يصدر العراق يوميًا نحو 3.6 ملايين برميل من النفط الخام وتعتمد الميزانية على إيرادات النفط بنسبة تفوق الـ90% وبعد هبوط أسعار النفط إلى دون 50 دولار للبرميل منتصف العام 2014 تأثرت الميزانية وسجلت البلاد عجز مالي قدر في العام الماضي 21 مليار دولار، وفي ظل ارتفاع فاتورة قتال تنظيم الدولة الإسلامية داعش وعدم الاستقرار الأمني والسياسي سبب شللًا في النشاطات الاقتصادية واستنزاف في موارد الدولة بدون فائدة مرجوة، فضلا عن الفساد المستشري في مؤسسات العراق والذي يلتهم إيرادات مبيعات النفط.
ولسد العجز الحكومي توجهت حكومة البلد الغني بالنفط للاقتراض من المؤسسات المالية الأجنبية وطرح سندات مالية وتعديل قوانين الاستثمار لجذب المستثمرين والدول للاستثمار في العراق وقد منحت الحكومة تسهيلات فوق القانون في بعض الأحيان لجذب بلدان مثل روسيا للاستثمار في العراق.
يريطانيا تُقرض العراق
وقعت كل من الحكومتين العراقية والبريطانية، أمس الأحد مذكرة تفاهم تقوم فيه بريطانيا بموجبها بمنح قرض بقيمة 10 مليارات جنيه استرليني أي ما يعادل أكثر من 12 مليار دولار لتمويل مشاريع في العراق.
وحسب تصريحات وزير المالية العراقي بالوكالة عبد الرزاق العيسى للأناضول إن “الحكومة ذاهبة باتجاه تنفيذ المشاريع الاستثمارية مع الشركاء الدوليين من الشركات الرصينة الخاصة وليست شركات حكومية”. وقال في المؤتمر الصحفي في بغداد الذيجمعه مع سفير بريطانيا في بغداد، أنه يمكن التعاقد فقط مع شركات بريطانية لتنفيذ المشروعات التي تمول من هذه القروض، مضيفًا أن سعر الفائدة سيتحدد عند الاتفاق على العقود.
وكان العراق خاض في يوليو/ تموز العام الماضي، جولة مفاوضات مع بريطانيا للحصول على موافقة إقراضه 10 مليارات جنيه استرليني، لدعم مشاريع البنى التحتية، وفي 26 يوليو/ تموز الماضي، قرر مجلس الوزراء العراقي الموافقة على السير في إجراءات اتفاقية القرض مع الحكومة البريطانية بذلك المبلغ. ويهدف القرض بشكل أساسي لتمويل مشروعات بنية تحتية تشمل المياه والصرف الصحي والكهرباء والرعاية الصحية والنقل خلال فترة تمتد لعشرة أعوام.
يعد توجه بريطانيا إلى العراق خيار آخر لحكومة ماي التي تسعى من خلاله لإيجاد أسواق بديلة وعقد شراكات تعوضها عمّا ستفقده بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي
ويُذكر أن هناك تركيز كبير من قبل الحكومة العراقية على استثمارات البنية التحتية التي تعرضت إلى دمار كبير خلال الفترة الماضية ابتداءًا من العام 2003 عام الغزو الأمريكي على العراق، وارتفعت وتيرتها خلال العامين الماضيين، مع ارتفاع نسق الحرب مع تنظيم داعش في أنحاء متفرقة من البلاد.
ولا يزال العراق يعاني من ضعف إمدادات الكهرباء والمياه ونقص في المدارس والمستشفيات بعد 14 عاما من الغزو الأمريكي، وتعاني المنشآت القائمة من الإهمال بسبب نقص الاستثمارات في هذا الجانب في الأعوام الماضية بالإضافة إلى إهمال الحكومة لتطوير تلك القطاعات للأسباب المذكورة آنفًا.
وأوضح الوزير العراقي أن “الأزمة المالية الحالية التي تعاني منها البلاد، دفعت الحكومة للتوجه نحو عقد شراكة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي، لإنجاز المشاريع الاستثمارية في بغداد والمحافظات التي توقفت بسبب الأزمة”.
وحول إيجاد بيئة مناسبة للاستثمار في مختلف القطاعات عملت وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي خلال الشهور الماضية على وضع آليات وأطر، تنظم الشراكة مع القطاع الخاص تمكنت من خلالها إيجاد بيئة ملائمة للاستثمار الحقيقي، وكشف المتحدث باسم الوزارة، عبد الزهرة الهنداوي، عن وجود “أكثر من 4 آلاف مشروع استثماري مستمر، بالإمكان أن يكون جزء منها مشاريع شراكة مستقبلية مع القطاع الخاص الأجنبي”.
وكانت الحكومة العرافية قبل ذلك قدمت تسهيلات وحوافز استثمارية كبيرة للشركات الروسية سواء الحكومية أو الخاصة، في مشروعات قطاعات الكهرباء والإسكان والنفط والبنى التحتية والنقل والصناعات الثقيلة، في نهج جديد اتبعته الحكومة لجذب الاستثمارات.
لا يزال العراق يعاني من ضعف إمدادات الكهرباء والمياه ونقص في المدارس والمستشفيات بعد 14 عاما من الغزو الأمريكي
علمًا أن التسهيلات قدمت بأمر من رئيس الوزراء حيدر العبادي، للشركات والمستثمرين الروس الراغبين في دخول العراق، من بينها إعفاؤهم من الضرائب وخصومات تصل إلى نحو 50% على الرسوم الجمركية المفروضة على دخول السلع والبضائع والمعدات، فضلاً عن إعفائهم من شروط تشغيل اليد العاملة العراقية.
وحول مدى الفائدة المرجوة من تلك الاستثمارات يرى مراقبون أنها تأتي في ظرف يمر العراق بمرحلة حاسمة قد تفتح الباب لإعادة الإعمار، وبريطانيا أرادت أن تحجز لها موطئ قدم في العراق إلى حين استقرار الظروف الأمنية، والمعروف أن شركات القطاع الخاص لا تدخل للعمل في بيئة استثمارية مضطربة وتشهد حروب وتفجيرات وما شابه، لذا من غير المستبعد أن تكون تلك الاستثمارات عبارة عن حبر على ورق حتى تأتي الفرصة السانحة التي تنفذ فيها وتكون بهذا ضمنت حصتها من الكعكة.
بريطانيا بعد بريكسيت
بعيدًا عن العراق وحاجتها للاستثمارات فهناك زاوية أخرى يمكن الخوض فيها وهي توجهات بريطانيا منفردة إلى الشرق الأوسط ما بعد البريكسيت، إذ لم تخفي رئيسة الوزراء البريطانية “تريزا ماي”، أثناء مشاركتها لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول في القمة الخليجية بالعاصمة البحرينية المنامة، أنها تهدف لتحضير البلاد لمرحلة ما بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.
فالمعلوم أن لندن، ستفقد امتيازات كثيرة عقب الخروج من الاتحاد الأوروبي، لطالما تمتعت بها في السوق الأوروبية المشتركة، وتمثل منطقة الخليج بثرائها النفطي، واحتياجاتها الأمنية والعسكرية المتزايدة أحد هذه الخيارات.
حجم التبادل التجاري بين الخليج وبريطانيا يبلغ نحو 22 مليار دولار سنويًا
وفي هذا الجانب، أشارت “ماي” وقتها، أن “دول الخليج تعد أكبر مستثمر في بريطانيا، وثاني أكبر سوق تصدير لدينا، خارج أوروبا، وأعتقد أن هناك إمكانية كبيرة لتوسيع هذه العلاقة في السنوات المقبلة”.
حيث بلغت الصادرات البريطانية إلى دول الخليج في 2014 نحو 13.6 مليار جنيه استرليني (نحو 16.5 مليار دولار)، وتبلغ قيمة الاستثمارات الخليجية في بريطانيا 200 مليار دولار، حصة العقارات منها 45 ملياراً، ما يمثل 40% من الاستثمارات الخليجية في العقارات بأوروبا.
وتقول الحكومة البريطانية إن هناك فرصًا تقدر قيمتها بـ30 مليار جنيه إسترليني للشركات البريطانية للاستثمار في 15 مجالاً مختلفًا في الخليج، خلال السنوات الخمسة المقبلة، وتظهر الأرقام أن حجم التبادل التجاري بين الخليج وبريطانيا يبلغ نحو 22 مليار دولار سنويًا، حيث تعتمد بريطانيا على الخليج في استيراد حاجاتها النفطية والغاز الطبيعي، فضلا عن الاستثمارات الخليجية في بريطانيا والتي لها وزنها في المملكة المتحدة.
ويعد توجه بريطانيا إلى العراق خيار آخر لحكومة ماي التي تسعى من خلاله لإيجاد أسواق بديلة وعقد شراكات تعوضها عمّا ستفقده بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، ومن جهة أخرى ضمان حصتها من الاستثمارات في مرحلة إعادة الإعمار التي تقترب العراق منها يومًا بعد آخر مع اقتراب القضاء على داعش في مدينة الموصل.