يواصل أهالي السويداء احتجاجاتهم الشعبية للشهر الثاني على التوالي منذ منتصف آب/ أغسطس الماضي، في مركز المحافظة والمدن والبلدات التابعة لها، للمطالبة برحيل نظام الأسد عن السلطة.
وتسبّبت عدة قرارات أصدرتها حكومة نظام الأسد في احتقان الشارع السوري وتفجُّره في السويداء، في ظل تدهور الأحوال الاقتصادية والمعيشية والأمنية، وعدم اتخاذ السلطات أي قرارات جدّية من شأنها تخفيف معاناتهم.
وشهدت الساحات خلال الأسبوع الماضي لا سيما ساحة السير/ الكرامة وسط مدينة السويداء، الجمعة 15 سبتمبر/ أيلول، زخمًا من حيث عدد المحتجين الذين تجاوز عددهم حدود الـ 10 آلاف متظاهر، وهتف المحتجون بإسقاط نظام الأسد وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، كما اتجهوا لأداء القسم وإعلان بيانات قرأها ناشطون تؤكد على مطالبهم وأنه “لا عودة عنها”.
وأكد المتظاهرون استمرار حراكهم السلمي دون الانجرار إلى الحراك المسلح، ردًّا على حادثة إطلاق النار التي نفّذها عناصر يعتلون أسطح مقر حزب البعث، الثلاثاء 12 سبتمبر/ أيلول، ما أسفر عن إصابات بين المحتجين.
وكان لافتًا في تطورات الاحتجاجات الشعبية في محافظة السويداء، تشكيل هيئتَين سياسية واجتماعية تمثلان مختلف القوى والتجمعات السياسية المدنية في المحافظة، ما دفعهما إلى إلقاء بيانهما الأول في ميدان الاعتصام وسط ساحة السير/ الكرامة.
بيان في الميدان الاعتصام
أصدرت الهيئة السياسية للعمل الوطني في محافظة السويداء جنوبي سوريا، الجمعة 15 سبتمبر/ أيلول، بيانها الأول خلال مظاهرة مركزية تجمع أبناء المدنية وريفها في ساحة الكرامة/ السير وسط المدينة، بالتنسيق مع الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري.
برعاية الشيخ #حكمت_الهجري.. بيان من الهيئة السياسية للعمل الوطني يدعو لتوحيد الصف مؤكّدًا استمرار الانتفاضة حتى تحقيق هدفها بإسقاط نظام أسد#السويداء#أورينت pic.twitter.com/UWkAPvNztV
— Orient أورينت (@OrientNews) September 15, 2023
وتحدث البيان عن معاناة الشعب السوري وهيمنة نظام الأسد واستخدامه أدوات القمع والعنف ضد السوريين: “الشعب السوري يعاني منذ عقود من هيمنة نظام فاسد حكم بأدوات القمع والعنف، ولم تتوارَ أجهزته الأمنية عن ارتكاب مختلف أنواع الجرائم بحق السوريين والسوريات”.
وأكد البيان “إن انتفاضة السويداء هي جزء من حلم السوريين بحياة حرة كريمة تحت راية وطن موحد فرّقته أيادي وتجار الأوطان والمخدرات، وباعوا ثرواته، ورهنوا مرافقه وخدماته في سبيل عرش بلا سيادة، ما جعل سوريا عز الشرق وخزان ثروته وطنًا للجائعين المحرومين من أبسط حقوق الحياة”.
واعتبر البيان أن “نظام الأسد حوّل المجتمع إلى أشلاء، وجعل فلّاح البلد يزرع ولا يأكل.. والعامل يصنع ولا يلبس.. والجندي يدافع ولا أحد يدافع عنه، وعيون الأطفال شاخصة إلى أمهات حيارى لا يجدن ما يسكت الجوع”.
كما تطرق البيان إلى هجرة السوريين، فالبلاد “يرحل عنها الطبيب والمهندس والمعلم مثلما يرحل المشردون الجائعون، نصف سكانها أو ما يزيد في مخيمات النزوح وبلاد اللجوء، فهل تريدون أرضًا بلا شعب؟ بئس الحكم والحكومات أنتم!”.
ووجّه رسالة إلى كل السوريين أنهم يسيرون على الدرب الذي رسمه الأجداد، كما دعا “إلى توحيد الصف والكلمة لنصل معًا إلى ما نصبو إليه من بناء دولتنا الوطنية الديمقراطية بمؤسساتها المدنية وبنيتها الحديثة”، وطالب المجتمع الدولي بالوقوف عند القرارات والالتزامات تجاه سوريا حتى لا يفلت المجرم من العقاب، مؤكدًا على الاستمرار في التظاهر حتى “نيل الحرية”.
هيئة سياسية للعمل الوطني
شكّلت القوى السياسية والوطنية في محافظة السويداء هيئة سياسية للعمل الوطني، تهدف إلى تقديم رؤية سياسية واضحة تؤكد فيها على مطالب السوريين في التغيير السياسي والحل السلمي للسلطة، بمشاركة جميع السوريين.
أكّد المكتب الإعلامي في الهيئة السياسية، خلال حديثه لـ”نون بوست”، “أن الهيئة السياسية تمثل أبناء السويداء، وهي مفتوحة للمشاركة أمام جميع السوريين، في سبيل توحيد الجهود السياسية نحو التغيير السياسي والسلمي للسلطة”.
وأوضح أن الهيئة تشكّلت من قانونيين ومحامين وإعلاميين وسياسيين سوريين، وقوى سياسية وناشطين من الانتفاضة في السويداء، مشيرًا إلى أنها “مكلّفة من سماحة الشيخ حكمت الهجري لتحديد رؤية سياسية سورية، من ضمنها حق السويداء وتطلعات السوريين بشكل عام”.
وفي 7 يوليو/ تموز الماضي، وجّهت مجموعة قوى وطنية سياسية في السويداء دعوة إلى إقامة مؤتمر، يهدف إلى تأسيس هيئة سياسية مدنية تسعى إلى تشكيل لجان محلية، تكلَّف كل لجنة بإدارة عمل ملفات خدمية وسياسية واقتصادية ضمن محافظة السويداء، “بهدف سدّ الفراغ الناتج عن فساد مؤسسات الدولة وتورط الأجهزة الأمنية بدعم الفساد”.
وتقوم الهيئة السياسية على عدة مبادئ، هي “تأكيد وحدة الأراضي السورية ورفض أي مشروع انفصالي، وتعزيز مفهوم الإدارة اللامركزية، وطرح مفهوم الإدارة الذاتية للخدمات وتأمين احتياجات المجتمع، ووضعت الهيئة بعد انتخابها خططًا لمواجهة ظاهرة انتشار المخدرات في المجتمع”.
وأصدرت الهيئة السياسية، الأربعاء 20 سبتمبر/ أيلول، رؤيتها السياسية للمجتمع الدولي بشأن مستقبل سوريا القادم، ومشاركتها في العمل السياسي لإعادة بناء الدولة، وتضمنت الرؤية 10 أهداف ومبادئ هامة توضّح خلالها جملة من التقاطعات المتفق عليها، ضمن المطالب السورية التي تنشد التغيير والوصول إلى سوريا الحديثة الديمقراطية.
وأوضحت الهيئة في رؤيتها الصادرة أن التغيير السياسي مطلب السويداء وجميع السوريين، مع رفضها القاطع في “البقاء تحت سلطة حزب شمولي إقصائي من أجهزة المخابرات التي عاثت تسلُّطًا وفسادًا”، وأكدت الوحدة الوطنية رافضةً “جميع المشاريع الانفصالية التقسيمية، التي تمهّد لها سياسات النظام وحلفائه من خلال افتعال الأزمات والتهجير القسري والتغيير الديموغرافي”، كما ترفض “الهيمنة الأجنبية على الأراضي السورية”.
ودعت في رؤيتها الدول العربية والعالم إلى “ضمان شروط عودة اللاجئين والنازحين السوريين، لأنها محنة المشردين السوريين طوعًا أو قسرًا”، كما وجّهت دعوة إلى “المنظمات الحقوقية والإنسانية للضغط على النظام الحاكم لإطلاق سراح المعتقلين دون قيد أو شرط، والكشف عن مصير المفقودين وردّ المظالم التي طالت الأرواح والممتلكات لأهلها من السوريين”.
وأشارت إلى ضرورة العمل على استعادة الثروات التي فرّط بها النظام الحاكم لتعود ملكًا لأصحابها الشرعيين، كما دعت إلى “إطلاق حملة إعادة إعمار ما دمّرته آلة النظام العسكرية والأمنية والإرهاب الدخيل”، وطالبت الدول المتضررة من صناعة وتجارة المواد المخدرة في مناطق نظام الأسد وحلفائه بوضع حدّ لهذا العمل.
وعبّرت عن جاهزيتها “للعمل مع جميع السوريين من أجل إيجاد البديل السياسي الوطني والاتفاق على صيغة الدستور وآليات الحكم وشكل الدولة”، كما دعت “الفعاليات الاقتصادية والكفاءات العلمية والمهنية للعودة إلى سوريا والمساهمة في إطلاق عجلة الاقتصاد والتنمية واستقرار حياة البلاد ومواطنيها”.
بدوره، أوضح مدير مركز إعلام الانتفاضة مرهف الشاعر، خلال حديثه لـ”نون بوست”، “أن الهيئة السياسية جاءت ترجمة للانتفاضة الشعبية المطالبة برحيل نظام الأسد عن السلطة، وتمثل الشارع في السويداء، وتعمل على تحديد رؤية سياسية للانتفاضة الشعبية”.
هيئة اجتماعية للعمل الوطني
تعمل الهيئة الاجتماعية للعمل الوطني في محافظة السويداء من خلال التنسيق والتعاون مع مشايخ العقل، وحركة رجال الكرامة وقوى التجمع الوطني، كما تعدّ جزءًا فعّالًا من الحراك السلمي، كون نشاطاتها وحراكها السابق ساهما في توفير بنية سليمة، ومع انطلاقة الانتفاضة الحالية حظيت بحماية ودعم من المشايخ ورجال الدين.
عضو الهيئة الاجتماعية، كامل بربور، قال في حديث مع “نون بوست”: “إن الهيئة الاجتماعية نتاج الثورة، وهدفها نشر الوعي الوطني والعمل في الحفاظ على السلم الأهلي، والمطالبة بحقوق الناس، خلال تنظيم التجمعات الاحتجاجية والنضال حتى استعادة السلطة وبناء دولة القانون وتطبيق قرار الأمم المتحدة 2254”.
وأضاف: “إن الهيئة الاجتماعية تمثل جميع أبناء المحافظة ولكل منطقة فيها أمانة وللسويداء 6 مجموعات، ويتمثل مجلسها المنتخب سنويًّا من 6 أعضاء، مشيرًا إلى أنها مفتوحة أمام عموم الموافقين على أهدافها، شريطة عدم انتمائهم إلى أي حزب يخالف الأهداف”.
وتأسست الهيئة الاجتماعية خلال مطلع عام 2012، وتتكون من 11 عضوًا ينتخَبون بشكل سنوي من قبل أعضاء الهيئة العامة.
وأكّد “أن الهيئة الاجتماعية إلى جانب جميع التجمعات والحركات السلمية، تستمد استمراريتها من الشعب السوري وتؤمن بتحقيق تطور مهم على الصعيد الاجتماعي، في العمل الجاد على وضع الناس في الموقف الإقليمي والدولي، بهدف الخلاص من حكم الاستبداد وظلمه”.
وتشكل الهيئات التي انبثقت عن الانتفاضة الشعبية التي تشهدها محافظة السويداء أهمية كبيرة في وضع مطالب السوريين أمام المجتمع الدولي، مؤكدة إصرار السوريين على إسقاط نظام الأسد والحل السلمي للسلطة ووحدة الأراضي السورية، في وقت وصلت فيه البلاد إلى حافة الهاوية نتيجة العديد من العوامل، على رأسها وجود نظام الأسد في السلطة وسط تغاضي المجتمع الدولي عن جرائمه بحق السوريين.