وقت الأعياد العبرية تتجه الأنظار نحو جماعات المستوطنين الذين يقتحمون المسجد الأقصى بلباسهم الأبيض، ويعدون البوابات بالسجود الملحمي، وهم يحملون سعف النخيل وينفخون البوق ويرددون الأغاني التلمودية الخاصة بكل عيد.
وبتخطيط من الشرطة الإسرائيلية، يتم تفريغ المسجد من المرابطين وفق سياسة ممنهجة، فقبل الأعياد ترسَل إخطارات للشبان المقدسيين وتحديدًا سكان البلدة القديمة وجيران الأقصى، بالإبعاد أو الاعتقال حتى انتهاء موسم الأعياد.
ووقت الأعياد تُتداول عبر منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام صور وفيديوهات تظهر اشتباكات المستوطنين مع المرابطين والمرابطات في الطرقات المؤدية إلى الأقصى، ويظن من يسكن بعيدًا عن الأقصى هذه هي المواجهة الوحيدة، لكن هناك مواجهة هي الأخطر يعانيها جيران الأقصى، فكيف حالهم في تلك المناسبات؟
يذكر أن موسم الأعياد التوراتية لمدة 22 يومًا يبدأ بـ”رأس السنة العبرية”، وكان الأحد الماضي 17 سبتمبر/ أيلول، وتتبعه “أيام التوبة” وصولًا إلى “عيد الغفران” في 25 سبتمبر/ أيلول، و”عيد العرش” من 30 سبتمبر/ أيلول وحتى 7 أكتوبر/ تشرين الأول؛ وتوظفه جماعات الهيكل المتطرفة ليكون أشد مواسم العدوان على الأقصى، والمحطة السنوية لفرض الطقوس التوراتية فيه.
جارة الأقصى تحكي قلقها وقت الأعياد العبرية
عبر الهاتف تصرخ أم أحمد، وهي تسكن بجانب باب حديد -أحد أبواب المسجد الأقصى- وأمّ لـ 5 شباب: “داهموا البيت واعتقلوا ابني الأوسط، وسلموا البقية إخطارات إبعاد عن المسجد مدة شهر (..) واهمٌ المحتل لو ظنَّ بهذه الطريقة سنترك البيت ونرحل”.
وتصف لـ”نون بوست” أن فترة الأعياد العبرية تشبه الكابوس، فرغم محاولاتها وزوجها إبعاد أبنائهم عن أي احتكاك مع المستوطنين أمام منزلهم الملاصق لباب حديد، إلا أن المستوطنين وتحت حماية الشرطة الإسرائيلية يستفزون أولادها عبر الوعيد بالقضاء على الفلسطينيين، وكذلك الألفاظ النابية والحركات اللاأخلاقية.
وتوضح المقدسية أن فترة الأعياد تنقلب حياتهم رأسًا على عقب، فطيلة النهار والليل يأتي أسراب من المستوطنين على باب بيتها يقتحمون “حوش الدار” -ساحة البيت-، وينصبون الخيام من سعف النخيل ويرقصون ويغنون فيسبّبون الإزعاج لجميع السكان، لكن لا يستطيع المقدسي فعل شيء سوى الصمت والانتظار حتى تنتهي الأعياد.
وعن تفاصيل حياتهم اليومية وقت الأعياد العبرية، تقول: “في حال غادرت البيت لشيء طارئ، يبقى زوجي يراقب من تبقى من الأبناء خشية اقتحام البيت من قبل المستوطنين أو جنود الاحتلال، فيكون مصير الأبناء السجن أو الإبعاد”.
وتستذكر موقفًا حدث مع ابنتَيها سندس وغدير، عندما اضطرت لإبقائهما في البيت مع توصيتهما بعدم فتح الباب لأحد، لكن تفاجأت عند عودتها أن جنود الاحتلال كسروا الباب وعاثوا في البيت وقلبوه رأسًا على عقب، أما ابنتاها كانتا في حالة يرثى لها بعد الاعتداء عليهما بالضرب من قبل مجندات إسرائيليات، ما جعلها تصحبهما منذ 5 سنوات لقضاء وقت الأعياد في بيت جديهما في مدينة جنين.
وتحكي أن أبناءها كحال الشباب مهما حاولوا تجاهُل تصرفات المستوطنين، لكن في النهاية تنشب مشكلة بينهم ما يستدعي وجود الشرطة الإسرائيلية التي تعتقل أبناءها وشباب الحارة، كون كاميرا الشارع رصدتهم وهم يتعاركون، بينما المستوطن المستفز لا توقفه بحجّة الكاميرا التي يقابلها معطّلة.
ولم تغفل جارة الأقصى عن توعية أولادها منذ الصغر بخطورة تلك الأعياد التوراتية، فكان يلفتهم كثيرًا اللباس الأبيض وطريقة ارتدائه وما يردده المستوطنون من صلوات تلمودية ويحاولون تقليد ذلك وقت اللعب، لكنها وزوجها دومًا كانا يوضّحا لهم خطورة ذلك على المسجد الأقصى الذي هو ملك للفلسطينيين والمسلمين.
شاب تسكن عائلته الأقصى، لكنه مبعَد
وهنا حكاية مثيرة بتفاصيلها يرويها نور الشلبي (26 عامًا)، يسكن وعائلته الأقصى قرب باب المطهرة منذ عقود طويلة.
يحكي أصل الحكاية بأن بيت العائلة الذي عاش فيه أجداده يبعد عن قبة الصخرة 150 مترًا، لا يزال يقطن فيه الجميع، بينما هو من عمر الـ 18 مبعَد عن الأقصى ويسكن قرية العيساوية، موضحًا أنه كل 6 شهور يتسلم إخطارًا بالإبعاد، وحين ينتهي يعود إلى بيته ويقضي وقتًا أطول في باحات الأقصى، لكن بعد أيام قليلة يتسلم الجديد.
يقول لـ”نون بوست” إن أكثر شيء كان يثير فضوله حين كان صغيرًا هو إغلاق بوابات الأقصى عليهم بأمر من الاحتلال من بعد صلاة العشاء وحتى الفجر، فكان يسأل والده كثيرًا فيخبره كما يستوعب طفل صغير.
ويستذكر الشلبي المستوطنين وهم يقتحمون ساحة منزلهم، ويحاولون الصعود إلى السطح يرتلون الأغاني التلمودية ويرقصون، ثم يبدأون بالصراخ على أهل البيت وقذفهم بالألفاظ النابية والاعتداء عليهم.
ويشير إلى أنه في فترة المراهقة لم يكن يستوعب وفتية البيت استفزازات المستوطنين، فكثيرًا ما كانوا يتجاوبون معهم في العراك، ويكون مصيرهم الضرب من قبل الشرطة أو الاعتقال.
“لا نوم وقت الأعياد”، هكذا يصف الشلبي حال من يسكنون الأقصى، فطيلة الليل والنهار هناك إزعاج واستفزاز متعمّد من قبل المستوطنين، مبيّنًا أنهم لا يشعرون بالعيد إلا بالاعتداء على المقدسيين.
ولفت إلى أنه وقت كان صغيرًا، يطل من شباك بيتهم ويرى المستوطنين قرب حائط البراق يبكون بصوت مزعج ويرددون عبارات لم يفهمها، كان ذلك يلفت انتباهه، لكن صوت خلع باب البيت من قبل جماعات من المستوطنين يزيده حقدًا عليهم، وكثيرًا ما كان يسأل جده عن تلك الطقوس والأدوات التي يحملونها.
ويذكر موقفًا حدث معه وقت كان بعمر الـ 10 سنوات، خرج برفقة والده إلى السوق وتزامن ذلك مع عيد الفصح، ووقت وصولهما إلى باب المطهرة للدخول إلى البيت، تم الاعتداء عليهما بالأدوات الحادة من قبل المستوطنين الذين يقدَّر عددهم بالعشرات.
ويكمل الشلبي حديثه: “بكيت كثيرًا وطلبت من والدي الرحيل عن البيت، خاصة أن الخوف كان يتملكني ليل نهار، لكن جدي الذي يبلغ اليوم 90 عامًا هدّأ من روعي وأخبرني: “نحن أصحاب الأرض وهم سيرحلون”، فبقيت هذه الجملة عالقة في ذاكرتي حتى هذا اليوم”.
ما هي الأعياد التوراتية وتفاصيلها؟
- رأس السنة العبرية: يكون نفخ البوق في المسجد الأقصى وفي جواره مرارًا، لإعلان أن الزمان العبري يبدأ منه باعتباره الهيكل المزعوم، وهذا تم على مدى عامَين ماضيَين ولم يوثَّق رغم ذلك، نتيجة عجز الأوقاف الأردنية عن ممارسة مهامها في الساحة الشرقية للأقصى أمام العدوان الصهيوني المتزايد.
- أيام التوبة العشر، من رأس السنة العبرية وحتى الغفران التوراتي: اقتحام الأقصى بالثياب البيضاء لتكريس حضور الثياب التوراتية في الأقصى، وتكريس حضور طبقة الكهنة فيه كذلك، وهي الطبقة التي تقود صلاة اليهود في الهيكل حسب التصور التوراتي.
- عيد الغفران التوراتي: والهدف فيه محاكاة القربان، وتسجيل رقم قياسي للمقتحمين فيه وفي اليوم التالي له، وكذلك محاولة نفخ البوق في المدرسة التنكزية بعد غروب الشمس مباشرة.
- عيد العرش التوراتي: محاولة إدخال القرابين النباتية إلى الأقصى تعبيرًا عن كونه الهيكل المزعوم، وأن يتم ذلك برعاية شرطة الاحتلال وبأعداد كبيرة، كما أن هذه الأيام تشكّل موسمًا سنويًّا لرفع أعداد المقتحمين إلى ما يقارب أو يتجاوز 1500 مقتحم يوميًّا على مدى عدة أيام متتالية.
وبعد مرور أيام قليلة على الأعياد العبرية، لا يزال جيران الأقصى وحدهم حرّاسًا للمسجد، فهم يرابطون طيلة الوقت من أجل التصدي لأي محاولة تهويد، عبر تكريس حقائق جديدة فيه بإدخال الأدوات الدينية التوراتية.