بعد ثمانية أشهر من الاتفاق السياسي بين حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، والحوثيين الذين يستولون على السلطة بالقوة في اليمن، ونتج عن ذلك الاتفاق تأسيس مجلس سياسي أعلى لحكم البلاد ومن خلاله تم تشكيل حكومة وحدة (شكلت في 28 من نوفمبر 2016) على أن تخلو المؤسسات الحكومية من الحوثيين وحل اللجنة الثورية العليا التي حكمت اليمن منذ فرار الرئيس اليمني إلى عدن، لا تزال غالبية بنود الاتفاق رهينة تحت هيمنة الحوثيين وسط امتعاض حزب المؤتمر الشعبي العام.
ووقع الجانبان في الـ28 من يوليو 2016، ما أسمياه “الاتفاق الوطني السياسي”، الذي بموجبه تم تحديد مسؤولية قيادة البلاد وتسيير أعمال الدولة وفقًا للدستور الدائم للجمهورية اليمنية والقوانين النافذة حسب البيان الصادر عن الجانبين وبناء على إعلان الطرفين استعدادهما تنفيذ بنود الاتفاق كون ذلك يساهم في تقوية الجبهة الداخلية في مواجهة التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
وبموجب الاتفاق، يفترض أنه ألغى الإعلان الدستوري الذي أعلنه الحوثيون في فبراير 2015، وحل اللجنة الثورية التي حكمت البلاد منذ تقديم الرئيس هادي استقالته إلى البرلمان وفراره إلى عدن حتى إعلان الاتفاق بين الحوثيين وصالح لتأسيس المجلس السياسي الأعلى، والعودة إلى العمل بالدستور اليمني النافذ.
الحفاظ على هذا التحالف يهم إيران ويصب في مصلحتها في ظل تأزم علاقتها الحالية مع إدارة ترامب، لأنها ربما تسعى خلال الفترة المقبلة بما تسميها “تفويت الفرصة” على الرئيس الأمريكي الجديد بخلق تفاهمات مباشرة مع دول الخليج وتقديم تنازلات في الملف اليمني
عدم الالتزام
الاتفاق المشار إليه يفترض أن يُعيد المؤسسات الدستورية اليمنية (مجلس الشورى والبرلمان اليمني الذي منح الثقة للمجلس السياسي المكون من قبل طرفي صنعاء)، حدد أن يكون رئاسة المجلس دورية بين الحلفين (كل دورة أربعة أشهر) إلا أن عدم المساس بما يسمى “اللجنة الثورية العليا” والتي ما زالت تمارس سلطات خارج إرادة المجلس السياسي الأعلى حتى الآن إضافة إلى أن تمسك الحوثيين بالرئاسة يعكر صفو المؤتمر الشعبي العام.
وقبل أن تعلن التشكيلة الرسمية لحكومة الوحدة الوطنية بين الحوثيين وصالح في 28 من نوفمبر والتي مثلت حينها عقبة إضافية أمام جهود السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في البلاد، كان يرفض المؤتمر الشعبي العام إعلانها لعدم وفاء الحوثيين بالاتفاق المبرم بينهما المتمثل في انسحاب مليشيا اللجان الشعبية من الوزارات والمؤسسات الحكومية اليمنية، إلا أن لضغوط قبلية والموقف السياسي حينها الذي كان يفترض أن يكون تصعيديًا خضع صالح لمتطلبات المرحلة، مشترطَا على الحوثيين الوفاء بتعهداتهم أمامه إلا أنهم لم يلتزموا بذلك على ما يبدو حتى وقت كتابة هذا الخبر.
فرئاسة المجلس السياسي الأعلى الذي تكون رئاسته دورية لمدة أربعة أشهر فقط وفقًا للاتفاق بين الطرفين وصلت مدته إلى ثمانية أشهر في 28 من فبراير الماضي، وما زال صالح الصماد عضو المجلس السياسي لجماعة الحوثي متمسكًا برئاسته، وهو ما يخالف تلك البنود، ويبدو أنهم يرفضون تسليمها لحليفهم بسبب انفراد صالح برئاسة الحكومة والمجلس السياسي والبرلمان، بحسب اعتقادهم، رغم أن الحكومة والمجلس السياسي الأعلى ليس لهم صفة دستورية أو قانونية دولية، ولا يحظى بأي اعتراف دولي عدا إيران، سوى أن ذلك رمزيًا لتحالفهم الحربي دون العقائدي والذي لن يستمر حال انتهاء الحرب، لأن أيديولوجية الطرفين لا تتفقان على الإطلاق.
فحزب المؤتمر الشعبي العام حزب له كيان مؤسسي ويعمل وفقًا للوائحه الداخلية والدستور اليمني، بينما عكس ذلك الحوثيين الذين لم يؤمنوا حتى اللحظة بالتعددية السياسية أو على الأقل تكوين حزب سياسي خاص بهم، إضافة إلى أن عملهم غير دستوري ودستورهم وقانونهم هو عبد الملك الحوثي.
إضافة إلى ذلك كان صالح يشترط للقبول بإعلان التشكيلة الرسمية لحكومتهم، أن يخلي الحوثيون جميع المؤسسات من اللجان الثورية بشكل كامل وعدم تدخلها في أعمال أي مؤسسة، وأن تكون جميع الإيرادات للبنك المركزي وعدم تدخل المشرفين في أي إيراد، وإجراءات الصرف من البنك بحسب النظام والقانون، وأن تكون القيادات السيادية وخاصة العسكرية منها تحت قيادة منتسبيها حسب الكفاءة والنظام المعمول به في المؤسسة العسكرية والأمنية، إلا أن ذلك لم يتم حتى لحظة كتابة هذا الموضوع.
كانت هناك مؤشرات كثيرة خلال الفترة الماضية بانفجار الوضع عسكريًا بين الحليفين، إلا أن صالح عمل على ترميم الخلاف بينهما لعلمه أن أي خلاف سيكون على حسابه الخاص أكثر من الحوثيين أنفسهم، ويعني أيضًا الهزيمة والانتصار للتحالف العربي ومن بعدها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي
عمل مشرف اللجان الثورية محمد علي الحوثي على ملاحقة أنصار صالح إما برفع دعاوى قضائية ضدهم، أو تهديدهم المسلح بشكل علني، إضافة إلى عملية منظمة لإقصاء الكوادر ذات الكفاءة من المؤسسات الشرطية والعسكرية، ويعمل على ترقية أنصاره بعيدًا عن اللوائح والقوانين إلى لواءات وعمداء ويتم تعيينهم في مواقع عسكرية عليا ويستبدلهم بشخصيات موالية للرئيس اليمني السابق.
وهنا على سبيل المثال، فقد اشتكي في صفحته على الفيس بوك قبل أن يضطر لحذفها، وليد الخيل ضابط الأمن القومي (المخابرات) والمقرب من صالح من فصل الحوثيين له تعسفيًا، وطالبوه بتسليم جميع العهد التي عليه.
وعمل الحوثيون أيضًا على استغلال تقلدهم لحقيبة التربية والتعليم، في تغيير المناهج التعليمية وفقًا لمعتقداتهم، مخالفين بذلك للاتفاق بينهم وبين صالح بعدم المساس بالمناهج أو غرس مفاهيم عقائدية أو طائفية لدى أجيال اليمن، إلا أنهم ماضون في ذلك.
أما بالنسبة للإعلام الرسمي هو الآخر، وهو الحقيبة المهمة، لا يبدو أن أحمد محمد حامد وزير الإعلام والمنتمي للحوثيين يعمل وفقًا للاتفاق، فالإعلام الرسمي يتجاهل خُطب صالح، إضافة إلى الندوات التي ينظمها حزب المؤتمر الشعبي العام، وإن ذكره لا يتعدى ذلك السطر أو الخبر الهامشي، على عكس تغطية أخبار زعيم الحوثيين أو رئيس المجلس السياسي الأعلى أو الوزراء المنتميين للحوثيين التي يخصص لها مساحات كبيرة في الإعلام الرسمي.
محمد علي الحوثي يغرد خارج السرب ويشرف على تخريج دفعات عسكرية بعيدة عن إشراف المؤسسة العسكرية للحكومة المتفق بين تحالف الحوثي وصالح، إضافة إلى أنه ما زال يعمل على توظيف وفصل من يريد خارج الأطر القانونية.
مستقبل تحالف الحوثي/ صالح
التصرفات التي يقوم بها الحوثيون تنم عن عدم خبرتهم السياسية، وتثبت أنهم غير واثقين بصالح والذي يبادلهم أيضًا نفس الإحساس، لعدم الوفاء باتفاقيتهم، وهو ما يؤشر إلى أن التحالف القائم بينهم هو للضرورة، وسينتهي حال انتهاء الحرب، وربما يعمل الحوثيون على نقضه خلال الفترة المقبلة إذا وجدوا فرصة سانحة لهم عبر الحوار المباشر مع السعودية مثلاَ أو حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي على عكس صالح الذي قدمت له إغراءات كبيرة لنقض التحالف بينهما، وإن أعيدت بجدية ربما يقبل قلب الطاولة على الحوثيين حال استمروا على نهجهم الحالي.
عمل الحوثيون أيضًا على استغلال تقلدهم لحقيبة التربية والتعليم، في تغيير المناهج التعليمية وفقًا لمعتقداتهم، مخالفين بذلك للاتفاق بينهم وبين صالح بعدم المساس بالمناهج أو غرس مفاهيم عقائدية أو طائفية لدى أجيال اليمن، إلا أنهم ماضون في ذلك
كانت هناك مؤشرات كثيرة خلال الفترة الماضية بانفجار الوضع عسكريًا بين الحليفين، إلا أن صالح عمل على ترميم الخلاف بينهما لعلمه أن أي خلاف سيكون على حسابه الخاص أكثر من الحوثيين أنفسهم، ويعني أيضًا الهزيمة والانتصار للتحالف العربي ومن بعدها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
لكنه من الفينة والأخرى يرسل برسائل موجهة إلى من يعتبرهم “مؤججي” الصراع بينهم، أحيانًا تكون رسائل سياسية عبر منصات الإعلام المختلفة، وأخرى عبر انسحاب تكتيكي من بعض الجبهات كتعز ونهم وميدي، والحوثيون يدركون أنهم دونه زائلون وخاسرون، وعلى الرغم من ذلك لا يفون بالتزاماتهم، وهو ما يؤشر إلى أن التحالف القائم بينهما للضرورة فقط وفقًا للواقع الحالي.
عدم التزام الحوثيين بالإفراج عن رواتب موظفي الدولة أو للمحافظات التي يسيطرون عليها أيضًا يثير غضب صالح، ويوضح ذلك تهديد البرلمان اليمني (غالبية أعضائه من حزب صالح) بسحب الثقة من الحكومة.
لكن التحالف العسكري يزداد تماسكًا على قاعدة الإحساس بالخطر المشترك والاستمرار، ومن الملاحظ من خطابات صالح والأعداد المتزايدة للقتلى من الحرس الجمهوري في الجبهات أنه يرمي حاليًا بكل ثقله في المعركة خاصة الحدود وجبهة المخا وكلما سقط قتلى زادت الاندفاعة والحشد، وهو ما يشير أيضًا إلى الاعتماد الكلي على القوات الموالية له فقط، لكن من الملاحظ أن مقاتلي الحوثي مكتفيين بتنظيم الحياة المدنية فقط والحرب الداخلية، وفي كل الأحوال فإن هذا التحالف مؤقت وتحالف ضرورة ومرهون باستمرار الحرب.
وقع صالح والحوثيون في الـ28 من يوليو 2016، ما أسمياه “الاتفاق الوطني السياسي”، الذي بموجبه تم تحديد مسؤولية قيادة البلاد وتسيير أعمال الدولة وفقًا للدستور الدائم للجمهورية اليمنية والقوانين النافذة حسب البيان الصادر عن الجانبين
دور إيران
تعتبر إيران من الدول التي تستغل الأحداث في المنطقة العربية، ودائمًا تأتي الرياح بما تشتهيه سفنها، فهي لم تكن تتوقع أن يأتي يومًا ويكون صالح سندًا ودعامة رئيسية ومهمة في الحفاظ على قوة الحوثيين وتماسكهم طيلة فترات الحرب، فهي تعمل وفقًا للضرورة وتؤيد أن يبقى الحلف بينهما بما يخدم مصالحها في المنطقة.
ولأن إيران تخوض في الوقت الحالي معركة رمزية مع دول الخليج، فإنها ستسعى لفرض نفسها خلال الفترة القادمة من خلال هذا التحالف، لكونها تعتبره ورقة رابحة لها في تلك المعركة، وهي ورقة لا يمكن أن تعوض بثمن.
الحفاظ على هذا التحالف يهم إيران ويصب في مصلحتها في ظل تأزم علاقتها الحالية مع إدارة ترامب، لأنها ربما تسعى خلال الفترة المقبلة بما تسميها “تفويت الفرصة” على الرئيس الأمريكي الجديد بخلق تفاهمات مباشرة مع دول الخليج وتقديم تنازلات في الملف اليمني، ولكن دون التفريط بمصالحها المستقبلية، وهذا ما بدأ يلوح في الأفق من خلال الوفد الإيراني الذي يزور المملكة العربية السعودية وظاهره الحج وباطنه مباحثات في العمق، إضافة لتحركها إلى عمان والكويت، ويقابله جهود تبذلها الدولتان “الكويت وعمان” لتحقيق تفاهمات إيرانية خليجية.