قبل عامين من الآن في نفس اليوم الذي ولدت فيه، عاهدت نفسي أمام مجموعة من صديقاتي المقربات في حفلة يوم ميلادي أن أخصص ذلك العام لحلمي فقط كصانعة أفلام، عاهدت نفسي أن يكون كل فعل وعمل أقوم به خلال ذلك العام لحلمي، وإن لم ألتزم أو أحقق أي إنجاز في نفس اليوم بعد عام سوف أنسى الموضوع تمامًا وسأعمل في أي وظيفة ثانية مهما كانت، وكنت جادة ومصممة على ذلك!
قلت ماذا ينقصني إن وضعت هدفًا وخطة وجزأتها سأحقق هدفي، تأثرت ببوست لأحد المؤثرين: فقط خصص لحلمك 6 شهور فقط، سيتحول مسارك، وتأثرت بقصة لشاب كيف بدأ كمصمم مواقع وقصته مع أول زبون وكيف قبل العرض منه وتفاوض معه وهو في سنته الدراسية الأولى أي أنه لا يعلم شيئًا عما هو مُقدم عليه، وكيف جعل من هذا الأمر تحديًا وأداة للتعلم والخبرة في نفس الوقت وفي النهاية نجح، وأنا أيضًا لماذا لا أجرب؟ لماذا أعمل على مشاريع الآخرين وخططهم ولا أعمل على حلمي وأحوله لخطة وأهداف؟!
كان شعاري “ما تضل تشكي وتبكي وتلعن الظروف وتكتفي بالبرم وصف حلمك وتتفرج”، أنا بدي كذا وكذا ولكن ظروف البلد خنقة ومجال دراستي مختلف! لم أعتد الشكوى والبكاء اشتغل واتحرك وابدأ واستعن بالله.
بالتأكيد ليست بالتجربة المثالية أو مجموعة النصائح التنظيرية وما إلى ذلك، هي أقرب لتدوينة خاصة ولكنني أود أن أشارككم بها
ماذا فعلت؟! هي بالتأكيد ليست بالتجربة المثالية أو مجموعة النصائح التنظيرية وما إلى ذلك، هي أقرب لتدوينة خاصة ولكنني أود أن أشارككم بها، وأعتذر لكم مسبقًا على الإطالة.
حددت هدفًا معينًا (صانعة أفلام)، هذا الحلم الذي سكنني وعذبني وألمني بقائه حبيسًا في داخلي، تخرجت في الجامعة وعملت وتطوعت وأنجزت ولكنني على الدوام كنت أشعر بفراغ كبير في قلبي، كنت أعلم السبب فقررت أن أجرب ملء الفراغ!
نظمت وقتي وبدأت وبرأسي الكثير من الأسئلة وفوضى الأفكار بل جنونها، دونتها وبحثت وتعمقت بالشبكة العنكبوتية والمدونات والمواقع الخاصة وقنوات اليوتيوب ومواقع التعليم الأوف لاين، فقط عن الإجابات، كانت رحلة استكشافية!
غيرت قوائم أصدقائي على الفيس بوك ممن تربطني بهم علاقة العمل رغم انزعاجي لهذه الخطوة، وأضفت أشخاصًا من نفس البيئة وتابعتهم وجدولت منشوراتهم في قوائم خاصة ورحت أتابعهم بنهم وباستمرار.
ابتعدت عن الأصدقاء السلبيين الذين يندبون دائمًا حظهم ووقوعهم في ظرف كظرف غزة حيث البطالة والفساد والواسطة والاحتلال والحصار، اعتزلتهم وكنت أعتذر عن أي مناسبة قد تجمعني بهم لوقت طويل واقتربت من أولئك الذين يعرفون دورهم بالحياة وهم قلة، وتعلمت وتدربت على كلمة “لا” فبعضنا لا يستطيع قولها للآخرين.
هناك تحدٍ كبير لدي كان اسمه “دار الأرقم” وهو باختصار كالبيات الشتوي، كنت أعمل وأدرس وأكتب بعض المقالات والتدوينات وأبحث وأتابع وأناقش بصمت دون أن أخبر أحدًا، دائمًا ما كان لقصة دار الأرقم مع الرسول وصحابته رضوان الله عليهم أثر في نفسي، فكنت أراها خطوة في غاية الذكاء والحكمة، فأردت أن أقلدها أو أحصل على نتائج مشابهة، ربما حين خرجوا أكثر تمكينًا وقوة.
كنت أتجنب أغلب المشتتات والمعارك الجانبية والصراعات ولا أناقش المواضيع قليلة الشأن، قرأت الروايات والكتب، كانوا يساعدونني كثيرًا على ترتيب أفكاري والتقليل من ضجيج الأفكار في رأسي، كنت إذا قرأت في كتاب هدأت وسكنت ونسيت كل مشاكل الأرق وأستمتع، كانت كرحلة استجمام.
ملأت أوقات فراغي الخاصة بأشياء وأعمال محببة إلى قلبي لتمدني بالطاقة، فطاقة الحب هائلة جبارة فوق أي تصور تعطيك روحًا جديدة ومتعة وسعادة
كنت دائما أخشى من كلمة عاطفية أو من صدور هذا اللقب عليّ وذلك لارتباطه بالضعف في ذهني في بيئة عمل كالتي كنت أعمل بها وأخفيها ما استطعت بالحزم والدقة والوضوح والصرامة إن لزم الأمر، علمت أهمية العاطفة في الوصول للحلم، قلت إنني أحب ما أريد وهذا ما يضمن لي الوصول، فملأت قلبي بحلمي وبت أحلم وأحلم به بل أتنفسه.
احتفظت دائمًا بمفكرة صغيرة بقربي لكتابة أي فكرة تخطر ببالي، في العمل في السيارة، في البيت، في الشارع، لاحقًا استبدلتها بتطبيق نوت على هاتفي، وكنت كلما لمعت فكرة فيلم أو سمعت قصة أو تخيلت مشهدًا أو لقطة أدونها على هاتفي بسرعة مهما كنت أفعل! بعد فترة بدأ من حولي يعتاد ولعلي كنت سيئة هنا فلم أكن أبالي بما يظن أو هل انزعج أم لا، فكل ما كان يدور في رأسي هو أن أدون هذه الجوهرة قبل أن أنسى، لاحقًا ستكتشف ثراء هذا المخزون وفائدته.
شاهدت عددًا من الأفلام كما لم أشاهد من قبل، وكنت أبحث وأحلل وأستمع لبعض الأشخاص عن تحليلاتهم وخبراتهم وأتتبع أعمالهم.
وضعت خطة لعدد من الدورات على الإنترنت بهذا المجال، والتزمت بها على عدد من المواقع منها رواق وإدراك، أذكر حينها أنني كنت أعمل في النهار، وليلاً كنت أدرس حتى ساعات الفجر وأستيقظ بكل نشاط وأذهب لعملي، وكلما تعمقت عرفت عن ماذا أبحث وكيف أصل لأدق الأمور، وعندما أحرز تقدمًا أكافئ نفسي بطريقة ما، أذكر وقتها تعليقات أختي الصغرى المضحكة، فكانت تنهض بصعوبة لمحاضرات الجامعة المبكرة.
كنت أعلم أنني إن تحدثت سأفتر فربما خدعتني قواي واكتفت هنا وفشلت في تحدي السنة الذي قطعته على نفسي، كان مؤلمْ جدًا كقيد خانق مَنعُ نفسي
صمت وعملت لدرجة أن منعت نفسي عن مشاركة حلمي مع أكثر شخص مقرب ليّ عندما سألني عن حلمي، كنت أعلم أنني إن تحدثت سأفتر فربما خدعتني قواي واكتفت هنا وفشلت في تحدي السنة الذي قطعته على نفسي، كان مؤلمْ جدًا كقيد خانق مَنعُ نفسي من سيل من الكلام الذي لا ينتهي.
بعد أربعة أشهر ربما اتسعت دائرتي قليلاً بالمعرفة والمهارة والعلاقات وبدأت أتطور في كل واحد منها، وصدقًا إن بدأت ومشيت يسر الله لك الأسباب، وكنت مصدقة بقانون الجذب وبدأت أتابع هذه الأشياء حتى قادتني تغريدة على تويتر للكتابة عن تجربتي مع بعض الأفلام والتي أضافت لي تجربة جديدة.
بعد نصف المدة تقريبًا بدأت أبحث عن الجانب العملي والتطبيقي وورش العمل وعروض الأفلام والدورات التدريبية على أيدي متخصصين في المجال وأتابعها وألتحق بها، وقعت في غرام التكوين والصور وزوايا الكاميرا وحركتها والألوان وكيفية رواية القصص، أذكر أن أحدهم مرة سألني “ليش بدك تتخصصي بهذا المجال؟” أجبت: “بدي أكون سعيدة، كل شي بتعلق بهادا المجال بخليني سعيدة وأنا بدي أعيش سعيدة”.
لم أغب عن حضور أي فعالية خاصة بالأفلام والسينما في غزة، كنت دائمًا حاضرة ومتفرجة، لم أحب الظهور، علمت أن المهارة والمعرفة هي من ستتكلم عني يومًا وستظهرني، استكشفت البيئة السينمائية والأفلام والأشخاص العاملين وأهم النوافذ والفرص الحالية أو القادمة في البلد وتابعت نسبة جيدة من أعمالهم الحديثة وبحثت بعمق وتواصلت مع بعضهم واستشرتهم وطلبت النصح ممن أحببت أعمالهم، فهم مرحبون، ولكن لم أسمح لهذه النصائح أن تقولبني أو تملي عليّ مساري.
انتهى العام الأول..
ووقفت مرة أخرى على نفس التاريخ ونظرت أين وصلت والسبيل وقيّمت الخطة وماذا أنجزت، بفضل من الله فقط ورحمة منه ومنة أنجزت ضعف ما كنت وضعت بالخطة وحققت أهدافًا أكبر، كنت سعيدة جدًا، لم يكن الأمر بالصعب أو المستحيل كما كنت أظن وأنها كارثة الكون الكبرى وأكبر المشاكل التي خلقها الله، كان الأمر سهلاً وممتعًا وجميلاً، كنت خائفة قلقة، وأول شيء تحديته خوفي من شكلي، كيف سأبدو بوهن البداياتّ تبًا ألا نؤجر على الشوكة نشاكها؟
ثم أكلمتْ بشيء من الجنون والجرأة أيضًا في العام اللاحق، فقد كان قاسيًا ومؤلمًا على عائلتي، مرضت أختي وطفلتها وكادت تفارق الحياة نتيجة خطأ طبي، وتوفي أحد أحفادنا وكانت أمي مسافرة، كانت فترة قاسية مفجعة، ولكن على عكس ما كنت أتوقع هذه الظروف رتبت أفكاري ومعتقداتي وإيماني تجاه الحياة والموت والعبادة والعمل!
تركت عمل كنت أقوم به كان يأخذ كل وقتي والتحقت بآخر أقل أجرًا، ولكن بوقت أقل يعطيني مساحة أكبر من الوقت، لاحقًا اشتريت كاميرا وبدأت بالتدرب على التصوير وتجربة اللقطات وحركات الكاميرا والمونتاج، وتعلمت كتابة السيناريو وشاركت بورش عمل ودورات مختلفة وخضت عددًا من التجارب مع أصدقاء في صناعة الأفلام القصيرة الوثائقية.
اليوم وبعد سنتين من نفس التاريخ لدي سيناريو فيلم روائي طويل مسجل بوزارة الثقافة، وفيلم قصير(مرجيحة)، وحاليًا أقوم بتصوير فيلم وثائقي جديد مع أصدقاء.
لا أعرف أين سأمضي بعد هذه اللحظة ولكن الأكيد أنني سأمضي ما استطعت سبيلاً، فقد حاولت السفر عدة مرات للالتحاق بعدد من التدريبات والمنح وفشلت بالحصول على تصاريح، أو قتلتنا وأحلامنا الحواجز والمعابر!
أجمل ما آمنت به وصدقته أن الأمر ليس بالوصول بل بالسبيل، الاختبار في الطريق الذي تختاره هذا هو الامتحان
أجمل ما آمنت به وصدقته أن الأمر ليس بالوصول بل بالسبيل، الاختبار في الطريق الذي تختاره هذا هو الامتحان، وكنت كلما ضعفت وتعبتْ لجأت للمدعمات ( “أنا عند ظن عبدي بي، “لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها”، “يودع الله الأحلام فيك”، ومقولة مارتن لوثر I have a dream) كنت كلما تعبت قلت أنا لدي حلم بنفعش ألعب! عليكم اختيار بعضها ووضعها حولكم على الحائط على كتابك على هاتفك أماكن ترونها كثيرًا.
بالتأكيد لم يكن عامًا ورديًا، فقد كنت أقف وحدي تقريبًا إلا من بعض الأصدقاء الذين ساعدوني وساندوني، آمن بالله واسع واربط حلمك بهدفك الأكبر الوصول لرضى الله وطاعته، انو واعمل وإن لم تصل فقد فزت بالنية وأجر العمل وتقرب إلى الله متضرعًا مستغفرًا وهذا ما أذكر به نفسي، لا تلتفت للمتشدقين كثيري الكلام أو كما نسميهم أبطال الديجيتال والفيس بوك، (اسجد واقترب) دعوة للعمل فالعمل عبادة وهذا أهم شيء يمكنك أن تصل إليه، عملك عبادتك.
هذه التدوينة خاصة لكم، أكيدة بأن هناك مثلي كانوا حائرين بل خائفين، علها تكون سببًا في قتل خوفكم الداخلي وتحديه! فلا شيء صعب أو مستحيل! لا تحكم على أي أمر لا تعرفه، تعمق فيه وابحث ثم قرر هل ستكمل أم أنه لا يناسبك.
أكتب علّي أتشارك معكم ببعض القصص الخاصة تضيف إليّ وتعينني وأهتدي بها في الطريق الطويل، أكتب علّ فرصة آتية مقصودة من الله جذبتها هذه المقالة ترسو إليّ، حلمك يبدأ عندما تصدق أنت حالك.