لا يزال الفلسطينيون يدفعون حياتهم الغالية ثمنًا رخيصًا للتنسيق الأمني المستمر بين أجهزة السلطة الأمنية والجيش الإسرائيلي، فما جرى فجر اليوم (الإثنين) من اغتيال جيش الاحتلال للمقاوم الفلسطيني باسل الأعرج 33 عامًا، وسط مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، مجرد فاتورة جديدة تدفع لسجل مقاومة المحتل.
الشهيد الأعرج الذي كان وحيدًا يقاتل ويدافع عن نفسه وشرف أرضه ووطنه، رفض الاستسلام لأكثر من 50 جنديًا إسرائيليًا حاصروا بيته وأصر على مقاومتهم لأكثر من ساعتين حتى آخر رصاصة في جعبته قبل إعدامه، سطرت دماؤه الذكية عنوانًا جديدًا لنصر وصمود الفلسطينيين.
بقدر أن هذه الدماء التي سالت للدفاع عن فلسطين ستكون شرفًا لأهله وشعبه ووطنه، لكنها هذه المرة ستكون وصمه عار على جبين السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، التي تتباهى بقدسية التنسيق الأمني مع إسرائيل الذي أطعم منه الفلسطينيين مرارة من الحسرة والألم والخيانة.
شهادة الشجعان
ففجر هذا اليوم، ارتقى الشهيد باسل الأعرج بعد اشتباك مسلح مع قوة إسرائيلية خاصة اقتحمت منزلاً مهجورًا كان يتحصن به، ليطوي باستشهاده مسيرة مطاردة امتدت لنحو 7 شهور، بعد إطلاق سراحه من سجون مخابرات السلطة.
الشهيد باسل الأعرج هو خريج تخصص الصيدلة من الجامعات المصرية، وعمل في مجاله قرب القدس، وكان ناشطًا جماهيريًا تصدر المظاهرات الشعبية الداعمة لمقاطعة الاحتلال
تعود قصة الأعرج المطلوب لقوات الاحتلال الإسرائيلي عقب اختفائه قبل نحو عام، وتحديدًا في 30 من آذار الماضي، مع شابين آخرين هما محمد حرب وهيثم السياج، ليُعلن في وقت لاحق، وتحديدًا في 9 من نيسان 2016 أن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة اعتقلتهم في قرية عارورة شمال رام الله، بعد اعتقال 3 آخرين والتحقيق معهم، ليتعرض الشبان الست منذ اعتقالهم لتحقيق قاس من عناصر جهاز المخابرات، الذين تناوبوا على التنكيل بهم وتعذيبهم خلال التحقيق.
واتُّهِم الشبان المعتقلون حينها بالنية والإعداد لتنفيذ عمليات فدائية ضد قوات الاحتلال، واستمرت عملية توقيف الشبان الست 5 شهور دون محاكمة، خاضوا خلالها الإضراب عن الطعام لمدة شهر، قبل أن يتم نقلهم إلى سجن أريحا، ويتعرضون هناك لتعذيب شديد.
وفي التاسع من أيلول، قرر أمن السلطة الإفراج عن الشبان، ومن بينهم الأعرج، على إثر ضغوطات شعبية وحقوقية، ليعتقل الاحتلال، بعد ذلك بأسابيع، أصدقاء الأعرج، ويغدو هو مطاردًا، حيث اقتحم الاحتلال منزل عائلته مرات عدة، وسلمه بلاغات لتسليم نفسه.
وكانت قوات الاحتلال تداهم بشكل شبه يومي منزل الأعرج في محاولة لاعتقاله دون جدوى، فيما عائلته تشير إلى انقطاع جميع الأخبار عنه منذ إطلاق سراحه من سجون السلطة الفلسطينية، وسط سلسلة استدعاءات لهم للضغط عليهم.
الشهيد باسل معروف بثقافته الواسعة، وحفظه لتاريخ فلسطين عن ظهر قلب، ولديه العديد من الدراسات والأبحاث المميزة في مجال الثورة الفلسطينية، وهو أحد الشباب الناشطين والبارزين في مدينته، وكان دائم الحضور في كل المناسبات الوطنية والثقافية والتاريخية.
ما زال رواد مواقع التواصل الاجتماعي يتفاعلون مع حادثة استشهاد الشاب باسل الأعرج، وغرد النشطاء على وسم #الثائر_باسل، معبرين عن فرحهم واعتزازهم بالشهيد الأعرج الذي يمثل قصة مثقف كافح عنجهية الاحتلال
ويلات التنسيق الأمني.. والغضب الفلسطيني
الفصائل الفلسطينية انتفضت ضد جريمة اغتيال الشهيد الأعرج، واتهمت السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية بالضلوع في تسهيل عملية اغتياله، خاصة بعدما كشفت عنه صحيفة “معاريف” العبرية، بأن “السلطة ساعدت في البحث عن الأعرج منذ اختفائه قبل أشهر”.
حركة حماس اعتبرت استشهاد المقاوم الأعرج، واحدة من حلقات انتفاض شعبنا في الضفة الغربية ضد الاحتلال الإسرائيلي، واستمرار لحالة التمرد على المستعمر للأرض والمقدسات، وقال حازم قاسم المتحدث باسم حماس: “الفعل الاستشهادي للشهيد الأعرج ، يثبت مرة أخرى أن انتفاضة القدس قرار فلسطيني نهائي بالحصول على الحرية، وأن الشباب الفلسطيني على استعداد لدفع ثمن الحرية من دمهم الطاهر”.
وأضاف: “مطلوب من كل مكونات شعبنا الانخراط في الفعل المقاوم لانتفاضة القدس، وعلى السلطة وقف سياسة الاعتقال السياسي، والتنسيق الأمني الذي يعرقل حالة النضال الفلسطينية، كما فعلت حينما اعتقلت سابقًا الشهيد الأعرج”.
وشدد قائلاً: “شعبنا سيبقى ثائرًا في وجه الاحتلال، ولن يلتفت لمحاولات تبهيت القضية التي تمارسها قيادة السلطة، وسيواصل سيره في مشوار تحرير الإنسان والمقدسات والأرض الفلسطينية الكاملة”.
في حين أكد خضر عدنان القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، أن الشهيد باسل الأعرج، يعد مقاومًا استثنائيًا مَثَل بهمته كل شاب فلسطيني يتطلع لزوال الاحتلال الإسرائيلي عن أرضنا ومقدساتنا.
وأوضح عدنان، عقب اغتيال قوات الاحتلال للشهيد الأعرج، أن الشهيد مَثَل بمطاردته وإخوانه السعي للفعل المقاوم المؤلم للاحتلال.
الشهيد الأعرج الذي كان وحيدًا يقاتل ويدافع عن نفسه وشرف أرضه ووطنه، رفض الاستسلام لأكثر من 50 جنديًا إسرائيليًا حاصروا بيته وأصر على مقاومتهم لأكثر من ساعتين حتى آخر رصاصة في جعبته قبل إعدامه
كما مثل، وفقًا لعدنان، بمظلوميته معتقلًا في سجون السلطة مظلومية الآلاف الذين اعتقلوا ويعتقلون على يد أبناء جلدتنا وصفع بدمه المسفوح في رام الله زيف التسوية، مشيرًا إلى أن الأعرج أَكرم شعبنا بأكمله كيف يكون نزال المحتل دون إسقاط الراية مقاومًا حتى الرمق الأخير شهيدًا مع سبق الإصرار.
وقال: “سيدي باسل كيف أنساك يوم أدموك بعصي تنسيقهم المقدس في رام الله، وأطلقوا ألسنتهم المسمومة تشويهًا في 2012، وهنيئًا لك الشهادة على يد عدونا أيضًا في رام الله بدمك الزكي مضرجًا مقبلًا غير مدبر، عل من ضربوك وطاردوك واعتقلوك فيها يصحون من سكرتهم”.
ما زال رواد مواقع التواصل الاجتماعي يتفاعلون مع حادثة استشهاد الشاب باسل الأعرج، وغرد النشطاء على وسم #الثائر_باسل، معبرين عن فرحهم واعتزازهم بالشهيد الأعرج الذي يمثل قصة مثقف كافح عنجهية الاحتلال، حتى أثبت للعالم أجمع بأن الشعب الفلسطيني كله يقف خلف برنامج المقاومة.
ونبه المشاركون في الهاشتاغ إلى أن الشهيد ثائر الأعرج له من اسمه نصيب، حيث إنه ثائر ضد عنجهية الاحتلال الصهيوني، منبهين إلى أن الشهيد باسل معروف بثقافته الواسعة، وحفظه لتاريخ فلسطين عن ظهر قلب، ولديه العديد من الدراسات والأبحاث المميزة في مجال الثورة الفلسطينية، وهو أحد النشطاء الشباب البارزين على مستوى فلسطين وكان دائم الحضور في كل المناسبات الوطنية والثقافية والتاريخية.
واستعرض هؤلاء فيديوهات للشهيد الأعرج وهو يتحدث عن جدوى المقاومة المسلحة ضد الاحتلال الصهيوني وضرورة التصدي للاعتداءات الصهيونية ضد الفلسطينيين.
ورفع المشاركون بالهاشتاج عشرات الصور والفيديوهات عن حياة الشهيد وكيفية استشهاده، معبرين في الوقت ذاته عن غضبهم الشديد من اختفاء الأجهزة الأمنية التابعة لسلطة رام الله خلال استشهاد الأعرج.
وصية قبل الشهادة
“نون بوست” ينشر وصية الشهيد باسل الأعرج كما وجدتها عائلته في مكان استشهاده.
تحية العروبة والوطن والتحرير.
أما بعد ..
“إذا كنت تقرأ هذا فهذا يعني أنني قد مت وقد صعدت الروح إلى خالقها وأدعو الله أن ألاقيه بقلب سليم مقبل غير مدبر بإخلاص بلا ذرة رياء.
كم من الصعب أن تكتب وصيتك، ومنذ سنتين انقضت وأنا أتأمل وصايا الشهداء، لطالما جذبتني هذه الوصايا، مختصرة سريعة مختزلة فاقدة للبلاغة ولا تشفي غليلنا في البحث عن أسئلة الشهادة، وأنا الآن أسير إلى حتفي راضيًا مقتنعًا وجدت أجوبتي.
كان من المفترض أن أكتب هذا قبل شهور، لكن ما أقعدني عن هذا أن هذا سؤالكم أنتم الأحياء فلماذا أجيب أنا عنكم، فلتبحثوا أنتم.
أما نحن أهل القبور فلا نبحث إلا عن رحمة الله.
من هو الشهيد الأعرج؟
الشهيد باسل الأعرج هو خريج تخصص الصيدلة من الجامعات المصرية، وعمل في مجاله قرب القدس، وكان ناشطًا جماهيريًا تصدر المظاهرات الشعبية الداعمة لمقاطعة الاحتلال، ومن أبرزها الاحتجاجات على زيارة وزير الإرهاب الاحتلال السابق شاؤول موفاز عام 2012، حيث تعرض للضرب من أمن السلطة وأصيب على إثرها بجراح.
ارتقى الشهيد باسل الأعرج بعد اشتباك مسلح مع قوة إسرائيلية خاصة اقتحمت منزلاً مهجورًا كان يتحصن به، ليطوي باستشهاده مسيرة مطاردة امتدت لنحو 7 شهور، بعد إطلاق سراحه من سجون مخابرات السلطة
واشتهر الأعرج بمقالاته العميقة الداعمة للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي والداعية لمقاطعة جميع أشكال الحياة معه في فلسطين وخارجها.
وعمل الأعرج في مشروع لتوثيق أهم مراحل الثورة الفلسطينية منذ ثلاثينيات القرن الماضي ضد الاحتلال البريطاني، وصولاً للاحتلال الصهيوني وذلك من خلال تنظيم رحلات ميدانية لمجموعات شبابية متنوعة للتعريف بها على أرض الواقع.
ومن أهم التدوينات المسجلة للأعرج حديثه عن حرب العصابات بوصفها “قاطع طرق بمشروع سياسي، إضافة للمراحل التي مرت بها ثورة 1936، وفي كتيبة الجيش العراقي التي قاتلت في فلسطين عام 1948، ونموذج ريف مدينة جنين في المقاومة قديمًا وحديثًا، وأهم عمليات المقاومة الحديثة عام 2002 في وادي النصارى بمدينة الخليل”.
الثقافة الواسعة التي يتمتع بها الأعرج صقلت شخصيته في مخاطبة الشبان والحديث معهم في القضايا الوطنية الفلسطينية كما يقول أصدقاؤه.