ترجمة وتحرير نون بوست
خدمت الحرب السورية، الممتدة منذ ستة سنوات، مصلحة نخبة سياسية واقتصادية جديدة في البلاد، استغلت الفراغ الذي تركته النخبة السابقة، التي كان يتزعمها آل الأسد، حتى تبرز في الساحة السورية عوضا عنها. في الحقيقة، يطلق على هذه النخبة الصاعدة الجديدة اسم “أثرياء الحرب”، وقد أصبحت أحد أهم ركائز اقتصاد البلاد، خصوصا وأن هذه الطبقة نجحت في التحايل على العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا من قبل الأمريكيين والأوروبيين. وبذلك، قدمت هذه الطبقة نفسها كمزاحم للنخب التقليدية المؤيدة لعائلة الأسد.
وفي الإطار ذاته، صرح علي، وهو رجل أعمال سني سوري، “في دمشق، نطلق على هذه النخبة اسم “القادمون الجدد”، وهم عبارة عن بضع عشرات من التجار لم يكونوا معروفين في سوريا قبل الحرب…ولكنهم اليوم يعتبرون من أصحاب الثروات المالية الطائلة التي تقدر بمئات الملايين من الدولارات”. وأشار علي، باحتراز، إلى أن هذه النخب تطمح لأن تحكم سيطرتها على الساحة الاقتصادية والقرارات المتعلقة بهذا المجال في بلد مزقته الحرب على امتداد ستة سنوات متتالية، ومني بخسائر كبيرة في الأرواح تتجاوز سقف 300 ألف قتيل.
ستدخل الحرب السورية مع شروق شمس يوم 15 آذار/مارس القادم، سنتها السابعة، في ظل وفاة قرابة 310 آلاف قتيل، إضافة إلى ملايين اللاجئين
من جانب آخر، استثمرت هذه النخبة الصاعدة في مجال أسواق الاستيراد، علما وأن هذا المجال يخضع لرقابة الدولة السورية. علاوة على ذلك، تساهم هذه النخبة، في الوقت الحاضر، في تزويد البلاد بالمنتجات الزراعية والبترولية المستوردة أساسا من كل من روسيا والعراق وإيران. وفي هذا الصدد، أفاد الصحفي السوري المختص في الأخبار الاقتصادية، جهاد يازجي، أن “الحرب دمرت قطاع العقارات وجمدت الاستثمارات العامة، ولم يبق سوى قطاع التوريد أحد أهم القطاعات التي تدر أرباحا خيالية على رجال الأعمال السوريين”.
ظهور ما يسمى “بأغنياء الحرب”
يعتبر ظهور طبقة “أغنياء الحرب”، بمثابة موضوع شائك في سوريا، لأن الحكومة نفسها تستفيد من هذه الطبقة الصاعدة…وفي هذا السياق، أشار علي، وهو أيضا أحد المقربين من أشهر أقطاب الصناعة في سوريا، محمد حمشو، الداعم لبشار الأسد، إلى أن “هناك انتهازيون يعملون من خلف مكاتبهم أو عن طريق حسابات بنكية خارج سوريا، بهدف مواصلة تسيير أعمالهم مع الدول الأخرى الأجنبية، على الرغم من العقوبات المسلطة على الاقتصاد السوري”.
خدمت الحرب السورية، الممتدة منذ ستة سنوات، مصلحة نخبة سياسية واقتصادية جديدة في البلاد، استغلت الفراغ الذي تركته النخبة السابقة، التي كان يتزعمها آل الأسد، حتى تبرز في الساحة السورية عوضا عنها
وفي الإطار نفسه، أورد علي أن “هؤلاء الانتهازيين يشاركون في المناقصات الحكومية، إلا أنهم لا يفكرون سوى في زيادة أرباحهم، فالجشع يسيطر على أعمالهم، ولا يهتمون بتاتا إذا ما ازدهر القطاع الصناعي أو انهار، مع العلم أن البلاد في حاجة ماسة لهذا القطاع…”
وفي هذا الصدد، انتقد المستشار السابق لوزير الصناعة السوري، محمد عباس، تنامي سطوة ونفوذ هذه النخبة الجديدة، مؤكدا أن “هذه النخبة تدير أعمالها من خارج سوريا، دون أن توظف ثرواتها ومداخيلها لصالح عملية إعادة إعمار البلاد… وهذا غير مقبول البتة، خصوصا وأن هؤلاء أسمائهم غير مندرجة ضمن قائمة العقوبات الاقتصادية الدولية التي طالت فقط النخب قبل الحرب وليس بعدها”.
“إنه قانون السوق”
بالنسبة للنخب التقليدية، فهي تأمل أن تخفف عنها وطأة تبعات العقوبات الاقتصادية المسلطة عليها في ظل تخليها عن دعم النظام السوري. في المقابل، قد يمثل ظهور النخبة الجديدة، التي توالي النظام في دمشق، حاجزا أمام بلوغ النخبة التقليدية لمآربها.
من جهته، لم يخف ياسر عباس، الذي ينتمي لهذه النخبة الصاعدة، إذ أنه توسط للحكومة السورية في عملية الحصول على قرض إيراني بهدف توريد محروقات، مركزه الاجتماعي الجديد. وفي هذا الصدد، أكد عباس أنه “قبل الحرب، كنت أدير شركة تشغل قرابة أربعة آلاف عامل. أما الآن، فقد دخلت في منافسة مباشرة العائلات الكبرى المقربة من حاشية الأسد”. وأضاف عباس مبتهجا “على الصعيد الاجتماعي، أصبحت مقربا من هذه العائلات، لكن دون أن أظهر للعيان”.
من ناحية أخرى، تسعى كلا النخبتين، القديمة والجديدة، للظفر برضا آل الأسد. ولكن، هناك خط أحمر لا يمكن لكلا النخبتين الاقتصاديتين أن تتجاوزه، حيث يحجر عليهم التدخل في الحياة السياسية للبلاد، حتى لا يزاحموا آل الأسد في الحكم، وذلك عملا بالشروط التي فرضها حافظ الأسد قبل وفاته.
بالنسبة للحكومة السورية، فإن الانتخابات التشريعية الأخيرة، قد ساهمت في تركيز مقربين من الحاشية الحاكمة داخل دواليب السياسة
“لا وجود لاضطرابات سياسية حقيقية خلال الحرب في سوريا”
في ظل الحرب السورية الحالية، ظهرت نخبة سياسية جديدة، وقد بدا ذلك جليا عشية انتخاب نواب البرلمان السوري خلال سنة 2016. والجدير بالذكر أن هذه النخبة تدين بالفضل لآل الأسد، الذين لولاهم لما تقلدوا هذه المناصب البرلمانية. وفي هذا الإطار، ذكر أحد الدبلوماسيين في دمشق أن ” ماهر الأسد، شقيق الرئيس بشار الأسد، يلعب دورا محوريا من خلف كواليس الحياة السياسية”. وذكر المصدر ذاته أن “ماهر الأسد، قد أضاف شخصيا 13 مقعدا “مستقلا” في دائرة دمشق الانتخابية خلال الانتخابات التشريعية”.
بالنسبة للحكومة السورية، فإن الانتخابات التشريعية الأخيرة، قد ساهمت في تركيز مقربين من الحاشية الحاكمة داخل دواليب السياسة. فضلا عن ذلك، سهلت التغيرات الجذرية في المجال السياسي تنصيب مرشحين برلمانيين جدد، الذين كانوا خارج سوريا، والذين ضمن بشار ولائهم على الأقل إلى موفى سنة 2020، أي تاريخ نهاية ولايته.
وفي هذا السياق، أقر الدبلوماسي ذاته، الذي لم يذكر اسمه، أن “من بين النواب المنتخبين حديثا، ممثلين عن مختلف الأقليات في سوريا، على غرار النائبة، نورة عرسان، وهي نائبة مسيحية من أصل أرمني. ومن المثير للاهتمام أنها وإلى حد الآن لم تحظ بأي دور سياسي في البلاد… في الحقيقة، تنصيب هذه المرأة، يعتبر بمثابة هدية لدولة أرمينيا التي تقف إلى جانب النظام منذ بداية الحرب في سوريا”.
في سياق مغاير، ذكر أحد أعضاء المكتب البرلماني، أنه “لا وجود لاضطرابات سياسية حقيقية في خضم الحرب الحالية في سوريا، فحزب البعث لايزال يسيطر على مختلف جوانب الحياة السياسية وقوته تتنامى يوما بعد يوم. في المقابل، في حالة انشقاق أو وفاة أحد البرلمانيين، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي لظهور نواب جدد غير مؤهلين لتولي مثل هذه مناصب نظرا لقلة خبراتهم”. وفي الأثناء، من المرجح أن تبرز نخبة سياسية جديدة مختلفة، تعمل من خارج سوريا، بهدف مواجهة ومحاربة النظام الحاكم من الداخل.
يعتبر ظهور طبقة “أغنياء الحرب”، بمثابة موضوع شائك في سوريا، لأن الحكومة نفسها تستفيد من هذه الطبقة الصاعدة
في جينيف: مواقف متناقضة
في الواقع، ستدخل الحرب السورية مع شروق شمس يوم 15 آذار/مارس القادم، سنتها السابعة، في ظل وفاة قرابة 310 آلاف قتيل، إضافة إلى ملايين اللاجئين. وفي الأثناء، انطلقت الجلسة الرابعة لمحادثات جنيف يوم 23 شباط/فبراير الماضي، وجمعت بين كل من ممثلين عن النظام السوري والمعارضة، وانتهت يوم الجمعة 3 أذار/مارس، على أمل استئناف محادثات أخرى أواخر الشهر نفسه.
منذ انطلاق المحادثات، عمل مبعوث الأمم المتحدة الخاص بالأزمة السورية، ستافان دي ميستورا، على إقناع الطرفين باحترام البنود الثلاثة المدرجة في القرار الأممي عدد 2254، وهم على التوالي، الحكم، والدستور والانتخابات. خلافا لذلك، لم تحقق المحادثات إلى حد الآن نتائج ملموسة على أرض الواقع، إذ أن طرفي النزاع لم يتوقفا عن الاقتتال. ففي حين يصف النظام السوري المعارضة بأنهم “إرهابيون”، تصف المعارضة النظام بأنه “ليس شريكا في عملية إحلال السلام”. وعلى الرغم من هذه المناوشات بين النظام والمعارضة، إلا أن أبواب التفاوض لم تغلق نهائيا، حسب ما صرح به أحد ممثلي المعارضة، الذي أفاد “نحن دائما جاهزون. يعتبر التفاوض مع النظام، انتصار في حد ذاته”.
المصدر: صحيفة لاكروا