في إطار جهودها الدبلوماسية واسعة النطاق تجاه إفريقيا، تبدأ المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل، زيارة رسمية لكل من مصر وتونس، تستغرق يومين، تستهلها اليوم الخميس بلقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قبل أن تنطلق غدًا الجمعة للقاء الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي.
زيارة المستشارة الألمانية لمصر والتي تعد الأولى منذ ثورة 25 من يناير 2011، تحمل العديد من الرسائل والتطلعات، لا سيما فيما يتعلق بقضية تدفق المهاجرين إلى أوروبا خاصة عبر البوابة الليبية والتي تعد النافذة الرئيسية للمهاجرين الأفارقة الذين يتوجهون إلى الاتحاد الأوروبي عبر رحلات غير شرعية عن طريق البحر الأبيض المتوسط.
وفي المقابل ينظر النظام في مصر إلى زيارة ميركل كونها فاتحة خير لتقوية العلاقات المصرية الأوروبية من جانب، فضلاً عما تحمله من رسائل طمأنة يراها البعض تجسيدًا لحالة الاستقرار والأمن الداخلي، إضافة إلى محاولة استغلال هذه الزيارة لإعادة تكرار الصفقة التركية المبرمة مارس الماضي بشأن تدفق اللاجئين.
المهاجرون وتهديد عرش ميركل
تواجه المستشار الألمانية ضغوطًا شديدة خلال الفترة الماضية، ما بين مطرقة الحد من أعداد المهاجرين طالبي اللجوء لألمانيا، وسندان ضرورة الالتزام بالاتفاقيات المبرمة في هذا الشأن، وهو ما تسبب في تصاعد الهجوم عليها من قبل التيار اليميني المتطرف، سواء داخل ألمانيا أو خارجها.
ميركل المقرر لها أن تخوض الانتخابات في سبتمبر المقبل تسعى بكل قوة إلى تحقيق أقصى قدر من النجاحات في ملف الحد من أعداد طالبي اللجوء، خاصة بعد السماح بدخول أكثر من مليون مهاجر خلال عامي 2015 و2016، وذلك من خلال العمل على غلق جميع المنافذ التي من شأنها السماح للمهاجرين بالدخول إلى أوروبا بصفة عامة وألمانيا بصورة خاصة، وقد نجحت في غلق أحد أكبر تلك المعابر عن طريق الجانب التركي من خلال صفقة بين أنقرة ودول الاتحاد الأوروبي سيرد ذكرها بالتفصيل لاحقًا.
إلا أن هناك معبر آخر لا يقل خطورة عن المنفذ التركي، ألا وهو البوابة الإفريقية عبر ليبيا وحدودها مع مصر وتونس، ومن ثم لا بد من العمل – بأي طريقة – لغلق هذه البوابة، من خلال تكثيف الرقابة على الحدود، والعمل على إعادة المهاجرين المرفوض طلبات لجوئهم إلى بلادهم الإفريقية بأقصى سرعة، لذا كانت هذه الزيارة في محاولة لتكرار النموذج التركي.
ميركل المقرر لها أن تخوض الانتخابات في سبتمبر المقبل تسعى وبكل قوة إلى تحقيق أقصى قدر من النجاحات في ملف الحد من أعداد طالبي اللجوء، خاصة بعد السماح بدخول أكثر من مليون مهاجر خلال عامي 2015 و2016
وكانت ميركل قد صرحت مؤخرًا بأن مصر بوصفها قوة إقليمية، تلعب دورًا رئيسيًا وكذلك الجزائر وتونس، معتبرة أنه دون استقرار سياسي في ليبيا، لن نكون قادرين على وقف المتاجرين بالبشر الذين يعملون انطلاقًا من ليبيا.
جدير بالذكر أن زيارة المستشارة الألمانية لمصر وتونس ليست الأولى لها إفريقيًا خلال الفترة الماضية، فقد سبق لها العام الماضي زيارة كل من النيجر وإثيوبيا ومالي، كما أنها أعلنت زيارتها للجزائر، إلا أن الوعكة الصحية التي ألمت بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة حالت دون إتمام الزيارة.
اللاجئون.. صداع في رأس حكومات أوروبا
صفقة تركيا.. النموذج الحاضر
ظل المهاجرون لأوروبا عبر البوابة التركية صداعًا في رأس الاتحاد الأوروبي لا سيما بعد زيادة الأعداد بصورة غير متوقعة، مما أرهق حكومات الدول الأوروبية بالتزامن مع زيادة الجرائم الإرهابية التي طالما عزف اليمين المتطرف على الربط بينها وبين زيادة اللاجئين القادمين من سوريا وإفريقيا، إلا أن تم إبرام الاتفاق بين تركيا ودول الاتحاد في مارس 2016.
الاتفاق بين الجانبين جاء تتويجًا للمقترحات التي قدمتها أنقرة خلال القمة الأوروبية التركية في بروكسيل العام الماضي، والتي تتمحور في وقف تركيا تدفق اللاجئين من أراضيها إلى دول أوروبا، مع الالتزام بإعادة جميع اللاجئين والمهاجرين الذين عبروا إلى اليونان بطريقة غير شرعية، مقابل استقبال أوروبا لبعض اللاجئين السوريين، ومنح أنقرة مزايا مالية وإعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة الدخول لدول التكتل وتسريع محادثات عضويتها في الاتحاد الأوروبي.
وعلى الفور وافق الاتحاد الأوروبي على المقترحات المقدمة، مع تعهده بدفع مبلغ قيمته 3 مليار يورو لتركيا، وتوفير ثلاثة آخرين بحلول 2018، وقد علقت ميركل حينها على الاتفاق بقولها: “الاتفاق سيكون فرصة جيدة لوضع حد لتهريب البشر في بحر إيجه، ليبقى السؤال: هل من الممكن تكرار صفقة تركيا مع مصر؟
مليارات تركيا الثلاث التي حصلت عليها من دول أوروبا في مقابل الحيلولة دون تدفق اللاجئين، لطالما داعبت خيال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي
عبر بوابة اللاجئين.. القاهرة تغازل أوروبا
المليارات الثلاث التي حصلت عليها تركيا من دول أوروبا في مقابل الحيلولة دون تدفق اللاجئين، لطالما داعبت خيال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يحياها المصريون، والتي دفعته للبحث عن موارد تمويل من هنا وهناك، وهو ما كشف عنه أكثر من مرة، حيث عزف مرارًا على وتر خطورة الهجرة غير الشرعية، وجهود القاهرة لمنعها، مع الإشارة إلى ما تتحمله مصر من أعباء جراء تصديها لهذه القضية، إلخ.
السيسي في سبتمبر 2016 قال في كلمته بقمة اللاجئين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إن بلاده تستضيف نحو 5 ملايين لاجئ، داعيًا المجتمع الدولي لمكافحة الهجرة غير الشرعية، واستقبال اللاجئين والتصدي لعمليات التمييز العنصري التي قد يتعرضون لها، مضيفًا “تتحمل مصر أعباء استضافة قرابة 5 ملايين لاجئ، مسجلين وغير مسجلين، ونعمل على توفير الحياة الكريمة لهم، دون عزلهم في مراكز إيواء، ونوفر لهم الخدمات بالمساواة مع المصريين”.
الرئيس المصري اختتم كلمته بالأمم المتحدة بالتحذير من ظاهرة التمييز العنصري التي يتعرض لها المهاجرون، التي تتمثل في ممارسات سلبية وعنيفة تتخذها بعض الحكومات، داعيًا إلى تشجيع الحوار بين الدول بخصوص الهجرة، وتشارك المسؤوليات وتوفير حياة كريمة للاجئين، ومعالجة الأسباب الرئيسية التي تدفع للنزوح واللجوء.
وبعد أقل من شهرين على كلمته في الأمم المتحدة، أعاد السيسي مسألة اللاجئين وتحمل القاهرة أعباء إيواء 5 ملايين لاجئ مرة أخرى، وذلك خلال لقائه وفد من أعضاء البرلمان الأوروبي في نوفمبر الماضي.
السيسي قال للوفد البرلماني الأوروبي إن الشعب المصري يستحق وقوف المجتمع الدولي إلى جانبه لمواصلة مسيرته التنموية، بالنظر إلى ما قدمه من تضحيات كبيرة في إطار تصديه للإرهاب، ورفضه للفاشية والكراهية والتطرف، مشيرًا إلى ما تبذله مصر من جهود لمكافحة الهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى تنفيذها للعديد من المشروعات التنموية التي توفر فرص عمل للشباب لإثنائهم عن الإقدام على الهجرة غير الشرعية.
الرهان الأوروبي على السيسي يأتي في إطار الإيمان بالتأثير المصري في الشأن الليبي، حيث تربط القاهرة مع اللواء متقاعد خليفة حفتر علاقات جيدة تجسدت في العديد من الزيارات المتبادلة بين الطرفين في الفترات الأخيرة
وبصرف النظر عن الأعداد الحقيقية للاجئين والتي لم تتجاوز 187.838 لاجئ وطالب لجوء في مصر حتى 31 من أغسطس 2016، منهم 116.175 سوري (62%) ويتبعهم 31.200 سوداني و10.941 إثيوبي و1.254 صوماليًا و7.000 عراقي، وجنسيات أخرى، وذلك حسب ما سجلته المفوضية الدولية للاجئين، إلا أن العديد من المحللين المتابعين أوضحوا أن هناك رغبة مصرية قوية في تكرار النموذج التركي، حيث تحصل القاهرة على مقابل مادي لم تحدد قيمته بعد في مقابل التصدي لمحاولات الهجرة غير الشرعية عبر الحدود اللبيبة.
علاقات قوية تجمع بين خليفة حفتر والقاهرة
الرهان الأوروبي على السيسي يأتي في إطار الإيمان بالتأثير المصري في الداخل الليبي، حيث تربط القاهرة مع اللواء متقاعد خليفة حفتر علاقات جيدة تجسدت في العديد من الزيارات المتبادلة بين الطرفين في الفترات الأخيرة، وهو ما يعزز فرص قدرة مصر في الضغط والتأثير على الجانب الليبي لتحجيم ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر الحدود مع أوروبا، وهو ما أشارت إليه “رويترز” في تقرير لها نقلاً عن مسؤولين من الاتحاد الأوروبي.
أشار مسؤولان كبيران في بروكسل، أن الاتحاد الأوروبي يعرض إجراءات تأشيرة دخول مبسطة ومساعدات اقتصادية أكبر لتونس ومصر مقابل تسهيل إجراءات ترحيل المهاجرين الأفارقة غير المرغوب فيهم
“رويترز” نقلت أن الاتحاد الأوروبي اتفق على خطوات لكبح تدفق الوافدين من ليبيا – نقطة الانطلاق الرئيسية للمهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا من إفريقيا، ويسعى الآن للتوصل لاتفاق مع دول الجوار الليبي، أما عن المقابل الذي من الممكن أن تقدمه أوروبا لحث مصر وتونس على تفعيل جهود مكافحة الهجرة غير الشرعية عبر الحدود الليبية، فقد أشار مسؤولان كبيران في بروكسل، أن الاتحاد الأوروبي يعرض إجراءات تأشيرة دخول مبسطة ومساعدات اقتصادية أكبر لتونس ومصر مقابل تسهيل إجراءات ترحيل المهاجرين الأفارقة غير المرغوب فيهم، إضافة لما أكداه أن القاهرة طلبت مقابلاً مرتفعًا لأي مساعدة جديدة دون أن يتم الكشف عن تفاصيل هذا المقابل.
وفي المجمل، فإن نجاح زيارة ميركل للقاهرة تتوقف على مدى استجابة القاهرة للمطالب الأوروبية في وقف الهجرة غير الشرعية من جانب، وقدرة برلين على تلبية الطموحات المصرية عبر حزمة من المنح والمساعدات المادية والعينية، فضلاً عن الدعم السياسي للنظام الحالي.