لماذا الأشخاص الذين يتمتعون بالثقة بالنفس هم الأكثر تواضعًا؟

man-in-suit

ترجمة وتحرير نون بوست

في الواقع، هنالك نظرية تفيد بأن الأشخاص الذين يثقون في أنفسهم بشكل مفرط على غرار بعض أصدقائي، يحصلون على كل شيء يريدونه بسهولة، وذلك لأن لا أحد يريد أن يتكبد عناء قول “لا” لهم، خاصة وأن  ذلك سيضعهم في ورطة هم في غنى عنها. والسبب وراء ذلك بسيط للغاية، إذ أنك عندما تتعامل مع شخص ينقصه الكثير من الوعي الذاتي، ولا يدرك مدى سخافة الصورة التي يمتلكها عن ذاته، من الصعب جدا إعادته إلى الواقع.

فضلا ذلك، فإن الأشخاص الذين يتميزون بثقة مفرطة في النفس يصعب إقناعهم بفكرة هم بالأساس ليسوا مقتنعين بها. ولذلك، يتجنب الكثير من الأشخاص خوض غمار هذا الحوار المفرغ الذي لا طائل منه. في الحقيقة، هذه ليست إلا مجرد نظرية شخصية، ولكن إثر اطلاعي على بعض الدراسات المعنية بهذا الموضوع،  تبين لي أن أنني على صواب. ومن بين الدراسات التي اطلعت عليها، الدراسة التي قام بها الطبيب النفسي في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، كاميرون أندرسون، الذي توصل إلى أن الأشخاص الذين يظهرون ثقتهم في أنفسهم أكثر من غيرهم، يحققون مكانة اجتماعية أعلى.

سرعان ما يتأثر الأشخاص بمواقف الأفراد الواثقين من أنفسهم حتى ولو كانت الفكرة التي يدافعون عنها غير منطقية أو غير مبررة

وفي هذا الصدد، صرح أندرسون لصحيفة التلغراف، “في الواقع، سرعان ما يتأثر الأشخاص بمواقف الأفراد الواثقين من أنفسهم حتى ولو كانت الفكرة التي يدافعون عنها غير منطقية أو غير مبررة. ويعود ذلك بالأساس إلى أن الثقة في النفس لها تأثير كبير لا يمكن مقاومته”. ومن هذا المنطلق، فإن المقولة الشائعة، “تظاهر بالشيء إلى أن تحقق مبتغاك”، يبدو أنها ليست مجرد عبارة تقال فقط، بل شعار على جميع الأشخاص أن  يتبنوه ويعملوا وفقا له؛ سواء في مقابلات العمل، أو في اللقاءات المهمة الأخرى.

في المقابل، تعتبر الثقة المفرطة في النفس سلاحا ذو حدين، فعلى الرغم من إيجابياتها، إلا أن لها جوانب سلبية. وفي هذا الإطار، أكد أندرسون أن هنالك فجوة كبيرة بين المهارات التي يعتقد الأشخاص ذوي الثقة المفرطة أنهم يتمتعون بها، وبين مهاراتهم وكفاءاتهم الحقيقية. ولذلك، إذا كنت تتحلى بثقة عالية في النفس فما عليك سوى التظاهر إلى أن تحقق مبتغاك.

من جهة أخرى، لا بد لنا أن نتطرق لوجهة نظر البروفيسور، توماس تشامورو بريموزيك الذي ألف كتابا حول سبل درء الثقة بالنفس لعيوبنا. وفي هذا الشأن، قال بريموزيك لمجلة هارفارد بزنس ريفيو، “في واقع الأمر، للثقة بالنفس وجهين؛ وجه خارجي ووجه داخلي مخفي. الوجه الخارجي للثقة بالنفس يبدو أكثر انفتاحا، والأشخاص الذين يتميزون بثقة عالية في النفس يكون لديهم قدرة على التحمل أكثر من الأشخاص الانطوائيين، على الأقل في المجتمعات الغربية”.

ندما يلاحظ الأشخاص من حولك أنك تثق في نفسك بشكل مفرط، يميلون للاعتقاد بأنك متغطرس وبغيض، وليس العكس، أي أنك شخص منفتح وجذاب

وأضاف بريموزيك “بيد أنه، قد يكون الشخص واثقا من نفسه، إلا أنه يخفي ذلك عن الآخرين. وعموما، عندما يلاحظ الأشخاص من حولك أنك تثق في نفسك بشكل مفرط، يميلون للاعتقاد بأنك متغطرس وبغيض، وليس العكس، أي أنك شخص منفتح وجذاب”. من ناحية أخرى، لا بد أن نربط بين مفهوم الثقة الداخلية التي تطرق لها البروفيسور ودراسة أخرى تفيد بأن الثقة الحقيقة تجلب لصاحبها التواضع. وأنا هنا لا أحكم على أي شخص.

في الحقيقة، ما يجعل كلام  بريموزيك ذا معنى بالنسبة لي هو أنني على دراية كاملة بالوجه الخارجي والداخلي للثقة بالنفس، إذ أنني، وفي بعض الأحيان، اضطررت للتظاهر بالثقة في النفس على الرغم من أن ثقتي في قدراتي ومؤهلاتي في ذلك الوقت كانت متدنية. من جانب آخر، اكتشفت أنني أثق في نفسي وفي قدراتي بشكل أكبر عندما أقوم بأشياء أنا مولع بها. وفي هذه الحالة، لا أجد نفسي مضطرا لإخبار باقي الأشخاص من حولي أنني كفء وأن باستطاعتي التكفل بأصعب المهام.

من تجربتي الخاصة، أظن بأن الثقة الداخلية جعلتني شخصا طموحا، ومتواضعا، وأميل إلى التفكير بأنني شخص مثالي ولدي القدرة على إثبات نفسي من خلال أفعالي وليس أقوالي. حقيقة، هذا النوع من الثقة المثالية هو ما يحتاج الأفراد فعلا لاكتسابه. مرة أخرى، هذا رأي الشخصي ولكنني حاولت تدعيمه من خلال الدراسات التي اطلعت عليها عن كثب. ومن هذا المنطلق، يمكن الجزم بأن الثقة المفرطة لا مبرر لها حقا، وحتى إن استطعت من خلالها تحقيق مأربك، إلا أنه يوما ما سيكشف أمرك للعيان، في حين أن الدليل على الثقة الحقيقة هو التواضع.

المصدر: إليت ديلي