انتهت جولة المفاوضات السورية الرابعة في مدينة جنيف السويسرية بعد أسبوع كامل من المفاوضات المستمرة تخللها الكثير من الأحداث والمفاجآت، وعلى الرغم من أن جنيف 4 سيعقبه جنيف 5 في نهاية مارس/ آذار الحالي لتبدأ مفاوضات جديدة بين وفدي المعارضة والنظام فإن هذه الجولة حملت أمورًا مهمة لصالح المعارضة من حيث تداركها أخطاء الجولات الماضية، بينما لا يزال السوريون والعالم ينتظرون خروج ذلك “الدخان الأبيض” من مبنى الأمم المتحدة ليعلن نجاح المفاوضات والتوصل لحل سياسي ينهي الأزمة السورية التي تقترب من إنهاء سنتها السادسة.
جولة خامسة للمفاوضات
أعلن المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا انتهاء الجولة الرابعة من المفاوضات السورية في جنيف على أن يتم استكمالها في جولة خامسة في نهاية الشهر الحاليّ، وتحدث عن التوصل لجدول أعمال يتضمن أربع قضايا رئيسية تشمل بند مكافحة الإرهاب الذي طالب به وفد النظام، فيما ناقش بقدر قليل مسألة الانتقال السياسي “بقدر مقبول”.
ديمستورا قال عقب اجتماعه بوفدي النظام والمعارضة مساء الأمس إن الهدف من هذه المفاوضات هو تنفيذ القرار الدولي وأن جدول الأعمال بات الآن أكثر وضوحًا بما يشمله من السلال الأربعة التي سيتم مناقشتها في الجولة القادمة، وهذه السلال تمثل جدول أعمال واضح ينفذ خلال أزمان محددة مسبقًا.
جولة جنيف 4 ناقشت للمرة الأولى مواضيع تتعلق بالحكم الانتقالي
ورفض رئيس وفد المعارضة نصر الحريري التعقيب على تلك السلال مركزًا على مسألة الانتقال السياسي وقال إن الجولة ناقشت للمرة الأولى مواضيع تتعلق بشكل معمق “الحكم الانتقالي”، التي جاءت المعارضة لنقاشها وفق بيان جنيف للعام 2012 وحسب الحريري أيضًا فإن هذه الجولة انتهت من دون نتائج واضحة.
وتتضمن السلال الأربعة: إنشاء حوكمة شاملة غير طائفية في فترة 6 أشهر، والسلة الثانية تتحدث عن البدء في صياغة دستور جديد خلال فترة ستة أشهر أخرى، والسلة الثالثة تتضمن إجراء انتخابات حرة ونزيهة في غضون 18 شهرًا تكون تحت إشراف الأمم المتحدة وتشمل أعضاء من الجالية في المهجر التي يحق لها التصويت، وأخيرًا استراتيجية لمكافحة الإرهاب التي أضيفت على رغبة وفد النظام السوري.
وعلى الرغم من أن الجولة التي جرت خلال 8 أيام لم تشهد جلوس الوفدين على طاولة واحدة فإن الاتفاق على السلال الأربعة يعد نجاحًا بالنسبة لديمستورا الذي نجح في ضمان عدم انسحاب أي من الوفود السورية من الطرفين.
وفي نهاية المفاوضات قدم ديمستورا للأطراف السورية المشاركة ورقة تتضمن 12 مادة وهو ما أكده نصر الحريري وتضمنت الورقة اقتراح إدارة ذاتية على المستوى المحلي، وسيادة سوريا على أراضيها مع بقاء الشعب السوري ملتزمًا باستعادة الجولان السوري المحتل بالوسائل المشروعة والمتاحة.
الاتفاق على السلال الأربعة يعد نجاحًا بالنسبة لديمستورا الذي نجح أيضًا في ضمان عدم انسحاب أي من الوفود السورية من الطرفين
وأن الشعب السوري وحده من يقرر مستقبل بلده بالوسائل الديمقراطية عن طريق صندوق الاقتراع، وأن سوريا ستكون دولة ديمقراطية وغير طائفية، وتلتزم الدولة بالوحدة الوطنية والتمثيل العادل وإدارة المحليات في الدولة والإدارة المحلية الذاتية للمحافظات والمحليات.
ويشير البند السابع، الحفاظ على القوات المسلحة قوية وموحدة تحمي الحدود الوطنية وتحفظ شعبها من التهديدات الخارجية وعلى أجهزة الاستخبارات والأمن التركيز على صيانة الأمن الوطني والتصرف وفقًا للقانون، وأشار البند الثامن، الرفض المطلق للإرهاب والتعصب بجميع أشكاله.
أداء مختلف لوفد المعارضة السورية
أجمع العديد من المراقبين أن هذه الجولة شهدت نضوجًا لوفد المعارضة السورية أكثر من الجولات السابقة لناحية الأداء الإعلامي للوفد، حيث تحول فندق “كراون بلازا” الذي يقيم فيه وفد الهيئة العليا للمفاوضات إلى مكان تمركز الصحفيين العرب والأجانب ودبلوماسيين مقارنة بمكان إقامة وفد النظام.
عدة عوامل ساهمت في نجاح وفد المعارضة حيث استفادت من تجارب الجولات الماضية، كما أن تشكيلة الوفد المعارض كانت متناغمة مع بعضها أكثر من أي وقت مضى كما تم تحديد عدد الناطقين باسم المعارضة بعدد قليل من الأشخاص لتجنب التضارب والفوضى والتناقض، بالإضافة إلى ورش العمل الصغيرة التي نظمها الوفد المعارض قبل ذهابه إلى جنيف.
جولة جنيف 4 شهدت نضوجًا لوفد المعارضة السورية أكثر من الجولات السابقة لناحية الأداء الإعلامي للوفد
وتمكن الوفد من تدارك الانطباع السيء الذي سرى بعد اللقاء الأول لديمستورا مع نصر الحريري الذي خرج دون إقامة أي مؤتمر صحفي، حيث تم التوافق للابتعاد عن الردود الانفعالية غير المدروسة التي قد تؤدي إلى نتائج عكسية ووصف جميع اللقاءات الجارية بأنها “لقاءات إيجابية” من دون الخوض في التفاصيل، واعتماد لغة مهادنة مع جميع من له علاقة بالمفاوضات، وتم التوافق أيضًا على إدارة المفاوضات بسرية تامة دون منح مبعوثي الدول الداعمة إلا بعض التفاصيل عن الاجتماعات لتجنب أي ضغط قد تفرضه تلك الدول على المعارضة لاتخاذ إجراءات معينة قد تؤثر على رؤية المعارضة واسترتيجيتها.
ولعب البيروقراطيون المنشقون عن النظام السوري السياسيون والعسكريون المرافقون لوفد المعارضة، دورًا هامًا في إسداء النصيحة وتقديم المقترحات بعد انتهاء كل اجتماع سياسي بين مختلف الأطراف في وفد الهيئة العليا للمفاوضات.
في المقابل بقي خطاب وفد النظام برئاسة بشار الجعفري، عنيفًا، والذي أوحى في بعض الأحيان إلى ضعف وارتباك بعدما اعتذر عن إقامة 3 مؤتمرات صحفية متتالية في مبنى الأمم المتحدة.
وقد أبدى دي ميستورا ملاحظات سلبية على أداء وفد النظام السوري ومطالبه التعجيزية، حيث شكلت مطالبات النظام المستمرة بشأن مكافحة الإرهاب التي لا يعرف سواها، حالة من النفور عند ديمستورا وفريقه والقوى الدولية الحاضرة في جنيف، وكأن تلك النقطة هي الوحيدة في حياة السوريين ومعاناتهم.