غالبًا ما تكون حياة الإنسان مليئة بالأحداث المتقلبة، فالمواقف التي يتعرض لها الإنسان بشكل يومي تتطلب منه اتخاذ قرارات مختلفة، وفي بعض الأحيان يرفض الفرد أن يواجه “الوجه قبيح” للحياة، وفي هذه الحالة يقع في فخ خداع النفس، ومشكلة هذه العادة لا تتلخص بأن الإنسان يتفوه بالأكاذيب، ولكنها تكمن بأنه يكذب على نفسه أولاً، حتى تتأصل هذه الخصلة وتتحول إلى أسلوب حياة بحيث يمنع فيها الإنسان من الحصول على اتصال مع مشاكله الحقيقة.
خداع النفس
يكون من السهل ملاحظة خداع النفس على الآخرين أكثر من أنفسنا، وذلك لأننا نملك الرؤية الكاملة لظروفنا ولا نعرف ظروفهم، وهذا ما يجعل الأمر أسهل لنا بخلق الأعذار وخداع أنفسنا بصورة سهلة، في هذا الخصوص قال الفيلسوف الأمريكي مايكل نوفاك: “لا حدود معروفة لقدرة الإنسان على خداع نفسه”.
خداع النفس مجموعة من الممارسات والتصرفات والسلوكيات التي تعيق الشخص عن فهم هويته وتقييم نفسه بشكل مجرد، ونتيجة لذلك يصبح الإنسان غير قادر على فهم مسؤوليته في كثير من الأحيان، أو هو الحيل النفسية اللاشعورية التي يلجأ لها الإنسان لتبرير بعض سلوكياته، وتقليل القلق والتوترالمتبع لهذه السلوكيات.
هناك أوجه عديدة لخداع النفس وهذا ما يجعل من الصعب ملاحظته فيتخفى الإنسان وراء أوهام نفسية يعتقد أنها الحقائق بعد مرور الوقت.
بعض الحيل التي يتبعها الإنسان في خداع نفسه
الإنكار: يعتبر من طرق الدفاع البدائية التي بدأت بالتشكل منذ مرحلة الطفولة، حيث تقول المحللة النفسية أنا فرويد، إن لجوء الإنسان للإنكار دليل على عدم النضج، لأنه وسيلة هروب من الإحساس بالمسؤولية وتحمل العواقب مما يعيق الفرد عن التعلم وتطوير ذاته، فهو يحجب الرؤية الحقيقة لذاته.
الشخص الذي يتعرض لعنف منزلي مثلاً، أو لمشاكل معقدة ومنهكة نوعًا ما، يعتبر أن هذه الأمور لا تحصل بشكل فعلي ويتعامل معها كأنها لا تحصل من الأساس، هو يعلم أن هذه الأمور تحدث بالفعل، لكن حالة النكران التي يصل إليها توهمه بأنها الطريقة المثلى لتخطي الأمر والنجاة لعدم قدرته على مواجهة المعاناة الواقعة.
التبرير: مأوى معنوي يحمي الإنسان من موقف لا يستطيع مسايرته في الوقت الراهن، فيبرر ويعزي سبب رسوبه إلى الأساتذة ويلوم الحظ العاثر ويقنع نفسه والآخرين أن سبب فشله ليس قصورًا منه أو نقصًا إنما دوافع أخرى، وفي كل مرة يتعرض لمحاولة فاشلة في حياته يبرمجه عقله على أنه خطأ أو مسؤولية الآخرين لا ذنبه هو، مما يجعل الأمر يبدو مقبولاً ظاهريًا، إلا أن هذا يؤدي إلى الانحراف عن التقدير الذاتي المناسب وينتج إدراك خاطئ عن قدراته الذاتية.
كيف ولماذا يخدع الإنسان نفسه؟
كلما عجز الإنسان عن الوصول إلى غاية معينة برر ذلك بحجج مستهلكة تخفف عليه عواقب الفشل النفسية وتدفع بعض الثقة في نفسه وتعمل على تحجيم الألم الواقع لكن بشكل زائف، حيث يصبح هذا الوهم مع الوقت شديد التنظيم والإقناع لدرجة يبدو فيها التحايل والابتعاد عن حل قضية ما هو الموقف السليم والقرار الصائب.
“لا أستطيع أن أجد وظيفة، فلا شيء يلائم مؤهلاتي” و”لا بد من أن ننفصل، فأنت لست جاهزًا بعد لعلاقة جديدة”.
كما يقال أيضًا إن أسوأ أشكال الخديعة هو أن نخدع أنفسنا، وفي تجارب الحياة، قد يفشل الإنسان حقًا في الحصول على وظيفة فيختلق أوهامًا بأن لا شيء يلائم إمكانياته، أو أن سبب فشل علاقته العاطفية هو الطرف الآخر وليس هو.
هذه هي الطرق الأمثل التي يختبئ الإنسان خلفها ويكون شبكة من الأكاذيب والأوهام التي تخفف عليه عواقب الفشل النفسية ونظرة الآخرين له فيحافظ على ثقته بنفسه وفي هذه الحالة وبشكل لا شعوري يخلقون أسبابًا منافية للحقيقة توهم عقولهم أن الظروف قد منعتهم من الوصول إلى مرادهم.
فقد تكون إمكانياته العقلية والعلمية ضعيفة، لكنه دون وعي يقدم صورة زائفة ويعمل على تسويقها للناس حتى تتحول هذه العادة إلى مرض في النهاية.
أفضل الطرق التي تخلص الإنسان من هذا الزيف
أولاً: مكاشفة الذات ومواجهتها بخصوص اعتقاداتها ومشاعرها حيال الأمور الجدية في الحياة حتى أصغر التفاصيل كقصة الشعر مثلاً.
ثانيًا: تجنب تأجيل الخطط والخطوات التي يرغب في تنفيذها حتى لا تذهب مع ريح الغد وتبدأ النفس من جديد بخلق أعذار مضللة.
ثالثًا: إعادة برمجة العقل الباطني وإصلاح الأفكار التي تحتاج إلى تنظيم والتركيز على مراقبة التصرفات التي تتم بسرعه لا شعورية.
أخيرًا: تحديد نقاط قوتنا وضعفنا ومعرفة ما يمكننا عمله وماذا يمكن أن نحسن وفيما يجب أن نجتهد أكثر ويمكن تجربة هذا مع أصدقائنا أو الأشخاص المقربين منا لأنهم يعرفوننا جيدًا وأحيانًا يفهموننا أكثر من ذواتنا مما يجعل الأمر أكثر سهولة بالمواجهة وجهًا وجه معهم والنقاش بشكل واقعي بعيدًا عن لوم الظروف والإنكار.