ظاهرة التعددية في المدن ليست ظاهرة مولودة حديثًا حيث إنها وُجدت بكل العصور وبكل المدن كبيرها وصغيرها، فلا أقصد هنا بالتعددية التعددية العرقية وحسب، بل يشمل ذلك أيضًا التعددية الاجتماعية حيث توجد الطبقات السُفلى والمتوسطة والعليا، والتعددية الثقافية فقد تختلف الخلفيات الثقافية لمجموعات مختلفة ولو كانوا من نفس العرق، بالإضافة لاختلاف الأجناس من ذكر وأنثى، اختلاف الأعمار من الأطفال للعجزة، اختلاف الأديان وخلافه.
“ليس هدف المدينة الوحدة، فالمدينة عبارة عن تعددية” – أرسطو
حين وضح جوزيه رامونديه أن هوية المدينة تكمن في عدم هويتها لأن هويتها تقوم على التعددية، لم يقصد فى رأيي وجوب اختفاء جميع الهويات في سبيل تلك الهوية المطموسة، فالمزيج الحضاري يجب أن يكون كطبق السلطة، كما تقول النظرية الأمريكية بتكامل الثقافات المختلفة، لا كـ”قدر صهر” كما توضح النظرية القائلة بتجانس المجتمع غير المتجانس عن طريق صهر العناصر المكونة له معًا في وحدة متناغمة لها ثقافة موحدة، وعلى سبيل المثال للتوضيح، إذا ذهبنا إلى إحدى المدن الكبرى سنجد أن أجزاءها المختلفة تختلف طبائعها وأنسجتها مما يوضح الكلام السابق ذكره.
“عندما تنجح الأماكن العامة، سوف تزيد فرص المشاركة في الأنشطة المجتمعية، هذه – مما يمكن تسميته – الزمالة في الأماكن المفتوحة تغذي نمو الحياة العامة وتقزم العزلة الاجتماعية، سواء في الميادين، الحدائق، الساحات، الأسواق، الأماكن الطبيعية، يمكن للناس من الجماعات المختلفة أن يأتوا في سياق داعم للاستمتاع المتبادل حيث تتنحى الأيدلوجيات وتبقى القيم المجتمعية الإيجابية المدعومة في الأماكن المشتركة” المقولة منقولة بتصرف من كار، فرانسيس، ريفلين، ستون 1993.
يرى الكثير من المخططين أن تلك الأماكن المشتركة لها دور توعوي كبير على المستوى الثقافي والسياسي للعامة
أهمية الأماكن العامة هنا تكمن في أنها مكان يجب عليه أن يخاطب جميع الفئات، لذلك وددت أن أُسميه “مكانًا مشتركًا” حيث سيصبح ذلك المفهوم أوسع وأدق نسبيًا، لأن هذا المكان المشترك لا يجب عليه أن يُقصي أحدًا تبعًا لخلفيته الثقافية، عرقه، جنسه، خلافه، أما تلك الأماكن التي تُقصي قسمًا بعينه، فليس من الصحيح تسميتها مكانًا عامًا.
ويرى الكثير من المخططين أن تلك الأماكن المشتركة لها دور توعوي كبير على المستوى الثقافي والسياسي للعامة، وقد ناقشت من قبل وضوح ذلك في تخطيط الكثير من مدن أمريكا التي لا تحتوى على ميادين كبيرة منعًا لتجمع المظاهرات كما فسر البعض!
وعلى كل حال فإن تلك الميادين والشوارع والحدائق والأماكن المشتركة بوجه عام تلعب دورًا هامًا في تكوين الثقافة العامة للفرد وتنمية فكرة المسؤولية الجماعية، هذا بالاضافة بلا شك إلى زيادة إنتاجية الدولة حيث ستؤدي تلك الأماكن إلى توفير الطاقة الإيجابية التي تنعكس على أداء العاملين.
عندما تنجح الأماكن العامة، سوف تزيد فرص المشاركة في الأنشطة المجتمعية، هذه – مما يمكن تسميته – الزمالة في الأماكن المفتوحة تغذي نمو الحياة العامة وتقزم العزلة الاجتماعية
وقد يعتبر البعض هذا نوعًا من الرفاهية، لكن صدق أو لا، هذه حقيقة! وفكرة الأماكن العامة ليست بالجديدة كما يظن البعض، ولكن الفكرة أنها تختلف باختلاف الزمان، وإذا نظرت في تاريخك، فستجد أن هناك في كل زمان نوع من الأماكن العامة التي احتضنت جميع الأطياف ولكن بشكل قد يكون مختلفًا عن الشكل الحالي للأماكن العامة وهذا طبيعي، لأن كل مكان يناسب عصره.
والتحدي الذي يواجه المعماريين هو كيفية إنشاء مكان مشترك يخاطب تلك الفئات المتعددة، وأرى أن أول خطوات هذا التحدي إيجاد نقاط مشتركة لجميع تلك الفئات ومحاولة خلق مساحات تخاطبها جُلها، ومن الضروري عدم إغفال العدالة في خلق تلك الأماكن المشتركة، كما أغفلتها على سبيل المثال مراكز التسوق التي يدعوها البعض خطأ بالمكان العام، ولكنها مقصورة بالطبع لأصحاب المقدرة المادية القادرين على الخروج والجلوس بتلك الأماكن على سبيل المثال.