على حائط ورشته الصغيرة تتشكل لوحة فنية تسر عيون الناظر إليها، فيحاول أن يقضي أمامها أطول وقت ممكن متأملًا ما تحتويه رفوفها من تحف خشبية وقطع أنتيكا يدوية الصنع.
وإذا ما وجهت نظرك للسقف قليلًا فإنك ستبقى على ذات الحال لدقائق كثيرة، متمعنًا الزخارف والمعلقات الخشبية المتدلية من السقف.
على الأطراف الشرقية لمدينة غزة وتحديدًا في حي التفاح تقع ورشة هشام كحيل (56 عامًا)، والتي يقضي فيها يومه منشغلاً بصنع مشغولاته اليدوية التي يسعى من خلالها للحفاظ على ديموية التراث الفلسطيني وإبقائه حاضرًا في كل وقت.
البداية
يبدأ حديثه “تخرجت في معهد الفنون في غزة عام 1976، ولتفوقي بين أقراني عملت كنجار في الداخل المحتل لمدة تزيد على 20 عامًا، وانقطعت عن العمل في الداخل عام 2000 بسبب أحداث انتفاضة الأقصى وما تبعها من إغلاق للمعابر وتضييق على القطاع”.
لجأ المكنى بـ”أبو الرائد” بعدها لإنشاء مشروعه الخاص بغزة من خلال افتتاحه لورشة النجارة الخاصة به في منطقة سكناه، ليتمكن من إعالة أسرته ذات التسعة أفراد.
عمل كحيل في منجرته الخاصة في البداية على صنع الأثاث المكتبية والمنزلية الخشبية وترويجها للسكان في المنطقة، واستمر عمله في المجال لمدة عشر سنوات تقريبًا إلا أن الإقبال أصبح ضعيفًا بسبب تردي الوضع الاقتصادي وازدياد أعداد العاملين في المجال ذاته.
يكمل “فذهبت للتغيير والتجديد من خلال توجهي لصناعة التحف الفنية الخشبية والأنتيكات صناعة يدوية، فكان الإقبال عليها جميلًا وبدأ يتزايد شيئًا فشيئًا”.
عملية الصنع
يستخدم الحرفي هشام آلة يدوية صممها بنفسه لإنتاج مشغولاته، وتعد الآلة هي الوحيدة الموجودة في القطاع والتي تساهم في صنع الأنتيكا.
ويذكر أن خشب أشجار السرو والزيتون من أبرز أنواع الخشب المستخدمة في صناعة مثل هكذا منتجات، لما تمتاز به من قوة وصلابة، وأيضًا لاحتوائها على عقد داخلية تسهم في إضفاء لمسة جمالية طبيعية على التحف المنتجة.
يتابع “تمر عملية صناعة التحف بعدة مراحل تبدأ باختيار الخشب المناسب لها، ومن ثم قصه ﻷحجام مناسبة، وتعريضه ﻷشعة الشمس ليتم تجفيفه وإزالة المواد الغرائية منه، وبعدها تبدأ مرحلة العمل على الآلة المخصصة للصناعة”.
ارتباط وجداني ورمزيات
ليلى والفراشة والبلبل هي أسماء لكائنات حية حسب أبجديات منطقنا وحياتنا، لكن حسب منطق أبو الرائد هي أسماء لمشغولاته اليدوية التي يرتبط بها وجدانيًا وعقليًا.
يقول وهو مشيرًا للرفوف الموضوعة عليها القطع الخشبية: “لكل قطعة اسم خاص بها استوحيه من شكلها وقصتها التي تروى أحاديث أوقات طويلة قضيتها في صنعها يدويًا”.
وتمتاز بعض القطع المصنعة بحملها رمزية دينية أو وطنية أو حرفية، فالمفتاح الدال على تمسك الفلسطيني بحقه بالعودة يأخذ مكان الصدارة بين القطع، وكذلك المدفع والفانوس الرامزان لشهر رمضان، والجرار الزراعي والفأس والفخاريات التي تشير إلى مهن معينة.
المعيقات والتحديات
وعن المعيقات التي تواجهه يردف كحيل “كغيري من أبناء غزة أعاني من ويلات الحصار الذي ألقى بظلاله على مختلف مناحي الحياة، فأدى لتدهور الحالة الاقتصادية مما قلل الطلب على منتجاتنا”.
يشار إلى أن الحصار المفروض على قطاع غزة منذ 10 سنوات تقريبًا، أفقد أصحاب هذه الحرف القدرة على تصدير منتجاتهم، التي يمكن أن تسوق في الخارج وتحقق أرباحًا، وكذلك هناك بعض المواد الأولية التي تستخدم في هذه الصناعات ممنوعة من الدخول لغزة بقرارات من الاحتلال.
الأمنيات والأحلام
يحمل المهني “أبو الرائد” في جعبته عدد من الأمنيات البسيطة أهمها تطوير مشروعه الصغير وكذلك المشاركة في معارض محلية ودولية وإيجاد جهة تتبنى فكرته ومشروعه تساهم له في توسيعه.
ويستدرك أخيرًا: “يبقى الحلم الأكبر بالنسبة لي يتمثل في صنع المزيد من التحف والقطع المزخرفة والمعلقة، لأتمكن من افتتاح معرض دائم ومزار عام يرتاده المواطنون والسياح، ليتأملوا جمال ما أصنع وليروا أن غزة مليئة بالمواهب والقدرات العالية”.