ترجمة وتحرير نون بوست
زار وزير التجارة والصناعة المصري، طارق قابيل، باريس بهدف تعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر وفرنسا. وخلال هذه الزيارة التي جرت في أواخر شباط/ فبراير، عقد قابيل، الذي كان يصب تركيزه على زيادة الاستثمارات الفرنسية في مصر، جملة من الاجتماعات مع كل من كبار المسؤولين في الحكومة الفرنسية ورؤساء كبرى الشركات الفرنسية على غرار شركة ديكاثلون وبيجو. ويكمن هدف قابيل الرئيسي من خلال هذه الزيارة في إطلاع هؤلاء المسؤولين ورجال الأعمال على الفرص الاستثمارية المتاحة في مختلف القطاعات المصرية.
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن زيارة قابيل تندرج ضمن إطار خطة الحكومة واسعة النطاق لاستقطاب المزيد من المستثمرين الأجانب لبعث وتمويل المشاريع المحلية، ولا سيما تلك المتعلقة بتنمية منطقة قناة السويس. وقد تصدرت مسألة مناقشة كيفية زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين وكيفية تعزيز المزيد من الشراكات الاستراتيجية، قائمة أجندة الاجتماع.
في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، تبنت مصر فعليا سياسات تقشف قاسية من قبيل تحرير سعر الصرف وإدخال ضريبة القيمة المضافة، أملا في إحياء اقتصاد البلاد المتداعي بسبب التضخم وتذبذب قيمة العملة. وعلى الرغم من أن توخي مثل هذا النوع الإجراءات قد أثقل كاهل المواطنين وأثر سلبا على مقدرتهم الشرائية، إلا أن الحكومة المصرية تسعى جاهدة، من خلال الزيارات الرسمية إلى أوروبا، إلى إقناع المستثمرين بأن مثل هذه الخطوات من شأنه أن يعطي دفعة لقطاع الاستثمار.
صرح قابيل أن تعويم الجنيه المصري قد أدى إلى الترفيع في تكلفة السيارات المستوردة، وبالتالي، منح السيارات المصنعة محليا مزيدا من المزايا التنافسية
في الحقيقة، وأثناء الاجتماع الذي جمع بين أعضاء مجلس الأعمال المصري الفرنسي، أكد قابيل على أهمية بناء علاقات تجارية وطيدة مع فرنسا. وفي هذا الإطار، أقر قابيل بأن خطة الإصلاح الاقتصادي في مصر، بما في ذلك إصدار التشريعات الاقتصادية، قد ساعد على خلق بيئة ملائمة للاستثمار.
وفقا لتصريحات الوزير، فإن مصر حريصة على الاستفادة قدر المستطاع من اتفاقية التجارة الحرة لتعزيز مكانتها ليس فقط في الأسواق العربية، بل أيضا في الأسواق الأوروبية والأمريكية مع التركيز بشكل خاص على السوق الأفريقية.
في هذا الصدد، أورد الخبير الاقتصادي، أحمد الشامي، في أحد تصريحاته للمونيتور أن “المغزى الرئيسي من هذه الزيارة هو بث رسائل طمأنة وتقديم فرص الاستثمار في مصر. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع تنظيم زيارات مماثلة خلال الفترة القادمة“.
من جهة أخرى، تعد فرنسا من أكبر القوى الصناعية خاصة في مجال صناعة السيارات والأدوية. وعلى ضوء هذا المعطى، قال الشامي إن مصر، في الوقت الحاضر، في أمس الحاجة إلى الخبرات الفرنسية لتنفيذ مشاريعها التنموية الطموحة في قناة السويس، وشرم الشيخ، والعين السخنة.
وبناء على ما ورد في تصريحات قابيل في باريس، فقد انخفض حجم التبادل التجاري بين مصر وفرنسا في سنة 2015 إلى حوالي 2 مليار يورو. ومع ذلك، ارتفعت نسبة الصادرات المصرية الموجهة إلى فرنسا بنسبة 6 بالمائة خلال الفترة نفسها. كما يقدر إجمالي الاستثمارات الفرنسية في مصر، إلى حدود سنة 2016، بنحو 4.2 مليار يورو. من جهته، أكد قابيل على استعداد الحكومة لتسهيل إجراءات الاستثمار في محاولة منها لزيادة المشاريع المشتركة بين مصر وفرنسا.
أثناء تواجده في باريس، تحدث قابيل في المنتدى المنظم من قبل وكالة الأعمال ومنظمة الأعمال الفرنسية، حول الإمكانات التي تحظى بها السوق المصرية، والتي تعتبر على حد قوله جديرة بالصناعات المتنوعة التي تتمتع بها، بما في ذلك صناعة السيارات، والتغذية، والنسيج والمواد الكيميائية.
هدف قابيل الرئيسي من خلال هذه الزيارة في إطلاع هؤلاء المسؤولين ورجال الأعمال على الفرص الاستثمارية المتاحة في مختلف القطاعات المصرية
في السياق ذاته، أشارت منظمة الأعمال الفرنسية إلى أهمية السوق المصرية النابضة بالحياة، التي تتمتع بموقع استراتيجي في أفريقيا، في حين أقرت الوكالة الفرنسية بأن فرنسا تعتبر سادس أكبر مستثمر في مصر على مدى السنوات الخمس الماضية.
وفي إطار هذه الزيارة، التقى طارق قابيل بنظيره الفرنسي كريستوف سيروغ للتباحث بشأن توسيع نطاق التعاون الاقتصادي بين كل من مصر وفرنسا. كما ناقش الوزيران مسألة دعم المشاريع الصغرى والمتوسطة، وسبل تعزيز التعاون بين البلدين في قطاع تكنولوجيا المعلومات.
وعلى ضوء هذه المعطيات، قال طارق قابيل إن مصر تسعى للاستفادة من معرفة فرنسا الشاملة لآليات تسويق المنتجات من الشركات الصغرى والمتوسطة في الأسواق المحلية والدولية. بالإضافة إلى ذلك، يعتقد الوزير أن المساعدة الفرنسية لمصر مطلوبة لصقل مهارات الريادة في الأعمال.
من ناحية أخرى، أعرب سيروغ عن رغبة فرنسا في تعزيز العلاقات مع مصر وعن استعدادها لتقديم المزيد من الدعم الفني للشركات المصرية الصغرى والمتوسطة. وأفاد سيروغ أن فرنسا لديها تجربة فريدة من نوعها في هذا المجال لأنها تتعامل مع حوالي 3500 شركة وتعمل على توفير جملة من الدورات التدريبية لباعثي المشاريع.
في هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي محمد عثمان، للمونيتور، “بدلا من مجرد التماس المساعدة الفرنسية، يجب على مصر أن تقوم بدعاية ذكية لمواردها لجذب المزيد من الاستثمارات”. وأضاف عثمان قائلا: “مصر تتمتع بمزايا تاريخية وجغرافية لا تقدر بثمن، وفي حال فشلنا في استغلال هذه المزايا، ستكون هذه الزيارات غير مجدية.”
من جانب آخر، وبغية دعم صناعة السيارات في مصر، التقى قابيل بنائب رئيس شركة بيجو الفرنسية لصناعة السيارات، في محاولة منه لدعوة الشركة إلى توسيع أنشطتها في مصر، التي تعد أحد أكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم والبالغ عدد سكانها حوالي 90 مليون نسمة.
في المقابل، صرح قابيل أن تعويم الجنيه المصري قد أدى إلى الترفيع في تكلفة السيارات المستوردة، وبالتالي، منح السيارات المصنعة محليا مزيدا من المزايا التنافسية. كما أشار قابيل إلى أن تعزيز وجود الشركة في السوق المحلية سيكون أمرا مهما ومثمرا على ضوء استعداد الحكومة المصرية لإنشاء صناعة حقيقية للسيارات خلال الفترة المقبلة.
تندرج زيارة قابيل ضمن إطار خطة الحكومة واسعة النطاق لاستقطاب المزيد من المستثمرين الأجانب لبعث وتمويل المشاريع المحلية، ولا سيما تلك المتعلقة بتنمية منطقة قناة السويس
فيما يخص هذا الشأن، قال الخبير الاقتصادي صلاح فهمي للمونيتور، “مع انخفاض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، سيتحتم على المصنعين ضمان تحقيق أرباح عالية خاصة وأن تكلفة الإنتاج ستُحسب وفقا لقيمة الجنيه المصري في حين أن المنتجات التي سيتم تصديرها ستحسب بالدولار الأمريكي”. وأضاف فهمي قائلا: “في هذه الحالة، ستكون عملية تحرير سعر الصرف حافزا أساسيا لتشجيع الاستثمار”.
في هذا الإطار، أشار فهمي إلى أن كسب ثقة المصنعين يعد في حد ذاته تحديا كبيرا، مقدما بذلك المغرب كنموذج على ذلك، حيث أفاد أن “السيارات من نوع “بيجو” قد اقتحمت العالم العربي عبر المغرب، وليس من خلال فرنسا، وذلك لم يكن ليتحقق لو لم تتمكن [المغرب] من جذب هذه الشركة الرائدة في مجال تصنيع السيارات لتستثمر على أراضيها”.
وفي الختام، بيّن فهمي أنه مع الأخذ بعين الاعتبار موقع مصر الاستراتيجي، ستتوافد شركات صناعة السيارات على البلاد لحظة تمكّن الحكومة من كسب ثقتهم من خلال تقديم جملة من الحوافز. كما نوه فهمي بأنه “من البديهي أن تعود مسألة تبادل مثل هذه الزيارات بالفائدة على وضع العلاقات الثنائية وتنعشها”. وأفاد فهمي قائلا: “لكن نأمل أن تترجم تصريحات المسؤولين في شكل استثمارات ملموسة”.
المصدر: المونيتور