مع اقتراب الانتخابات البرلمانية في الجزائر، تبنّت الإتجاهات المختلفة، المنبثقة عن الحركة القبائلية، مواقف تراوحت بين المقاطعة والمشاركة. في الأثناء، قام حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية مؤخرا بتوضيح برنامجه الإنتخابي، في انتظار الانتخابات المُرتقبة في أوائل شهر أيار/مايو.
في الواقع، طرح هذا الحزب، الذي ارتبط تاريخيا بالنضال الأمازيغي، العديد من الاقتراحات التي من المرجح أن تجد صدى لدى الناخبين القبائليين. وقد استمر حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية بالمطالبة بإلغاء نظام مركزية الدولة وضرورة تشكيل مجالس برلمانية إقليمية، وذلك وفقا لما صرح به الناطق باسم الحزب، عثمان معزوز.
وبالتالي، فإن ما ينادي به الحزب ويسعى إلى تطبيقه يتماشى مع مطالب الحراك الأمازيغي. علاوة على ذلك، أكد الحزب على ضرورة الاعتراف التام باللغة الأمازيغية فضلا عن مساواتها مع اللغة العربية.
الأمازيغ وعادة المقاطعة
في هذه المرحلة، يبقى السؤال المطروح هو: “هل يأمل حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية في الحصول على أصوات ممّن يُعتبرون من المتعصّبين للقضية الأمازيغية؟”. وكانت الإجابة فورية من الناطق باسم الحزب عثمان معزوز الذي أكّد على أنه من عادة الأمازيغ مقاطعة الانتخابات سريعا، ولكن في حال اشترك الحزب، فسيقومون حتما بالتصويت.
غالبا ما تكون مشاركة الأمازيغ في الانتخابات ضعيفة مقارنة بالفئات الأخرى من المجتمع مثلما حدث خلال سنة 2014. ففي حين ارتفعت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية إلى 52 بالمائة، لم تتجاوز نسبة مشاركة القبائليين 25 بالمائة
في الحقيقة، غالبا ما تكون مشاركة الأمازيغ في الانتخابات ضعيفة مقارنة بالفئات الأخرى من المجتمع مثلما حدث خلال سنة 2014. ففي حين ارتفعت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية إلى 52 بالمائة، لم تتجاوز نسبة مشاركة القبائليين 25 بالمائة.
وتجدر الإشارة إلى أن فترة الانتخابات غالبا ما تُرافقها أعمال شغب في مناطق مختلفة، حيث يقوم الشباب في أغلب الأحيان بتخريب مراكز الاقتراع.
من ناحية أخرى، صرّح معزوز أن لحزبه، الذي غالبا ما يحقق أعلى النتائج في المناطق القبائلية، “جذورا راسخة في المنطقة علاوة على أنه على اتصال بالسكان وبالمتشددين الأمازيغ”. ونتيجة لذلك، فهو قادر على الفوز بقلوب الناخبين. كما يأتي ذلك تزامنا مع إعادة انخراط الحزب في الحركة الانتخابية وذلك بعد مقاطعته للانتخابات التشريعية في سنة 2012 والانتخابات الرئاسية خلال سنتيْ 2009 و2014.
في المقابل، يشكك أرزقي أبوت، العضو المؤسس للحركة الجديدة التي تدعى “التجمع من أجل القبائل” والتي أُنشأت أواخر الشهر المنصرم في مدينة تيزي وزو، في انضمام الأصوات القبائلية لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.
والجدير بالذكر أن أبوت قد سُجن في سنة 1980 على إثر مشاركته في الربيع الأمازيغي. وفي هذا السياق، صرح أبوت مؤخرا أنه “بغضّ النظر عن عدة استثناءات، مثلما حدث في الانتخابات التعددية الأولى في مطلع 1990، فإن هذا لا ينفي القاعدة التي تؤكد على عدم الثقة بالأطراف السياسية الأخرى”.
كما أضاف السياسي أن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية يتميز بقاعدة صلبة من المتشددين في المنطقة وهو يعدّ بمثابة عنصر أمازيغي لا غبار عليه، عكس جبهة القوى الاشتراكية التي تخلّت تدريجيا عن الأمازيغ.
حين تفصل الجزائر أسابيع معدودة عن الانتخابات التشريعية، يستعد المتشددون الأمازيغ لرفع شعاراتهم في مسيرات 20 نيسان/أبريل التقليدية في ذكرى الربيع الأمازيغي لسنة 1980
في الواقع، تختلف حركة “التجمع من أجل القبائل” عن “الحركة من أجل تقرير مصير القبائل” الشهيرة، وذلك باستبدالها لمفهوم استقلال القبائل عن النظام الجزائري بآخر تشترط فيه استقلالا سياسيا داخل الحكومة.
ويبقى التساؤل المطروح في الوقت الراهن حول إمكانية إصدار حركة التجمع من أجل القبائل لتعليمات تخص التصويت، وهو ما ينفيه أرزقي أبوت مؤكدا على أن الحركة تصبّ جلّ اهتمامها في هذه المرحلة على جدول أعمالها ونضالات الشعب القبائلي. كما أفاد أبوت أنه بغضّ النظر عن قرار الحركة النهائي بشأن الانتخابات، فإنها ستقود حملتها الانتخابية، وهو ما سيفتح أمامها المجال أيضا لإبراز مطالبها للرأي العام السياسي.
الحركة من أجل تقرير مصير القبائل: المسيرة عوض التصويت
من ناحية أخرى، تختلف سياسة الحركة من أجل تقرير مصير القبائل، التي تأسست على يد الإعلامي فرحات مهني المقيم حاليا في باريس، عن سياسة نظيراتها، حيث تدعو إلى مقاطعة تامة ومتشددة لاستطلاعات الرأي التي تعتبرها غير شرعية، وذلك تزامنا مع الخلافات الداخلية التي تعيشها الحركة.
في حين تفصل الجزائر أسابيع معدودة عن الانتخابات التشريعية، يستعد المتشددون الأمازيغ لرفع شعاراتهم في مسيرات 20 نيسان/أبريل التقليدية في ذكرى الربيع الأمازيغي لسنة 1980، والتي تصدرتها “الحركة من أجل تقرير مصير القبائل” لسنوات عدة. وفي هذا الصدد، يؤكد أحد المراقبين أنه على الرغم من أن الحركة تمر بفترة عصيبة، إلا أنها قادرة على الاستفادة من المسيرات عن طريق إضفاء مزيد من التوتر، الأمر الذي من شأنه أن يخدم حملتها الانتخابية.
المصدر: جون أفريك