عادت المناوشات بين أنقرة وبرلين من جديد بعد حادثة إلغاء خطابات لوزراء ونواب أتراك في ألمانيا أمام تجمعات لأتراك يعيشون في تركيا حيث يقدر أعداد الأتراك هناك بـ3 مليون نسمة ومن يحق لهم التصويت يقدرون بنحو 1.4 مليون شخص، وقالت وزارة الخارجية التركية أمس الجمعة إن أوغلو نقل لنظيره الألماني عن استياء أنقرة من قرارات برلين وتقرر عقد لقاء بينهما في 8 مارس/آذار الحالي لبحث التوتر الحاصل بين البلدين.
التوتر حصل بعدما رفضت السلطات الألمانية المحلية السماح لوزير العدل التركي بكر بوزداج ووزير الاقتصاد نهاد زيبكجي بحضور اجتماع جماهيري كان من المقرر أن يلقيا خلاله خطابًا أمام مؤيدين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مدينة غاغناو، ومدينة كولونيا.
تقرر عقد لقاء بين وزيري خارجية ألمانيا وتركيا في 8 مارس/آذار الحالي لبحث التوتر الحاصل بين البلدين.
يأتي ذلك بعد قيام وزارة الخارجية الألمانية باستدعاء السفير التركي في برلين، علي كمال أيدن، للاعتراض على قيام السلطات التركية باحتجاز مراسل صحيفة “دي فيلت” الألمانية، التركي ــ الألماني، دينيز يوجل بسبب إحدى التقارير المنشورة في الصحيفة، وقد علقت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على هذا الفعل قائلة إن هذا النبأ “مرير ومخيب للأمل”، معتبرة أن هذا الإجراء “قاس على نحو غير ملائم لأن دنيز يوجل قدم نفسه إلى العدالة ووضع نفسه في خدمة التحقيق”.
اشتباكات كلامية بين ألمانيا وتركيا
يعد هذا الاشتباك العاشر بين برلين وأنقرة في غضون سنة بعد إلغاء فعاليتين لتركيا في ألمانيا، في الوقت الذي اعتبرته تركيا أنها رد فعل على قيام السلطات التركية باعتقال مراسل صحيفة “دي فيلت” الألمانية في تركيا، وهو ما دفع المعارضة والحكومة التركية لشجب التصرفات الألمانية؛ إذ دان زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو التصرفات الالمانية وقال: “لقد تم إلغاء الفعالية التي كان سيتحدث فيها نائبان عن العدالة والتنمية في ألمانيا الأمر الذي لا يمكن أن نراه صحيحًا”.
وأكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن من سماها “الدولة العميقة” في ألمانيا تقف خلف إلغاء الفعاليات، وأشار الوزير أنه “إذا كنتم ترغبون بالعمل مع تركيا، فأنتم مضطرون لتعلم كيفية التصرف معنا، بهذه الطريقة لا تسير الأمور، نحن أيضًا سنرد بالمثل من دون تردد”.
الصحفي الألماني التركي دينيز يوجل والعامل لدى صحيفة “دي فيلت” الألمانية
وجاء رد المستشارة الألمانية آنجيلا ميركل على ردود الفعل التركية بقولها أن القرارات لم تتخذ بشكل مركزي بل على المستوى المحلي لكل مدينة اتخذ فيها قرار إلغاء الفعالية، وانتقدت المستشارة ما وصفته باستهداف أنقرة للصحفيين وتضييقها على حرية التعبير.
في المقابل هاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ألمانيا بشدة متهما السلطات بـ”إيواء إرهابيين” في إشارة إلى الصحفي دينيز يوجل الألماني التركي، ومؤكدًا أن صحافيا ألمانيًا- تركيًا موقوفا في بلاده هو انفصالي كردي و”جاسوس ألماني” في الوقت نفسه.
لا يعد هذا الموقف الأول من نوعه بين البلدين، فمنذ اندلاع أزمة اللاجئين والمهجرين في العام 2015 شهد البلدين توترات بشكل دوري لكن سرعان ما يتم احتواء الموقف وتهدئة الأوضاع، وقد أحصي منذ مارس/آذار العام الماضي استدعاء الخارجية التركية السفير الألماني في تركيا، ستة مرات.
استدعت الخارجية التركية السفير الألماني في تركيا 6 مرات منذ مارس 2016
دأت أولى التوترات بين البلدين في مارس/آذار العام الماضي 2016 بعدما بث أحد البرامج الساخرة الألمانية لأغنية مصورة تمت خلالها السخرية من الرئيس التركي أردوغان، ومن قمعه للصحفيين.
كما اعترف البرلمان الاتحادي الألماني في يونيو/ حزيران الماضي بالمجازر التي تعرض لها الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، وأعلن أردوغان أن قرار البرلمان الألماني بشأن وصف المجزرة ضد الأرمن بـ”الإبادة” ستؤثر على العلاقات مع برلين، وعلى خلفية الأمر، استدعت أنقرة سفيرها لدى ألمانيا للتشاور بشأن هذا القرار.
وردت السلطات التركية بمنع برلمانيين ألمان في يوليو/تموز من زيارة جنود بلدهم في قاعدة إنجرليك التركية في إطار التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وقال زيجمار جابرييل نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في تصريحات له، إن ألمانيا ستسحب جنودها الذين يخدمون في قاعدة إنجيرليك الجوية في تركيا إذا واصلت تركيا منع النواب الألمان من زيارة الجنود.
اعترف البرلمان الاتحادي الألماني في 2016 بالمجازر التي تعرض لها الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى واستعدت أنقرة على إثر ذلك السفير الألماني في أنقرة
وكان رد ألمانيا خجولا في ما يتعلق بمحاولة الانقلاب التي حصلت في منتصف يوليو/ تموز 2016 وطالبت الحكومة الألمانية في بيان لها احترام النظام الديمقراطي في تركيا وحماية الأرواح، وانتقدت ألمانيا “مشاهد معززة من التعسف والانتقام” شهدتها تركيا بعد الانقلاب الفاشل ودعت إلى رد متكافئ، كما حذرت الرئيس أردوغان من إعادة تطبيق عقوبة الإعدام التي ستكون بمثابة “نهاية مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي”.
وانتقدت ألمانيا كثيرًا تصريحات أردوغان والحكومة التركية لإعادة حكم الإعدام للقانون بعد رفعه لمطابقة معايير الدخول إلى الاتحاد الأوروبي، وكان الرد دائمًا يأتي من تركيا بالإصرار على إعادة الحكم وأن هذا شأن تركي داخلي، ومن جانب آخر كثيرًا ما كانت تتعالي التصريحات بين مسؤولي البلدين على خلفية اللاجئين حيث يتبادل كلاهما مسؤولية التقصير عمّا يحدث.
ومن ثم قامت الرئاسة الألمانية في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي باستضافة رئيس تحرير صحيفة جمهورييت السابق جان دوندار بعد منحه حق اللجوء إثر فراره من تركيا بسبب القضايا المرفوعة ضده وصحفيين آخرين ارتكاب جرائم بالنيابة عن منظمة فتح الله غولن وحزب العمال الكردستاني.
وفي نفس الشهر استدعى وزير الخارجية الألماني فرانك – فالتر شتاينماير القائم بالأعمال التركي نظرًا “للتطورات الخطيرة في تركيا” الحاصلة في تركيا آنذاك بعد توقيف السلطات التركية نواب من حزب الشعوب الديمقراطي.
كان رد ألمانيا خجولا في ما يتعلق بمحاولة الانقلاب في 15 يوليو/ تموز 2016 وطالبت الحكومة الألمانية في بيان لها احترام النظام الديمقراطي في تركيا وحماية الأرواح
حيث أصدرت المحكمة الجنائية الثانية في ولاية دياربكر، قرارًا باعتقال زعيمي حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين ديمرطاش، وفيغان يوكسك داغ، ضمن إطار التحقيقات الجارية في قضايا إرهابية، بسبب رفضهم الذهاب إلى النيابة العامة للإدلاء بإفادتهم حول التحقيقات الجارية في أحداث الشغب التي جرت في 6 – 8 أكتوبر من عام 2014، وبعض القضايا المتعلقة بالإرهاب.