تعد منظمة التجارة العالمية واجهة التجارة العالمية منذ عقود فهي المنظمة العالمية الوحيدة المختصة بالقوانين الدولية المعنية بالتجارة ما بين الدول الأعضاء داخل المنظمة الذين يبلغ عددهم 140 عضوًا يمثلون أكثر من 90% من التجارة العالمية.
تقوم مهمة المنظمة الأساسية على ضمان انسياب التجارة بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية بين الدول الأعضاء، متخذة بذلك عدة طرق منها: إدارة الاتفاقيات الخاصة بالتجارة، والتواجد كمنتدى للمفاوضات المتعلقة بالتجارة، وفض المنازعات المتعلقة بالتجارة، ومراجعة السياسيات القومية المتعلقة بالتجارة، ومعاونة الدول النامية في المواضيع المتعلقة بالسياسات التجارية من خلال المساعدات التكنولوجية وبرامج التدريب، بالإضافة إلى التعاون مع المنظمات الدولية الأخرى.
أما اتفاقياتها فتتعلق بالتعريفات والتجارة الموقعة في العام 1994 واتفاقيات أخرى حول تطبيق تدابير الصحة والصحة النباتية، وبشأن المنسوجات والملابس واتفاق بشأن القيود الفنية أمام التجارة واتفاق بشأن إجراءات الاستثمار المتصلة بالتجارة، وأمور كثيرة أخرى.
ترامب ينتقد منظمة التجارة ويهددها
انتقدت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منظمة التجارة العالمية وفق وثيقة رسمية نشرت قبل يومين، واعتبرت الإدارة أن المنظمة عاجزة عن منع ممارسات تجارية غير نزيهة، وتوعدت باعتماد نهج “أكثر تشددًا” للدفاع عن المصالح الأمريكية، قد يتضمن إجراءات رد جمركية.
وأعلن مكتب الممثل التجاري الأمريكي، المسؤول عن سياسة الولايات المتحدة على صعيد التجارة الدولية، في خطة عمله السنوية التي سلمت إلى الكونغرس أن “الوضع القائم لا يمكن أن يستمر، خسر الأمريكيون لفترة طويلة جدًا حصصا من السوق لصالح دول أخرى، ومن أسباب ذلك أن شركاتنا وعمالنا لم يحظوا بإمكانات فعلية للتبارز مع المنافسة الخارجية”.
منظمة التجارة برأي أمريكا عاجزة عن منع ممارسات تجارية غير نزيهة، وتوعدت باعتماد نهج “أكثر تشددًا” للدفاع عن المصالح الأمريكية، قد يتضمن إجراءات رد جمركية.
ترامب اعتاد أن يوجه في خطاباته نهج الاقتصاد القومي الذي يقوم على إعادة الشركات للعمل داخل الولايات المتحدة لإعادة الوظائف وفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة إلى الولايات المتحدة، وانتقد في هذا الشأن الصين وتوعد بفرض رسوم على السلع الصينية التي ستدخل إلى الولايات المتحدة.
وحسب ما جاء في الوثيقة أن القواعد التي تحكم عمل منظمة التجارة العالمية تقوم على فكرة أن الدول تطبق مبادئ اقتصاد السوق، في حين أن “العديد من كبار اللاعبين” يتجاهلونها، ويخفون تجاوزاتهم لقواعد التبادل الحر خلف أنظمة لا تلتزم بقدر كاف من الشفافية.
وجاء في الوثيقة أن “عدم قدرة النظام على إلزام هذه الدول بالخضوع للمحاسبة يقود إلى فقدان الثقة في النظام”، وأضافت الوثيقة أن الإدارة تشرع لاتخاذ خطوات للابتعاد عن منظمة التجارة العالمية.
وتطبيقًا لخطة ترامب القائمة على الدفع بسياسات قومية وسيادية فيما يخص عمل الشركات الأمريكية والتبادلات التجارية من وإلى الولايات المتحدة، فأمريكا غير ملزمة بأي اتفاقية لا تحقق مصالحها كأولوية وأن الوقت حان لتبني سياسات أكثر تشددًا مع الاتفاقيات الدولية، حيث أكد مكتب الممثل التجاري بهذا الصدد أن “الأمريكيين غير خاضعين بصورة مباشرة لقرارات منظمة التجارة العالمية” وأن الولايات المتحدة مستعدة لاستخدام “كل وسائل الضغط” لإرغام الدول على فتح أسواقها.
وصف ترامب منظمة التجارة العالمية بـأنها “كارثة” وحذر من أن بلاده يمكن أن تنسحب من المنظمة التي تتخذ من جنيف مقرًا لها.
وستكون الأفضلية للاتفاقيات الثنائية على حساب المعاهدات والاتفاقات الإقليمية والدولية، وكان ترامب بدأ عمليًا في تطبيق خطته، وأعلن فور وصوله إلى البيت الأبيض انسحاب بلاده من اتفاقية “الشراكة عبر المحيط الهادئ” الموقعة مع 11 دولة من منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وخلال حملته الرئاسية، وصف ترامب منظمة التجارة العالمية بـأنها “كارثة” وحذر من أن بلاده يمكن أن تنسحب من المنظمة التي تتخذ من جنيف مقرًا لها.
قرارات ترامب حول ما ينوي فعله بخصوص التجارة العالمية والكلام الوارد في الوثيقة يثير قلق الدول الأوروبية والدول الأعضاء في المنظمة، فهو من جهة يهدد استمرار العمل بنفس النهج التجاري الذي كان سائدًا قبل مجيء ترامب وبالتالي يهدد استقرار التجارة العالمية ومنظمة التجارة نفسها.
ترامب ومن خلال ما ينتهجه ضد منظمة التجارة العالمية يهدد العلاقات التجارية بين دول العالم ويعمد إلى تغيير ملامح اتفاقية حرية التجارة العالمية التي تبنتها دول العالم بعد مسيرة طويلة من المفاوضات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ولا تزال المفاوضات جارية في بعض البنود ولا تزال هناك طلبات لأعضاء معلقة، كما تعد تطويرًا عن “اتفاقية الغات” التي مرت بمراحل عديدة إلى أن وصلت إلى منظمة التجارة العالمية الحالية.
تعد هذه الاتفاقية من الاتفاقيات النادرة التي نظمت قوانين انسياب التجارة بحرية بين الدول، وتعد واحدة من أهم ركائز الاستقرار الاقتصادي في العالم، ويرى اقتصاديون أن تخريب هذه الاتفاقية “سيعني فوضى تجارية في العالم، وربما يقود إلغاؤها تلقائيًا إلى تنافس غير شريف بين الدول على كسب الأسواق واستخدام آليات الضغط السياسي والعسكري التي ربما تعيد العالم إلى العهود الاستعمارية”.
أوروبا قلقة
أبدت دول أوروبية قلقها من تنصل الرئيس الأميركي ترامب من اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، التي ظهرت في الوثيقة الأميركية قبل أيام، فما جاء في الوثيقة أرسل إشارات تبعث على القلق بسبب اتجاه سياسات الحماية التجارية وهي لا تتماشى مع اتفاقيات حرية التجارة بحسب قول المفوضة الأوروبية للتجارة سيسليا مالمستروم، ولا تزال دول الاتحاد الأوروبي ترفض طلب ترامب على إجراء مفاوضات تجارية ثنائية مع دول العالم.
حيث لا يزال الاتحاد الأوروبي يرى أن التعددية والحرية التجارية هي السبيل للمضي قدمًا في السياسات التجارية حيث إنها تمكنت من تحفيز النمو الاقتصادي وتحقيق الازدهار وخلق فرص عمل.
مقر منظمة التجارة العالمية في جنيف
وقد حذر الاتحاد الهولندي للصناعة والتجارة الرئيس الأميركي ترامب من كسر قواعد التجارة العالمية، وذكر الاتحاد أن خطط الولايات المتحدة قد تقود إلى اتخاذ البلدان الأخرى لإجراءات مضادة، وإن “فتح مثل هذه المعركة لن يفيد أي شركة أو مواطن”.
أمريكا أرسل إشارات تبعث على القلق بالنسبة للاتحاد الأوروبي بسبب اتجاه سياسات الحماية التجارية التي لا تتماشى مع اتفاقيات حرية التجارة
وأضاف أنه من الأهمية بمكان أن تواصل البلدان التوصل إلى اتفاقات مع بعضها البعض لضمان تجارة عادلة” كما وصدرت تحذيرات أيضًا من اتحاد المصدرين في ألمانيا وعدد من الاتحادات الأوروبية للرئيس ترامب من التلاعب بقوانين منظمة التجارة العالمية التي تضمن حرية التجارة بين دول العالم.
وعند سؤال روبرتو ازيفيدو المدير العام لمنظمة التجارة العالمية البرازيلي في الأسابيع الماضي حول السياسة الانعزالية لواشنطن، اكتفى بالقول إن “الفترة الحالية صعبة بالنسبة إلى التعددية التجارية”، ودعا الولايات المتحدة إلى إجراء حوار معه.
لذا فإنه من المتوقع أن تشهد الشهور المقبلة مفاوضات معقدة وطويلة حول نوايا واشنطن في اتباع سياسات تجارية تخالف اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، والسياسات التجارية التي ستتبعها مع دول العالم، وقد تفتح سياسات ترامب الإنعزالية في حال إصراره عليها عهدًا جديدًا للتجارة العالمية قد يؤدي معها إلى انهيار منظمة التجارة العالمية وظهور منظمة أخرى واتفاقيات أخرى مع احتمال إمكانية ظهور دول كبرى أخرى كالصين مثلا تلعب دورًا قياديًا في العالم في حال انسحاب الولايات المتحدة عن لعب هذا الدور.