لا يمكن الحديث عن أدب الرعب أو الخيال الغريب أو الماورائيات دون الحديث عن الرجل الذي ألهم العديدين بأعماله، الكاتب الإنجليزي ألجرنون هنري بلاكوود (14 من مارس 1869 – 10 من ديسمبر 1951) والذي عاش في أواخر العصر الفيكتوري، وعلى مدار مسيرته الأدبية التي استمرت لأكثر من أربعة عقود نشر بلاكوود مئات القصص القصيرة وعشرات الروايات التي أثرت في العديد من كتاب أدب الرعب المعاصرين مثل لافكرافت وآرثر ماكين مؤلف رواية الإله العظيم بان.
وقد عده لافكرافت في كتابه “الرعب الماورائي في الأدب” أفضل كاتب في هذا النوع وقال إن كتاباته في أعمق نقطة في اللاوعي وتتجاوز الحاجز بين الواقع والخيال.
ولد بلاكوود سنة 1869 في ريف لندن لأبوين ثريين وفرا له حياة رغدة وتعليمًا خاصًا، وفرضا عليه بعض التعاليم الدينية الصارمة، إلا أن ألجرنون الصغير تمرد على ذلك، وقام بالترحال، مستكشفًا الفلسفة الشرقية، باحثًا عن طريقه الخاص في الحياة دون وصاية أو توجيه من أحد.
كان بلاكوود محبًا للطبيعة، وعاش حياة مستقلة دون أن يتزوج أبدًا، وكان يفضل البقاء وحيدًا، كما أنه لم يدرس الفلسفة الشرقية على سبيل الفضول بل كان مؤمنًا بها أشد الإيمان
ترك جامعة إدنبرة في إسكتلندا وهي واحدة من أعرق الجامعات في العالم بعد عام واحد من الدراسة فيها وسافر إلى عدة بلدان مستكشفًا أفكار وثقافات مختلفة قبل أن ينتقل إلى كندا وأسس مزرعة للأبقار وهناك أيضًا أدار فندقًا لمدة ستة أشهر، ثم انتقل للعمل في مناجم الذهب في ألاسكا قبل أن ينتقل إلى نيويورك وعمل كمراسل صحفي لجريدة نيويورك تايمز، كما عمل كسكرتير خاص ورجل أعمال وعامل في البار ومعلم لعزف آلة الكمان.
بلاكوود في شبابه
في أواخر الثلاثينيات من عمره عاد بلاكوود إلى إنجلترا وبدأ في كتابة قصص الرعب القصيرة للجرائد، ونجحت أعماله للغاية واكتسبت شعبية كبيرة، وكان بلاكوود يروي أعماله بنفسه في الراديو أو التليفزيون، ونشر عشر مجموعات قصص قصيرة على الأقل، وأربع عشرة رواية، والعديد من قصص الأطفال والمسرحيات، ومنها العديد من القصص التي لم تنشر أو لم يسع هو لنشرها.
كان بلاكوود محبًا للطبيعة، وعاش حياة مستقلة دون أن يتزوج أبدًا، وكان يفضل البقاء وحيدًا، كما أنه لم يدرس الفلسفة الشرقية على سبيل الفضول بل كان مؤمنًا بها أشد الإيمان، وكان يعتقد بوجود قوى الطبيعة الخارقة والعوالم الماورائية والكيانات القديمة، فنشأ لديه ولع بالطب وعلم النفس والفلسفة الهندوسية وتعمق في دراسة الأمور الروحانية والسحر والتنجيم وعلوم ما وراء الطبيعة والقدرات الروحية الخارقة الكامنة لدى البشر.
ولد بلاكوود سنة 1869 في ريف لندن لأبوين ثريين وفرا له حياة رغدة وتعليمًا خاصًا، وفرضا عليه بعض التعاليم الدينية الصارمة
ثم اشترك في جمعية سرية تدعى الفجر الذهبي تخصصت في الروحانيات وألهمه اشتراكه فيها روايته الوتر فقد كان يستمد إلهامه من خبراته الشخصية ورحلاته وحياته في عدد من الدول المختلفة، فاستوحى أشهر أعماله “رواية الصفصاف” من إحدى رحلاته في نهر الدانوب، أما رحلته لمصر فقد ألهمته رواية الرمال وغيرها، واختفاؤه عن الأنظار لصيف كامل في إحدى غابات كندا ألهمه كتابة روايته الأقل شهرة وينديجو.
تتميز أعمال بلاكوود بأنها تلعب على الوتر الحساس لدى الإنسان وهو الخوف من المجهول، فترتع القوى الغامضة والعوالم الغريبة والخوارق الطبيعية، بعيدًا عن الغيلان والوحوش التي كانت تتميز بها قصص الرعب عند معاصريه، ففي روايته “الصفصاف” التي عدها لافكرافت أفضل رواية كتبت في الأدب الماورائي لا يوجد وحوش أو غيلان أو رعب مباشر، بل لمحات مخيفة من عالم غامض يقع وراء الحقول التي نعرفها، حيث يتماس عالمنا مع عالم آخر تقطنه مخلوقات فتبدأ القصة ببطل القصة ورفيقه السويدي يقطعان رحلة في نهر الدانوب بزورق بسيط.
ويبدأ بلاكوود في استغلال عناصر الطبيعة من رياح وفيضان وصوت الصفصاف ورنين الأجراس لرسم لوحة مخيفة من خارج هذا العالم، ويتجنب بلاكوود الشرح والتفسير، بل يترك مخاوفنا الكامنة في أنفسنا بتكملة الأجزاء الناقصة من اللوحة، فتشعر بالرعب والفزع يزحف على عمودك الفقري، وبعد أن تترك الرواية ستظل الصورة مرتسمة في ذهنك مثيرة أفكارك وخيالاتك متسائلًا إن كان هناك شيئًا في هذا العالم كهذا حقًا.
كتبت العديد من المراجع والدراسات خصيصًا من أجل دراسة أدب ألجرنون بلاكوود، وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات ومنها اللغة العربية، فقد ترجم المترجمان محمد الدواخلي ومنى الدواخلي ثلاث من أهم القصص التي كتبها بلاكوود وهم الصفصاف والبيت الخاوي والدبور المصري، ونشروهم في كتاب واحد يحمل عنوان “الدبور المصري وقصص أخرى” عن دار اكتب للنشر والتوزيع بمصر سنة 2013.
تتميز أعمال بلاكوود بأنها تلعب على الوتر الحساس لدى الإنسان وهو الخوف من المجهول، فترتع القوى الغامضة والعوالم الغريبة والخوارق الطبيعية، بعيدًا عن الغيلان والوحوش التي كانت تتميز بها قصص الرعب عند معاصريه
ويقول المترجمان إننا إذا تحدثنا عن أدب الرعب فعادة ما نتكلم عن الأشياء المخيفة، عن الإبداعات المرعبة والكوابيس التي أخرجتها مئات الكتاب، لكن الخوف ذاته، الخوف كغريزة وجزء من تكوين البشر، كشيء مؤثر في أرواحنا وأنفسنا جميعًا يستحق أن نفرد له أدبًا ونقدًا، في النهاية وبعد أن نتعرف على أعمال هذا الكاتب ربما نخرج بانطباع أن البطل عنده ليس من شخصياته، وإنما هو الخوف الذي يؤثر على حياتهم وأفعالهم كغريزة من أقوى الغرائز التي شكلت حياة البشر.