دخان أسود يغطي سماء مخيم عين الحلوة .. الجميع مستنفر بداخل المخيم وخارجه، يبحث عن إجابة واحدة.. لماذا الآن هذا التصعيد.. وما هي تداعياته؟ وما مدى ارتباطه بزيارة أبو مازن للبنان، وزيارة جليلة دحلان للمخيم لتوزيع مساعدات؟!
جدار العزل
القصة أو الأزمة داخل المخيم إذا ربما ترتبط بصراعات مراكز القوى بالمقاومة الفلسطينية، لكن ماذا عن جدار العزل اللبناني ودعاوى فرض الأمن.. حسنا هناك إذا محور آخر للأزمة.
صحيح أن أخبار الاشتباكات بالمخيم ليست جديدة، وباتت مألوفة، ودائما ما يستيقظ القاطنون بالمخيم الأكبر للاجئين الفلسطيين في لبنان، والذي يضم أكثر من 80 ألف نسمة، على أصوات الرصاص، لكن ما حدث خلال الأسبوع الماضي، تجاوز مرحلة الاشتباك، إلى المعارك الجدية، بين حركة “فتح” وبعض المجموعات المتشددة في المخيم، وصلت إلى تبادل القصف بقاذفات الآر. بي .جي، والرشاشات الثقيلة ومدافعB10، والقناصة، لكن الأسباب لازالت مخفية.
عناصر إرهابية
بعض المحللين ربط الاشتباكات بتورط بعض الفصائل الفلسطينية داخل المخيم، مع الأجهزة الأمنية اللبنانية لتسليم مطلوبين لبنانيين مدانين بالإرهاب يحتمون بداخل المخيم، بينهم شادي المولوي والفنان فضل شاكر، وهذا ما ترفضه فصائل أخرى توصف بالمتطرفة، بالتالي تلجأ إلى إشعال المعارك كرسائل تحذير.
ما حدث خلال الأسبوع الماضي، تجاوز مرحلة الاشتباك، إلى المعارك الجدية، بين حركة “فتح” وبعض المجموعات المتشددة في المخيم، وصلت إلى تبادل القصف بقاذفات الآر. بي .جي
بعض آخر يعتبر أن هناك من يريد إشاحة النظر عن أزمة بناء الجدار العازل حول المخيم، خصوصاً أن الأجهزة الأمنية وباتفاق مع الفصائل واللجنة الأمنية، طالبت بوضع خطة محكمة لضبط المخيم، وتسليم كل المطلوبين، ولكن بعد فشل هذه الخطة التي تولتها فتح، واستمرار عمليات الاغتيال والاشتباكات، اعتبرت الأجهزة الأمنية أنه في ظل عدم استطاعة الفصائل فرض الأمن داخل المخيم، كيف يمكن فرضه على الحدود؟ لذلك، لابد من إنهاء الجدار.
إحراج أبو مازن
رؤية أخرى تربط بين تزامن الاشتباكات مع إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، نيته لزيارة لبنان، وكأنما هناك جهات فلسطينية تريد التشويش على صفة “أبو مازن” كمرجعية للحل والربط لفلسطينيي بالداخل والشتات، ولكنّ شرارة الانفجار الرئيسة التي سببت اندلاع جولة العنف الحالية بدأت، عندما أعلن في المخيم، في التوقيت نفسه عن وصول جليلة دحلان زوجة القيادي الفتحاوي “المطرود” محمد دحلان، إلى المخيم، في زيارة لتوزيع مساعدات إنسانية للاجئيه!.
صراع فتحاوي – فتحاوي!
هكذا كانت بداية الأزمة إذا، فجناح “فتح – رام الله” داخل المخيم اعتبر أنّ توقيت اختيار دحلان لزيارة زوجته للمخيم، يتضمن رسالة تحدّ منه ومن داعميه إلى عباس، وتجاوزت الخطوط الحمراء، كونها تنطوي على توجيه رسالة تشويش على زيارة أبو مازن للبنان، وإظهار دحلان أنه ممثّل معادلة فلسطينيي الشتات؛ بدليل وجود زوجته في المخيم المسمّى بعاصمة الشتات، في حين أنّ الرئيس الفلسطيني لا يتجرأ حتى على زيارته.
سيناريو مختلف يرى أن المجموعات الإسلامية المتشددة المناهضة لفتح، استغلت زيارة زوجة دحلان في تغذية التوتر القائم أصلا داخل “فتح”، على أمل أن يتحول إلى اشتباكات مسلحة بين “فتح – دحلان” و”فتح – عباس”، فافتعلت إطلاق نار وحوادث لإشعال الموقف، قبل أن يستقر الخلاف إلى شكله التقليدي والمعروف، بين حي البركسات حيث “فتح” وبين حي “الصفصاف” حيث المجموعات الاسلامية المتشددة.
خلاصة القول أن كل الاحتمالات واردة داخل المخيم وخارجه، والأوضاع جاهزة للاشتعال في أي لحظة، خصوصا وأن كل التقارير تشير إلى أن أبو مازن بحث مع المسؤولين اللبنانيين فكرة نزع سلاح الفصائل داخل المخيم ولو بالقوة
رسالة لعباس
يدعم الفرضية الأخيرة عما سواها من السيناريوهات السابقة، والخاصة بتعمد استقبال عباس بتفجير الوضع الأمني في المخيم، وكان لافتاً أكثر الحرص عند مغادرته لبنان على تسريب معلومة كاذبة، عن تعرّض موكبه لإطلاق نار، ما يؤكد أن جولة العنف الراهنة في عين الحلوة، غرضها توجيه رسالة لعباس ولمضيفه اللبناني ولكلّ من راقب زيارته، مفادها أنّ “المخيم – عاصمة الشتات الفلسطيني”، نظراً لرمزيته السياسية، ولكونه دَرج على استيعاب نزوح اللاجئين الفلسطينيين من البلدان العربية إليه، من الأردن بعد العام ١٩٧٠، ومن سوريا منذ العام ٢٠١١، بات خارج نطاق قرار رام الله.
الخلاصة
خلاصة القول أن كل الاحتمالات واردة داخل المخيم وخارجه، والأوضاع جاهزة للاشتعال في أي لحظة، خصوصا وأن كل التقارير تشير إلى أن أبو مازن بحث مع المسؤولين اللبنانيين فكرة نزع سلاح الفصائل داخل المخيم ولو بالقوة، وهو ما قد يستدعي تدخل قوات الجيش اللبناني، إن اقتضت الضرورة في الأمر، وسط تسريبات عن تحرك مجموعة من قوات النخبة التي تم تدريبها على يد جهاز الأمن الوطني التابع للسلطة الفلسطينية، في مخيم الرشيدية جنوب مدينة صور، ومواقع أخرى في لبنان، في اتجاه عين الحلوة، استعداداً للتدخل العسكري في حال طُلب منها ذلك، واستعداد قوة النخبة المُشكلة من 2000 فلسطيني من مخيمات لبنان للتعامل والتحرك إذا ما تلقت أوامر بالمواجهة، وهو أمر خطير، يطرح تساؤل مفاده: ماذا يُمكن لهذه القوة أن تفعل في ظل الكثافة السكانية في المخيم، وحساسية الوضع وخطورته؟، باعتبار أن الأمر يحتاج إلى تشاور على مستوى الأطر الوطنية المختلفة؛ لتفويت الفرصة على بعض الجهات لتدمير المخيم”، خصوصا وأن عدد من المحللين يرى أن العناصر المتشددة بداخل المخيم تدفع أيضا بقوة لتحقق هذا السيناريو؛ كونه يشعل الموقف أكثر، وهو أمر في صالحها تمام وتتغذى عليه.
القصة أو الأزمة داخل المخيم ربما ترتبط بصراعات مراكز القوى بالمقاومة الفلسطينية
وفي حال حدث ذلك، مع حقيقة أن جولة العنف الحالية صاحبتها حركة نزوح مدني للاجئين من المخيم إلى خارجه أثناء اندلاع الاشتباكات، ما يعني أن هناك ما يدبر في الخفاء نحو تفريغ المخيم من سكانه، بدعوى القضاء على المجموعات الإرهابية بداخله، وتحت شعار تأمين سلامة سكانه قبل ضرب الإرهابيين داخله، لكن في المقابل هذه الخطوة قد تعني أسرع وصفة للتوطين، كون الفلسطينيين في لبنان من دون مخيم “عين الحلوة” لا يعودون لاجئين، بل يصبحون مواطنين تنقصهم هويات لبنانية، ما يدمر فكرة حق العودة مستقبلا!