذه الحادثة، وفي سنة 2015، نقل كارا ميرزا إلى المستشفى، في ظروف مشابهة، وقضى شهوراً في العلاج بين موسكو والولايات المتحدة. واثر شفائه، قال كارا ميرزا إنه يؤمن بأن هناك من قام بتسميمه انتقاما منه لمعارضته لبوتين، لأن “كل من يقف في وجه بوتين ويعارضه، سيجد نفسه في النهاية إما في السجن أو مريضا، أو أسوأ من ذلك بكثير، وللمعارضين نصيب كبير من ذلك”.
في عودة إلى الحديث عن القادة الأربعة الذين دعموا نيمتسوف في احتجاجات 2011-2012، نذكر ألكسي نافالني، القائد الرابع ومحامي مكافحة الفساد المعروف، الذي يعتزم تحدي بوتين في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إن تسنت له فرصة البقاء على قيد الحياة إلى ذلك الموعد.
على العموم، تنم شخصية نافالني على أنه شخص متناقض، يتمتع بعلاقات متوازية مع الحركة المؤيدة للديمقراطية وحركة القوميين الروس في الوقت ذاته. وقد تمكن نافالني من ترسيخ اسمه عبر سلسلة التحقيقات العميقة التي خاضها والتي تعلقت أساساً بالفساد.
في سنة 2013، فاز نافالني بحوالي 30 بالمائة من مجموع الأصوات في الانتخابات البلدية في موسكو، وسط ذهول النظام الروسي، على الرغم من أنه منع من الظهور في وسائل الإعلام الوطنية.
علاوة على ذلك، أطلق نافالني تسمية “حزب المحتالين واللصوص”، على حزب “روسيا المتحدة” الحاكم، الذي يديره بوتين، وصرح أنه “يسعى للوصول إلى الرئاسة لكي يتمكن الروس من العيش بشكل طبيعي، كما هو الحال في أي دولة أوروبية”.
في المقابل، سيكون علينا استبعاد هذه الفكرة، لأن إدارة الكرملين لن تسمح له بذلك. فخلال هذا الشهر، وفي ما وصفه نافالني بمحاولة “تخريب”، فرص ترشحه نحو الرئاسة، ادانته محكمة كيروف بتهمة الاحتيال، وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات مع وقف التنفيذ. وعملاً بموجب القانون الروسي، يحرم أي مدان سابق من الترشح للانتخابات الرئاسية.
من جهته، نفى نافالني هذه التهم وأفاد بأن قرار المحكمة كان صادراً عن الكرملين، مضيفاً أن الدستور الروسي يحرم فقط الناس الذين قضوا مدة في السجن من الترشح للانتخابات.
بالإضافة إلى ذلك، صرح نافالني في المحكمة أن “هذا القرار عبارة عن رسالة من قبل الكرملين، نظرا لأنه يؤمن أن صوت المعارضة قوي وخطير جداً، لذلك لا يمكن السماح له بالمشاركة في الحملة الانتخابية.. ومن هذا المنطلق، نحن لا نعترف بهذا الحكم”.
النصب التذكاري الذي وضعه الناس على الجسر الذي قتل عليه نيمتسوف يتعرض للهجوم، تقريباً كل ليلة، حيث يأتي عاملو النظافة المدعومين من قبل الشرطة، حوالي الساعة الرابعة صباحاً ليستولوا على جميع الزهور الموجودة هناك
في الحقيقة، أعادت المحكمة فتح القضية التي نظرت فيها قبل أربع سنوات، أي في سنة 2013، وقد حكمت آنذاك بالسجن على نافالني لمدة أربع سنوات. ولكن بفضل أنصاره الذين اجتمعوا بالآلاف في مسيرة أمام البرلمان، أطلقت المحكمة سراح نافالني في الاستئناف وألغت الحكم في السنة الماضية بأمر من المحكمة العليا في روسيا، وذلك على إثر إدانتها من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي اعتبرت أن نافالني لم يخضع لمحاكمة عادلة.
وفي تحد واضح للسلطات، فتح نفلني، هذا الشهر، مكاتب لإدارة حملته الانتخابية في كل من سانت بطرسبورغ ويكاترينبورغ. وفي الأثناء، أشار نافالني إلى أن “السلطات تخشى مني ومن كل مترشح يتلفظ بالحقيقة”. فضلا عن ذلك، تطوع ما يربو عن 1500 مواطن روسي لأجل دعم حضور نافالني وحملته الرئاسية.
وعموما، سيضطر نافالني للانتظار إلى غاية شهر كانون الأول/ ديسمبر 2017، لتأكيد ترشحه، ولكنه، في الأثناء سيعمل مع أنصاره على تكثيف الضغط على الكرملين من خلال فتح 75 مكتب للحملة الانتخابية في روسيا، من موسكو إلى فلاديفوستوك.
وفي تصريح له لصحيفة الفوكتيف، أفاد ليونيد فولكوف، رئيس فريق حملة نافالني، بأن “سلبيات عدم السماح له برئاسة روسيا ستؤثر أكثر على صورة الكرملين من سلبيات السماح له بذلك”. وأضاف فولكوف أن “هذا سيتحقق في حال أقر الشعب الروسي بحقيقة أن منع نافالني من الترشح يدل على ضعف بوتين”.
أكد نافالني، من جهته، أن الشعب الروسي هو منبع السلطة وأن الاحتجاجات ستكون غالباً الطريقة الوحيدة لإزالة بوتين عن السلطة.
خلافا لذلك، يخشى الروس اليوم من الاحتجاجات وتداعياتها، ويعود السبب في ذلك إلى الأحداث التي أدت إلى اندلاع الحرب في أوكرانيا، والتي انتهت بتنحي الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، عن السلطة في سنة 2014.
تمكن بوتين من تأمين بقائه في الحكم واستمراره لفترة طويلة في الكرملين من خلال تصفية كل الأشخاص الذين يمثلون تهديدا له من خلال منافسته على السلطة
بالإضافة إلى ذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى أنه، على الرغم من عدم الرضا الذي أبداه الروس في ما يتعلق بالاقتصاد والرعاية الصحية في روسيا وغيرها، لا يزال خوفهم من تقاسم المصير التعيس الذي تشهده أوكرانيا، يمنعهم من الخروج إلى الشوارع.
بعيداً عن الأنباء السيئة، أطلقت المحكمة العليا في روسيا سراح المعارض الشهير، إلدر دادين، بعد أن تم تفنيد إدانته لأسباب قانونية، في الوقت الذي كان فيه سكان موسكو يتهيؤون لإحياء ذكرى اغتيال نيمتسوف.
وفي أعقاب ذلك، أفاد دادين بأنه “تعرض للتعذيب”، على الرغم من نفي مسؤولي السجن لهذه الحقيقة. والجدير بالذكر أن دادين قد تحصل على لقب “سجين رأي”، من قبل منظمة العفو الدولية.
من ناحية أخرى، صرحت زوجة دادين، انستازيا زيوفا، أن “تواتر الأخبار بشأن قضية زوجي وانتشارها في صفوف الشعب الروسي وحتى في الخارج كان السبب في إطلاق سراحه”.
وفي الوقت ذاته، تعهد دادين بمواصلة معركته ضد بوتين، برفقة بقية القادة المعارضين.
صرح المعارض السياسي الروسي، ياشين، في ذكرى اغتيال نيمتسوف الأخيرة التي أحياها الروس، أنه “لو لم أكن على يقين أن جهودنا ستأتي أكلها في الأخير، لما فعلنا ما فعلناه في السابق وما نفعله اليوم وما سنفعله في المستقبل”. وأردف ياشين أن “بوتين أصبح يذكرنا بالقادة السوفيتيين القدماء، مثل بريجنيف، لأنه قاد السلطة لفترة طويلة جداً.. سيبدأ الناس بالاستهزاء به قريباً، كما فعلوا ببريجنيف.. عندما يبدأ هذا بالحدوث، سنشهد التغيير الحقيقي”.
المصدر: فوكاتيف