ترجمة حفصة جودة
بموارده الضخمة من الغاز والنفط، ليس هناك سبب حقيقي يمنع العراق من أن يصبح مُنتجًا عالميًا للمواد البتروكيماوية عالية الجودة، بهذه الطريقة سيستفيد بشكل هائل من العائدات الضخمة من تلك المنتجات ذات القيمة المضافة، ويستخدم الجزء الكبير من الغاز المحترق في أمر جيد.
منذ سنوات عديدة كانت هناك خطط، تتمثل تحديدًا في مشروع “نبراس للبتروكيماويات” (NPP)، وبحسب تعليقات وزارة النفط العراقية فقد جرت محادثات الأسبوع الماضي للتصديق على المفهوم النهائي لهذا المصنع الذي تأجل لفترة طويلة، والتأكيد على ضرورة الإسراع في تنفيذ الخطط لينطلق المشروع.
يرجع هذا الأمر إلى يناير/كانون الثاني 2015 عندما وقعت “Shell” (شل) على الصفقة الأصلية لبناء مصنع “NPP” بتكلفة 11 مليار دولار آنذاك في مركز النفط الجنوبي “البصرة”، وذلك بعد أن وقعت على مذكرة التفاهم الأصلية عام 2012.
في ذلك الوقت، كانت هناك آمال عريضة للجانبين بشأن مستقبل نبراس، حيث قال وزير الصناعة آنذاك ناصر الصاوي في مؤتمر صحفي إن المصنع سيخرج للنور خلال 5 أو 6 سنوات وسيجعل بلاده أكبر دولة منتجة للمواد البتروكيماوية في الشرق الأوسط.
بالنسبة لـ”شل” فقد منحها ذلك الفرصة لإنهاء عملياتها الأولى في حقل مجنون وحقل غرب قرنة 1 التي كانت جارية بالفعل، لتصبح رائدة في الصناعات التحويلية، وفرّ ذلك مخزون النفط والغاز المرتبط به لإضافته إلى المواد الخام المحتملة الناتجة عن نصيب شركة “شل” في مشروع شركة غاز البصرة “BGC” لمدة 25 عامًا وقيمته 17 مليار دولار، صُمم هذا المشروع لجمع الغاز من حقول الجنوب بما في ذلك غرب قرنة 1 والزبير والرُميلة.
صُممت خطط نبراس ليُنتج على الأقل 1.8 مليون طن متري في العام من مختلف المواد البتروكيماوية، ليصبح بذلك أكبر مشروع بتروكيماوي للعراق منذ بداية التسعينيات، وواحدًا من ضمن 4 مجمعات رئيسية في البلاد في هذا المجال.
تسببت الاختلاسات الضخمة وعمليات الاحتيال والنصب وغسيل الأموال وتهريب النفط والرشاوى البيروقراطية واسعة النطاق، في اتجاه البلاد نحو قاع الفساد العالمي
الثلاثة الآخرون هم: خور الزبير في الجنوب ومسيب قرب بغداد ومعمل تكرير بيجي في الشمال، وجميعهم يخضعون لإدارة الشركة العامة العراقية للصناعات البتروكيماوية.
في يناير/كانون الثاني 2015 أصدرت “شل” بيانًا بأن مجلس الوزراء العراقي صرّح بإنشاء مشروع نبراس وأن الشركة ستعمل بشكل مشترك مع وزارتي النفط والنقل لتطوير نموذج استثماري مشترك لمجمع بتروكيماويات عالمي جنوب العراق.
لكن منذ بداية مشروع “NPP” كانت المشاكل واضحة لـ”شل” تمامًا مثلما حدث مع العديد من شركات الغاز والنفط الأجنبية التي عملت في العراق، فقد ذكرت منظمة “Transparency International” المستقلة، في تقريرها “سجل مؤشرات الفساد”، أن العراق يقع في المستوى الـ10 ضمن أسوأ 180 دولة فيما يتعلق بالفساد.
يقول التقرير: “تسببت الاختلاسات الضخمة وعمليات الاحتيال والنصب وغسيل الأموال وتهريب النفط والرشاوى البيروقراطية واسعة النطاق، في اتجاه البلاد نحو قاع الفساد العالمي، وإثارة العنف السياسي وإعاقة بناء الدولة وتوصيل الخدمات”.
واختُتم التقرير بقوله “التدخل السياسي في هيئات مكافحة الفساد وتسييس قضايا الفساد وضعف المجتمع المدني وانعدام الأمان ونقص الموارد والبنود القانونية، حدّ من قدرة الحكومة على مكافحة الفساد المتصاعد بفاعلية”.
في الحقيقة كانت “شل” تعيسة الحظ بما فيه الكفاية لتوقع مذكرة التفاهم الأصلية لمشروع نبراس عام 2015، فقد صرّح وزير النفط الذي أصبح لاحقًا رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، أن العراق خسر حينها أكثر من 14 مليار دولار كتعويضات نقدية.
رغم انتشار العمولات في الشرق الأوسط وفي مجال النفط في العديد من الدول، لم تكن “شل” مرتاحة بشأن انتشار تلك الممارسة في العراق
هذه التعويضات تتضمن ما يصنفه بعض الناس كأموال رشاوى وفساد انتهت في يد مسؤولين عراقيين أو وسطاء لصفقات التنقيب والتطوير المختلفة أو غيرهم من المشاركين في تلك الصفقات، في تلك الفترة أيضًا وقعت شركة “ExxonMobil” في نفس المشاكل مع مشروعها المهم “Common Seawater Supply Project”.
ظلّ مشروع نبراس معلقًا بعد 2015، وقد قال مسؤول رفيع في صناعة النفط – عمل بشكل مقرب مع وزارة النفط العراقية في ذلك الوقت – إن “شل” واجهت مشكلتين كبيرتين للتقدم بالمشروع.
الأولى مشكلة لوجيستية، فبعد أن انسحبت الشركة البريطانية من عملياتها الجارية في حقلي مجنون وغرب قرنة 1 تقلصت منصتها الواسعة، أما الثانية فتتعلق بالسمعة، فرغم انتشار العمولات في الشرق الأوسط وفي مجال النفط في العديد من الدول، لم تكن “شل” مرتاحة بشأن انتشار تلك الممارسة في العراق.
تضاعفت تلك المخاوف مع زيادة حجم العمولات، فحسب المصدر “إذا استمرت تكلفة المشروع بنفس التكلفة الأولية (11 مليار دولار) فإن العمولات كانت ستصل إلى 4 مليارات دولار، وهو أمر من الصعب تفسيره، وقد تأتي حكومة عراقية جديدة وتصف تلك العمولات بالرشوة”.
ويضيف “مع ذلك، ففي هذا الوقت ودون هذا القدر من العمولات، لم تتمكن “شل” من التقدم وإنجاز حتى أبسط الأشياء في المشروع”.
مع إحجام “شل” عن التقدم بمفردها في مشروع نبراس، لجأت وزارة النفط العراقية إلى البحث عن شركة أخرى، وفي نهاية 2017 وأول 2018 تحدثت الوزارة مع عدة شركات من بينهم الشركة السعودية للصناعات الأساسية “SABIC”.
يقول المصدر: “كان ذلك ليسمح لشل بمشاركة العبء الاقتصادي والمخاطر المتعلقة بالسمعة، لكن هذه المناقشات توقفت مع بدء شركة أرامكو السعودية التحقيق في إمكانية شراء معظم أسهم “SABIC” قبل طرح اكتتابها العام الأول، ثم أعادت جدولة الفكرة لعام 2021″.
رغم كل ذلك، ما زالت هناك فرصة هائلة لمشروع نبراس في العراق، فقد قالت شخصية بارزة في إحدى الشركات الروسية التي كانت تحاول الاستيلاء على المشروع: “شل قامت بعمل رائع في مشروع البصرة، لكن البلاد بحاجة إلى تنفيذ خططها لتطوير مركز نفط آخر بعيد عن البصرة”.
يجب أن يصبح الإيثان المادة الخام الأولية لمصانع البتروكيماويات الجديدة في العراق بما في ذلك نبراس، وليس النفطة مثلما اقترح وزير النفط العراقي
“سيرفع ذلك حجم الغاز لمتوسط مليار قدم مكعب في اليوم، وبذلك يصبح ممكنًا استخراج الإيثان بشكل مستمر يُعتمد عليه، وسيوفر أيضًا حجمًا كافيًا لاستمرار مصنع البتروكيماويات”.
بحلول عامي 2019 و2020، وصلت شركة البصرة إلى ذروة إنتاجها لتتجاوز هذا المستوى المطلوب (1.035 مليار قدم مكعب في اليوم)، وهو الأعلى في تاريخ العراق.
أضاف المصدر الروسي في ذلك الوقت، إنه يجب أن يصبح الإيثان المادة الخام الأولية لمصانع البتروكيماويات الجديدة في العراق بما في ذلك نبراس، وليس النفطة مثلما اقترح وزير النفط العراقي.
وقال: “يجب استخدام الإيثان كما هو الحال عند تطوير نظام الغاز الرئيسي في السعودية حيث يتم تجزئته وتوفيره كمادة خام أولية لمدينة الجبيل الصناعية الرائدة، يوجد أعلى تركيز للإيثان (حتى 10% أو أعلى بقليل) تقطيرات الغاز المصاحبة التي يمتلك العراق منها الكثير، كما أن معالجة الإيثان ينتح عنها الإيثيلين ومنتجات أخرى جانبية مثل غاز الوقود، التي يمكن معالجتها وإدارتها”.
“يساهم ذلك في تخفيض رأس المال المطلوب للبناء، ويحد من التعقيدات اللوجيستية ومتطلبات التوزيع، التي ستكون عوامل رئيسية في المراحل الأولية لتنفيذ صناعة بتروكيماويات في العراق”.
“ولاحقًا، مع نمو الصناعة والبنية التحتية، يمكن استخدام مصادر أثقل، مثلما حدث مع استخدام البروبان والبيوتان والنفطة في الجبيل”.
تنتج المنشأة ذات المستوى العالمي للإثيلين – أحد المنتجات البتروكيماوية عالية الطلب خاصة من الصين – ما بين 1.0 إلى 1.5 مليون طن من إنتاج الإثيلين، ويتطلب 1.0 مليون طن سنويًا من الإيثيلين إمدادات تصل إلى 1.3 مليون طن في العام من الإيثان.
“يجب أن يكون هناك إمداد مستدام يعتمد عليه لمدة 20 عامًا على الأقل ليتمكن من بناء كل الأجزاء المطلوبة لتشغيل قطاع بتروكيماويات عالمي في العراق الذي يكلف نحو 40 إلى 50 مليار دولار”.
المصدر: أويل برايس