“كنت حاملاً عندما تعرضت للاغتصاب وعندما وصلت إلى بنغلاديش وضعت طفلي، وقد أخذوا زوجي واقتادوه بعيدًا ثم أخذوني بعيدًا إلى غرفة واغتصبوني، دفعوني بالبنادق وكنت حينها حاملاً في الشهر الثامن لكنهم لم يتركوني”. سينو آرا بيغوم، (19 عامًا)، مسلمة من الروهنغيا.
أمام أنظار العالم الذي يتشدق بحقوق الإنسان والحيوان، تتم إبادة الشعب الروهينغي المسلم، تنقل لنا المقاطع المرئية القليل مما يجري من مأساة قل أن نجد لها نظيرًا في التاريخ، وما زالت المأساة مستمرة منذ عقود طويلة، فالشعب الروهينغي هو الأكثر اضطهادًا في العالم، فتارة يتم طرد عشرات الآلاف منهم إلى خارج أراكان ليغرق أكثرهم في البحار والمحيطات، وتارة يتم منعهم من مزاولة حقوقهم السياسية المشروعة.
منذ 35 عامًا، تصنف الحكومة العنصرية في ميانمار نحو 750 ألفًا من أبناء الروهينغيا، الذي يعيشون في أراكان (غربي ميانمار) على أنهم مسلمون بنغال بلا جنسية جاؤوا من بنغلاديش المجاورة، مما جعلهم عرضة للاضطهاد والتمييز العنصري وإساءة المعاملة، رغم أن بعضهم يعيش في ميانمار منذ قرون، وحتى المسلمين من العرقيات الأخرى غير الروهينغيا عانوا من الاضطهاد كـ”سوي هلاينج” فهو ليس من مسلمي الروهينغيا وإنما من مسلمي الكامان وهي واحدة من 135 جماعة عرقية معترفًا بها في ميانمار وتتمتع بحق المواطنة كاملاً بخلاف الروهينغيا المضطهدين.
قرى بأكملها هجر أهلها، أو أحرقت ودمرت فوق رؤوسهم، إنها حملات من الإبادة الممنهجة، فالمليشيات البوذية الإرهابية سواء الحكومية أو المشكلة بقيادة الرهبان المتطرفين، تلاحق حتى المسلمين الذين تمكنوا من الهرب إلى الغابات أو إلى الشواطئ للهروب عبر البحر
وفي السنوات الأخيرة تعرض مسلمو الروهينغيا لاضطهاد الأغلبية البوذية بتواطؤ من الحكومة والجيش والأمن وحتى كبار الرهبان المتطرفين، مما أدى لمقتل وهجرة مئات الآلاف.
والكارثة أن دول الجوار الإسلامية كماليزيا وإندونيسيا رفضت استقبالهم بادعاءات عدم القدرة على إيوائهم، أما بنغلاديش الجارة التاريخية لهم فقد عملت على التخلص منهم، لنفس الأسباب الواهية.
مأساة لا تنتهي
تشير المصادر التاريخية إلى أن أراكان عندما أصبحت دولة مستقلة بعد دخول الإسلام حكمها 48 ملكًا مسلمًا على التوالي، وذلك لأكثر من ثلاثة قرون ونصف القرن، أي ما بين عامي (834 هـ – 1198، 1430هـ – 1784م) ، وهو ما يؤكد الهوية الإسلامية لتلك المناطق رغم محاولات انتزاع تلك الهوية التي تجري حاليًا على قدم وساق.
فرار من الموت
بلغ عدد أفراد الشعب الروهنغي الذين فروا إلى بنغلاديش 69 ألفًا خلال الأشهر الأربع الماضية، وذلك إثر تعرضهم لحملة قمع واسعة في إقليم أراكان، كما نزح 22 ألفًا آخرين إلى مناطق داخل ميانمار، وأدلى الفارون بشهادات لمحققين من الأمم المتحدة عن إطلاق جنود جيش ميانمار النار على المدنيين وإحراقهم للقرى واغتصابهم للنساء الروهنغيات.
وقد قتل جيش ميانمار نحو ألف روهنغي في الأشهر الأربع الأخيرة، بينما دأبت المنظمات الحقوقية على المطالبة بإجراء تحقيق دولي في هذه الحملة، واستند التقرير الأممي إلى مئتي مقابلة وشهادات عن ذبح أطفال بسكاكين واغتصاب أمهاتهم من قبل عناصر قوات الأمن.
قتل الأطفال
قالت رئيسة لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة ليني أدفيرسون: “لا توجد عبارات يمكن أن تصف العنف الممارس ضد مسلمي الروهنغيا في ميانمار”، ودعت إلى تدخل عاجل من المجتمع الدولي لحمايتهم.
وعبرت أدفيرسون عن دهشتها وصدمتها إزاء ممارسات جيش يقتل الأطفال تحت ذرائع أمنية، وأكدت أن الموظفين الحكوميين يغتصبون النساء في القرى ويضربون الناس ويمارسون عليهم ضغوطًا، ويطالبونهم بالرحيل إلى بنغلاديش لأنهم بنظرهم لا ينتمون إلى ميانمار.
اغتصاب ممنهج
أجرت صحيفة BenarNews تحقيقًا استقصائيًا التقت خلاله بالعديد من النساء الروهنغيات اللواتي فررن من ميانمار إلى مخيمات اللاجئين في بنغلاديش ووجدت أن من بين كل ثلاث نساء قابلتهم واحدة تعرضت للاغتصاب من قبل قوات الأمن في ميانمار، وأفاد مراسل BenarNews الذي قضى أربعة أيام في مخيمات الروهنغيا في منطقة كوكس بازار جنوب شرق بنغلاديش، أن 17 من 54 امرأة روهنغية قابلهن قلن له إنهن تعرضن للاغتصاب عندما شن الجيش في ميانمار حملة قمع وحشية في ولاية أراكان، بعد أن تعرض تسعة من ضباط الشرطة للهجوم والقتل على يد مسلحين في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
منذ 35 عامًا، تصنف الحكومة العنصرية في ميانمار نحو 750 ألفًا من أبناء الروهينغيا، الذي يعيشون في أراكان (غربي ميانمار) على أنهم مسلمون بنغال بلا جنسية جاؤوا من بنغلاديش المجاورة، مما جعلهم عرضة للاضطهاد والتمييز العنصري وإساءة المعاملة
وكانت تقارير عديدة عن الاغتصاب وغيره من الأعمال الوحشية انتشرت منذ بدء الحملة، مما أدى إلى فرار 65.000 شخص من الروهنغيا إلى بنغلاديش، ولكن هذه هي المرة الأولى بحسب الصحيفة التي تُوردُ فيها أرقام تستند إلى دراسات استقصائية عشوائية عن الاعتداءات الجنسية على النساء.
وقالت سيتارا بيجوم (24 عامًا) لاجئة في مخيم كوتوبالونج، إن عناصر من قوات الأمن اختطفوها من قرية نيسابورو، في مدينة منغدو، وأخذوها إلى بعض التلال المجاورة حيث وجدت بعض النساء الأخريات هناك ثم تم اغتصابهن وتعذيبهن بالتناوب، وأضافت المرأة أن التعذيب والاغتصاب أسفر عن وفاة امرأتين وأنها تمكنت من الفرار بعد تعرضها للاغتصاب، وقالت أيضا إن زوجها أنقذها في وقت لاحق لكن في أثناء ذلك، كانت قوات الأمن قد أحرقت منزلهم مما دفعهم للاختباء في التلال لعدة أيام.
نور جيهان (31 عامًا) من قرية نوربيل بمنغدو تحدثت إلى BenarNews، وقالت إنها تعرضت للاغتصاب بعد ثلاثة أسابيع من اعتقال الجنود لزوجها من منزلهما والذي لا يزال مفقودًا.
وقالت: “في 14 من ديسمبر العام الماضي، أمسك بي اثنان من الجنود داخل غرفتي أحدهم ربطني بإحكام والآخر اغتصبني ثم فقدت الوعي ولا أعرف ما إذا تعرضت خلال ذلك للاغتصاب أو لا”.
بنغلاديش تحاول نفيهم!
=تظاهر العشرات من مسلمي الروهنغيا في بنغلاديش احتجاجًا على خطة حكومة دكا لنقلهم إلى إحدى الجزر غير المأهولة بالسكان، وإبعادهم عن المناطق الحدودية التي يقيمون فيها حاليًا تحت إشراف مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وانتقدت منظمات حقوقية دولية مخططات حكومة بنغلاديش، تجاه لاجئي الروهنغيا واعتبرتها غير إنسانية بالمرة، وتمثل انتهاكًا لالتزامات بنجلاديش بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، خاصة أن جزيرة تينجار المقرر نقل مخيمات اللاجئين إليها، تعاني من انعدام الخدمات الصحية والتعليمية فيها، بالإضافة إلى صعوبة الانتقال منها وإليها وهو ما يعني وضع الروهنغيا تحت الإقامة الجبرية.
وقال مدير قسم آسيا في هيومان راتيس ووتش براد آدامز: “اللاجئين الذين فروا من القتل والاغتصاب الجماعي في بورما، يواجهون الغرق والحصار والتجويع في بنغلاديش، ما لم يتدخل المجتمع الدولي ويمنع حكومة دكا من تنفيذ قرار نقل اللاجئين من منطقة كوكس بازار الحدودية إلى جزيرة تينجار المعزولة والمعرضة للغرق”. ووصف آدامز مخططات حكومة بنغلاديش بالقاسية والسخيفة، مؤكدًا أنها غير قابلة للتنفيذ وينبغي التخلي عنها.
طلب نائب وزير الدفاع الميانماري مينت نوي من المجتمع الدولي إعطاء حكومته “وقت ومساحة” لحل أزمة مسلمي الروهنغيا، وقال نوي إن حكومته تدرك تمامًا القلق الدولي المتزايد إزاء تقارير واسعة الانتشار عن الأوضاع في ولاية أراكان، مبديًا التزامها بمعالجة هذه القضية ومعاقبة المخطئين
تحرك إسلامي خجول
وقد حذرت حكومة اندونيسيا نظيرتها في ميانمار من اضطرابات ستقع في المنطقة بسبب أزمة الروهنغيا، وأرسلت إندونيسا وماليزيا سفن مساعدات للمسلمين الروهنغيجا في بنغلاديش وأراكان، كما أرسلت تركيا معونات إغاثية.
فيما انتقد رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق ميانمار لاضطهادها المسلمين، وقال إنها بلغت حد الإبادة الجماعية، حيث قال في اجتماع استثنائي خاص لمناقشة أزمة المسلمين الروهنغيا في العاصمة كوالالمبور إن الأزمة لم تعد أزمة داخلية لميانمار وأصبحت أزمة إقليمية وتوشك أن تكون دولية.
أما وزير الدفاع الماليزي هشام الدين حسين، فقد حذر من أن الأوضاع المأساوية في ولاية أراكان إذا لم تعالج بشكل صحيح والتي يمكن استغلالها من قبل منظمات إسلامية دولية مسلحة تسعى إلى إنشاء قاعدة لها في جنوب شرق آسيا.
مؤكدًا أن قضية الروهنغيا ستختبر مدى تضامن دول آسيا، حيث إنها بحاجة إلى حلول جذرية لا سيما أنها قضية تمس عواطف العديد من المسلمين.
مماطلات وهروب مفضوح
طلب نائب وزير الدفاع الميانماري مينت نوي من المجتمع الدولي إعطاء حكومته “وقت ومساحة” لحل أزمة مسلمي الروهنغيا، وقال نوي إن حكومته تدرك تمامًا القلق الدولي المتزايد إزاء تقارير واسعة الانتشار عن الأوضاع في ولاية أراكان، مبديًا التزامها بمعالجة هذه القضية ومعاقبة المخطئين.
فيما قالت الحكومة في ميانمار إنها ستحقق فيما إذا كانت الشرطة ارتكبت انتهاكات بحق المسلمين الروهنغيا بعد أن تعهد مسؤولون بالنظر في مزاعم ارتكاب فظائع ضد أفراد من الأقلية المسلمة في البلاد.
الحقيقة التي لا بد أن ندركها أن عمر هذه المأساة أكثر من قرنين من الزمان، مآسي الاضطهاد والقتل والتشريد التي كابدها أبناء ذلك الإقليم المسلم على يد الجماعة البوذية الدينية المتطرفة (الماغ) بدعم ومباركة من الأنظمة البوذية الديكتاتورية في ميانمار (بورما)، روتها كتب التاريخ، واليوم نرى الجرائم نفسها بأعيننا ولا نحرك ساكنًا.
أمام أنظار العالم الذي يتشدق بحقوق الإنسان والحيوان، تتم إبادة الشعب الروهينغي المسلم، تنقل لنا المقاطع المرئية القليل مما يجري من مأساة قل أن نجد لها نظيرًا في التاريخ، وما زالت المأساة مستمرة منذ عقود طويلة
قرى بأكملها هجر أهلها، أو أحرقت ودمرت فوق رؤوسهم، إنها حملات من الإبادة الممنهجة، فالمليشيات البوذية الإرهابية سواء الحكومية أو المشكلة بقيادة الرهبان المتطرفين، تلاحق حتى المسلمين الذين تمكنوا من الهرب إلى الغابات أو إلى الشواطئ للهروب عبر البحر، وقتلوا العديد منهم، ويؤكد ناشطون من أراكان أن تلك المليشيات كانت تدفن ضحاياها من المسلمين في طين البحر وأدًا للفضيحة، ومن استعصى عليهم قتله ولم يتمكن من الهرب ورأوا أن لهم حاجة به، أقيمت لهم تجمعات، كي يقتلونهم فيها ببطء وبكل سادية، في تجمعات لا يعرف ما الذي يجري فيها تمامًا، فلا الهيئات الدولية ولا الجمعيات الخيرية ولا وسائل الإعلام يسمح لها بالاقتراب من هذه التجمعات، وما عرف حتى الآن أنهم مستعبدون بالكامل لدى الجيش البورمي، كبارًا وصغارًا، حيث يجبرون على الأعمال الشاقة دون مقابل.
إن الصمت على ما يجري جريمة لا تغتفر، وهي تماثل الجرائم التي تجري على الأرض، فعلى المنظمات الإسلامية والعالمية التي تتشدق بحقوق الإنسان ليل نهار، وعلى البلدان التي تدعي أنها راعية حقوق الإنسان في العالم أن تتحرك لوقف تلك المأساة التي ستكون قنبلة موقوتة عما قريب.