مستقبل الزراعة.. هل سيتم الاستغناء عن الشمس والتربة؟

تضع التكنولوجيا الحديثة بصمتها على شتى مجالات الحياة، إلى أن وصلت إلى المجال الزراعي وأحدثت فيه طفرة كبيرة تستحق الاهتمام والتقدير، فقد أنتجت مزرعة Sundrop المبتكرة في قلب الصحراء الأسترالية فواكه وخضراوات المستقبل باستخدام الشمس والبحر فقط، حيث تشرف أجهزة كمبيوتر على المشروع الذي تتفاوض على تجربته حاليًا شركة “فان در هويفن” الهولندية في صحراء المملكة العربية السعودية.
من الصحراء الأسترالية إلى هيروشيما مرورًا بجنوب فرنسا والمكسيك، باتت دفيئات زراعية أكثر تطورًا تنتج الفاكهة والخضراوات المستقبلية بالاستعانة بأجهزة كمبيوتر ومن دون مبيدات حشرية.
فمن دون مصادر طاقة أحفورية أو مبيدات حشرية كيميائية أو مياه عذبة، تنتج مزرعة “صن دروب فارمز” الأسترالية التي أطلقت في نهاية 2016 طماطم في قلب الصحراء بفضل موردين طبيعيين مجانيين هما الشمس ومياه البحر في مجمع فريد من نوعه حول العالم.
في مصنع سابق للحديد الصلب في نيوارك بنيوجيرسي، يقوم الآن أكبر مشروع زراعة رأسية في العالم، على مساحة تبلغ 69 ألف قدم مربع
وقد أطلقت شركة “فان در هويفن” الهولندية القائمة على المشروع هذه المنشأة مطلع فبراير في معرض “فروت لوجستيكا” في برلين، وقد أنشأت مع شركة “آل بورغ” الدنماركية هذه المزرعة الممتدة على مساحة مئتي ألف متر مربع من الدفيئات الزراعية الزجاجية التي تحيط بها 22 ألف مرآة، وهذه المنشآت تجذب أشعة الشمس وتركزها في قمة برج بما يشبه غلاية عملاقة.
وعلى حرارة تبلغ 800 درجة، تفقد مياه البحر ملوحتها، وينفع بخار الماء الذي يعاد استخدامه باستمرار في تغذية توربينة تولد الكهرباء وفي تبريد الدفيئة وري النباتات التي تنمو على ركائز من ألياف جوز الهند أو الصخور البركانية المشبعة بالعناصر المغذية.
وأشار بيتر سبامس المدير التجاري للشركة الهولندية، التي تستحوذ أنشطة التصدير على 95% من رقم أعمالها البالغ 70 مليون يورو، إلى أن “ان در هويفن تفاوض حاليًا على مشروع مشابه في السعودية.
غير أن المشكلة الرئيسية في هذا النظام هي كلفته الباهظة البالغة مئة مليون يورو، ولضمان استمرار هذا المشروع، اضطر المستثمرون إلى الحصول من أحد زبائن “صن دروب فارمز” على تعهد بتثبيت سعر الطماطم بالجملة عند ثلاثة دولارات للكيلوغرام على مدى عشر سنوات، بحسب ما أوضح مصدر مطلع على المفاوضات، وهذا الأمر غير وارد في أوروبا حيث يراوح السعر بين 1 و1.5 يورو.
وتباع دفيئات زراعية أخرى تتميز بتطورها التقني من دون الاعتماد على الطاقة الشمسية، في أنحاء مختلفة من العالم، من سهوب كازاخستان إلى هيروشيما اليابانية حيث من المقرر إنجاز مشروع ممتد على 12 هكتارًا في سبتمبر.
وأوضح أنطوان لوبيور رئيس مجموعة “ريشيل ايكيمبان” أكبر مصنع فرنسي للدفيئات الزراعية وإحدى أكبر خمس شركات في العالم في المكسيك، حيث كانت الرطوبة والأمراض الناجمة عنها في منطقة استوائية تحتاج إلى معالجة كيميائية يومية في وسط الحقول، أن الدفيئات الزراعية أدت إلى تراجع وتيرة العلاجات إلى واحد شهريًا.
وأضاف “مع التغير المناخي نشهد أحداثًا قصوى بوتيرة أكبر منها أمطار في عز موسم الصيف في مناطق كان يحتبس فيها المطر على الدوام، ويمكن لنظام إنتاج كامل أن ينهار فجأة”.
على حرارة تبلغ 800 درجة، تفقد مياه البحر ملوحتها، وينفع بخار الماء الذي يعاد استخدامه باستمرار في تغذية توربينة تولد الكهرباء وفي تبريد الدفيئة وري النباتات التي تنمو على ركائز من ألياف جوز الهند أو الصخور البركانية المشبعة بالعناصر المغذية
وفي جنوب فرنسا، تحول فنسان كليمان وهو منتج شاب للطماطم المزروعة بتقنيات مراعية للبيئة إلى نظام فان در هويفن المسمى “دفيئات بيئية”، وقال أنطوان لوبيور رئيس مجموعة ريشيل إيكيمبان: “إنها ثورة لم نشهد مثيلاً لها منذ ربع قرن ولن تتكرر في الربع قرن المقبل”.
وتتميز هذه التقنية بعدم لجوئها إلى العلاجات بالمبيدات الحشرية فيما يسهم الضغط المرتفع في داخل الدفيئة المقفلة بشكل شبه محكم في منع دخول الحشرات الخارجية المدمرة للنباتات.
ويتسم هذا النظام أيضًا بتقليص الحاجة إلى مبيدات للفطريات، إذ إن التحكم دقيق للغاية بالحرارة في داخل الدفيئات الزراعية بالاستعانة بأجهزة كمبيوتر مدعومة بمرجل عامل بالكتلة الحيوية تبعًا للأحوال الجوية، كذلك لا تعالج الجذور لأن الشتول يحصل عليها بتقنيات التطعيم النباتي.
كيف تعمل المزرعة؟
ولمعرفة تفاصيل مشروع مزرعة Sundrop لزراعة الطماطم في صحراء جنوب أستراليا بالاعتماد فقط على أشعة الشمس الساطعة ومياه البحر، لا بد من معرفة كيفية عمل المزرعة.
حيث أمضى فريق دولي من العلماء خلال السنوات الستة الماضية على تصميم موقع مناسب لهذه المزرعة، ففي عام 2010 تم بناء المزرعة بشكل تجريبي وفي عام 2014 بدأ البناء بشكل رسمي، وتم الانتهاء منها هذا الشهر.
وتبدأ الزراعة عن طريق إيصال مياه البحر من مسافة 5.5 كيلومتر من خليج سبنسر إلى مزرعة تبلغ مساحتها 20 هكتارًا، وتقع في منطقة ميناء أوجستا القاحلة، كما تتوفر محطة لتحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية لتحلية المياه المستخدمة في الزراعة، هذه الطريقة في الزراعة ساعدت في خلق كمية من المياه العذبة تكفي لري 180.000 نبتة من نباتات الطماطم.
تقع مزرعة شركة باناسونيك، والممتدة على مساحة 248 مترًا مربعًا في مصنع على مشارف المدينة، والذي تضيؤه أضواء الليد الوردية ذات الطول الموجي المعين
في الصيف تكون درجات الحرارة بهذه المنطقة مرتفعة جدًا والجو جافًا، وكي يتم تفادي هذه المشكلة يتم ترتيب هذه المزارع بشكل خط مستقيم بجانب البحر للحفاظ على النباتات غارقة في المياه لتكون باردة بما فيه الكفاية كي تبقى في صحة جيدة، أما في فصل الشتاء فإن أشعة الشمس تبقي النباتات دافئة.
هذه الطريقة في الزراعة لن نحتاج فيها إلى استخدام أي مبيدات حشرية لمكافحة الآفات، وأيضًا مياه البحر تقوم على تنقية وتطهير الهواء، والنباتات تنمو على قشور جوز الهند بدلًا من التربة، والطاقة الشمسية الموجودة في المزرعة تم إنشاؤها عن طريق وضع 23.000 مرآة لتعكس أشعة الشمس، وبرج طوله 127 مترًا لإنتاج الطاقة، وتصل الطاقة التي يمكن إنتاجها في يوم مشمس بهذه الطريقة إلى 39 ميجاواطًا، وهي تكفي لتشغيل محطة تحلية المياه الموجودة في المزرعة وتوفير احتياجات الكهرباء لها.
وقد تم بيع هذه الطماطم المنتجة من المزرعة بشكل فعلي في متاجر المواد الغذائية بأستراليا.
كنظرة مستقبلية، نقص الطاقة الشمسية في وقت الشتاء سوف يجبر المزرعة أن تعتمد على شبكة الكهرباء الاحتياطية، ولكن الرئيس التنفيذي لمزرعة Sundrop فيليب سمويبر يقول: إن هناك تحسن تدريجي في تصميم طريقة سوف تساعدهم في القضاء على الاعتماد على النفط.
تكلفة المشروع كانت 200 مليون دولار، وهذه التكلفة تعتبر جدًا كبيرة بالنسبة لطريقة الزراعة التقليدية ولكن هذه التكلفة إذا أخذناها على المدى الطويل سوف تكون أفضل، فالطريقة التقليدية تكلفتها التشغيلية كبيرة لأنها تعتمد على النفط.
تبدأ الزراعة عن طريق إيصال مياه البحر من مسافة 5.5 كيلومتر من خليج سبنسر إلى مزرعة تبلغ مساحتها 20 هكتارًا، وتقع في منطقة ميناء أوجستا القاحلة
فكرة مزرعة Sundrop يتم الآن التخطيط لها حتى تكون في أكثر من دولة مثل البرتغال وأمريكا وأخرى أيضًا في أستراليا، والشيء الملفت للانتباه أن شركات أخرى تختبر أيضًا هذه الطريقة في الزراعة باستخدام مياه البحر في المناطق الصحراوية في دول مثل عمان وقطر والإمارات العربية المتحدة.
يقول البروفيسور روبرت بارك من جامعة سيدني: “هذه الأنظمة الإنتاجية المغلقة ذكية جدًا وأعتقد أن النُظم التي تستخدم مصادر الطاقة المتجددة سوف تصبح أفضل وأفضل، وتزيد في المستقبل، ومساهمتها ستصبح أكبر في كل أطعمتنا”.
تجارب تحدت المستحيل
ليست زراعة الصحراء بالكمبيوتر الاكتشاف الوحيد الذي أخرجه العلماء بالاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة، فهناك تجارب جديدة تستحق الوقوف عندها لما لها من أهمية كبيرة في عالم الزراعة الحديثة، فقد وقف ديكسون ديسبومييه الأستاذ في علوم صحة البيئة والميكروبيولوجي، أمام طلابه وقرر أن يلقي إليهم بتحدٍّ جديد وفريد من نوعه، قرر أن يطلب منهم أن يطعموا سكان مانهاتن كلهم، والبالغ عددهم مليوني شخص، باستخدام خمسة هكتارات فقط من حدائق أسطح المنازل، عندها، فغر جميع الطلبة أفواههم ذاهلين، لقد كان أمرًا مستحيلاً!
فعندما قام طلبة الأستاذ ديسبومييه بالحساب كما طلب منهم، لم تكف الطرق التقليدية التي يعرفونها إلا لإطعام 2% فقط من العدد المطلوب، وعندها طرح الأستاذ اقتراحه الغريب تمامًا إذا لم تكن زراعة الأسطح كافية، ماذا عن داخل البيوت؟
كانت هذه المرة الأولى التي يطرح فيها مفهوم “الزراعة العمودية” بشكل قريب من مفهومه الحالي، موقدًا أذهان الطلاب وجاذبًا اهتمامهم، ليظهر تصور مزرعة عمودية لأول مرة في 2001، الأستاذ تخيل ناطحة سحاب في مدينة صناعية، بـ “صفر نفايات”، في هذا المبنى، قد يكون جيرانك في الطابق الأسفل قطيعًا من الماعز، وجيران الطابق الأعلى مجموعة متنوعة مع النباتات، ربما يكون جيرانك الجدد شتلات خس أو كروم عنب أو شجر موز أو برتقال، انسَ مشاكل الجيران إذًا.
كنظرة مستقبلية نقص الطاقة الشمسية في وقت الشتاء سوف يجبر المزرعة أن تعتمد على شبكة الكهرباء الاحتياطية
الأستاذ تحدث في عدة مقابلات له عن مميزات هذا النظام الإيكولوجي المتكامل، ففي ناطحة السحاب المتخيلة هذه، والتي يأمل أن يراها في وقت قريب، يستفيد هذا النظام من الموارد بشكل أقصى، تسقط المياه المستخدمة في ري محاصيل الدور العلوي على الطوابق السفلى لري الفواكه والخضراوات، نفايات حيوانات الطابق السفلي أيضًا تستخدم لعمل كرات حيوية مضغوطة تستخدم كوقود حيوي يولد الكهرباء للمبنى، ويحكي الأستاذ بحماسة عن المميزات في كل مرة، فهو يقول إن الزراعة على طريقته من الممكن أن تضاعف إنتاج الخس على سبيل المثال حتى عشرة أضعاف المزارع التقليدية، حيث يسع القدم المربع الواحد بطريقة الزراعة العمودية 64 رأس خس سنويًا، مقارنة بمزارع الهواء الطلق الذين يزرعون سبعة أو ثمانية من رؤوس الخس في القدم الواحد.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ يمكن الاستغناء عن المبيدات والاستفادة من الموارد في ظل استهلاك مياه عذبة أقل بما يقرب من 70%، ومع إمكانية هذه الزراعة في وسط المدن فإن أفضل شيء تقدمه هذه التقنية هو تقليل المسافة اللازمة لوصول الطعام من المزرعة إلى طاولة طعامك بالتأكيد.
وفي السطور القادمة أهم تجارب للزراعة الرأسية التي تحدث في العالم الآن:
“الخضار النظيف”
كتحدٍ يقوم به اليابانيون في فوكوشيما، مدينة الكارثة النووية الأخيرة، قرروا أن يجعلوها مكانًا لنواة مشروع الزراعة الرأسية في البلاد، كإثبات أن هذه الزراعة، التي لا تحتاج إلى الشمس ولا التربة، يمكن لها أن تتغلب على مشكلة انعدام المكان أو ظروف خطورته، شركة فوجيتسو اليابانية، والتي تقوم بصنع رقائق أشباه الموصلات للحواسيب، قررت استغلال قبو لم يعد مستخدمًا لديها، بطريقة مختلفة.
قبو الرقائق تحول إلى مزرعة خضراء صغيرة داخل مقر الشركة، حيث تزرع فيه الخس، الذي اختارت الشركة أن تجعله مميزًا بانخفاض مستوى البوتاسيوم فيه، ليصبح مناسبًا لمرضى الكلى، الذين لا تحتمل أجسادهم مستوى عالٍ من المعادن.
ليست زراعة الصحراء بالكمبيوتر الاكتشاف الوحيد الذي أخرجه العلماء بالاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة فهناك تجارب جديدة تستحق الوقوف عندها لما لها من أهمية كبيرة في عالم الزراعة الحديثة
إذا أردت أن ترى هذه المزرعة الصغيرة الفريدة، ما عليك إلا أن تخلع حذاءك على العتبة، أن تضع غطاء الرأس على شعرك، وتمر عبر حمّام الهواء المعقم، وتندهش بطبقات الخس الأخضر أمام عينيك.
أطلق على المشروع اسم “كيراي ياساي”، وهو يعني “الخضار النظيف”، حيث تقوم الشركة بزرع الخضار في غرفتها النظيفة التي كانت مخصصة للرقائق الإلكترونية قبلاً، حيث الغبار والبكتيريا أقل من الخارج، وحيث لا يوجد طين على الإطلاق، إذ يعتمد النبات على سائل مغذٍ ينساب إليه من المضخات، ليجري من طبقة إلى طبقة، تجعلك لا تملك أمام المنظر المدهش إلا أن تتساءل، كم من الخس هنا؟ لتتفاجأ أنك أمام خمسين ألف رأس من الخس في هذا المكان الصغير.
أحد المسؤولين عن المشروع يقول إن طموح الشركة ألا يكون هذا النوع من الخس منتشرًا في اليابان فقط بل في جميع أنحاء العالم، حيث إن الشركة تستطيع أن تنتج نفس الكمية بنفس الجودة طول السنة بغض النظر عن اختلاف المناخ أو عدم وجود مساحات أراضٍ كافية، فوجود هذه المزرعة الداخلية لم يتأثر بوجوده في منطقة فوكوشيما، كما أن الشركة تجري اختبارات الإشعاع على محصولها مرتين في السنة لضمن خلوه من الإشعاع.
توجد في اليابان نماذج أخرى، مثل شركة “ميراي” للخضراوات، وهي الكلمة التي تعني “المستقبل”، كرمز للصورة التي يريد العاملون عليها للزراعة في مستقبل اليابان والعالم أن تكون، فهم يعتقدون أن هذا سيكون الحل لمشكلة نقص الغذاء المتفاقمة التي ستواجهنا في المستقبل، خاصة في ظل التوقعات بزيادة عدد سكان المدن إلى أكثر من 9 مليار في 2050.
في 2015 طرحت شركة “غلوبال” لخدمات التموين في أبو ظبي جهازًا جديدًا في الأسواق يتيح زراعة الخضراوات والنباتات والفواكه في المطبخ أو في إحدى صالات المنزل
تصدر الشركة هذه الأنظمة التي يبدعها مهندسوها لدول أخرى في العالم، مثل روسيا ومنغوليا.
المدهش فيما تقوم به الشركة أن الزراعة بهذه الطريقة هي عملية مستمرة على مدار الأربع والعشرين ساعة، لذلك فإن عملية الزراعة كاملة من البذر إلى الحصد تستغرق خمسة وثلاثين يومًا فقط بينما تستغرق الزراعة التقليدية في الهواء الطلق من سبعين إلى تسعين يومًا، وينتج هذا المصنع نحو عشرة آلاف رأس من الخس يوميًا، توزع مباشرة في أسواق اليابان، لتصل بأسرع وقت إلى طاولات طعامكم.
أكبر مزرعة عمودية في العالم
في مصنع سابق للحديد الصلب في نيوارك بنيوجيرسي، يقوم الآن أكبر مشروع زراعة رأسية في العالم، على مساحة تبلغ 69 ألف قدم مربع، ويتطلع القائمون على هذا المشروع أن ينشروا إنتاجهم الصحي عالي الجودة إلى جميع الأسواق المحلية، وبينما تعتمد مثل هذه المشاريع على طريقة التغذية المائية للاستغناء عن التربة، يعتمد هذا المشروع طريقة مختلفة تسمى “آيروبونيكس”.
الطريقة الجديدة تتشابه مع التغذية المائية في الاعتماد على البذر وإنماء المحصول في الأقمشة، واستخدام أضواء الليد بديلاً عن الشمس لأجل عملية التمثيل الضوئي، حيث يتم تخصيص الطول الموجي لهذا الضوء ليحقق أقصى استفادة من عملية التمثيل الضوئي مع أقل استهلاك للطاقة، لكن الاختلاف الجوهري، هو في اعتماد التغذية المائية على المحلول المغذي الذي يسري للطبقات المزروعة، أما التغذية الهوائية فهي تعتمد على نشر التغذية عن طريق الغبار! وهي الطريقة التي تقول الشركة إنها تسرع دورة حياة النبات، كما أنها تحمل كتلة حيوية أفضل من الطرق الأخرى.
أصبح بمقدور العالم الآن الزراعة دون تربة ومبيدات حشرية، فقد زرع العلماء في قلب الصحراء فاكهة وخضراوات باستخدام الشمس والبحر فقط
المشروع الجديد هو شراكة بين القطاعين العام والخاص، فقد مولته الهيئة العامة للتنمية الاقتصادية في ولاية نيوجيرسي بالتعاون مع شركات خاصة، وقد صممته شركة KSS المعمارية.
المشروع يقدم ما هو أكثر من المميزات المعتادة للزراعة العمودية، فبالإضافة لسرعة الحصول على المحصول، والقدرة على زراعته طول السنة، والحد من استخدام المبيدات وعدم اضطرارك لغسل الخضار حيث إنها لا يلامس التراب أو الملوثات، وتقليل الماء والطاقة الضائعين، هناك ما هو أكثر، فهذا المشروع يقدم أقصى استفادة من المساحة رأسيًا، إذ أن القدم المربع الواحد يقدم لك 75 ضعفًا لما تقدمه الزراعة التقليدية، كما تستخدم مياهًا أقل بنسبة 95%، ويقدر ما تستطيع إنتاجه في السنة باثنين مليون باوند من الخضار الورقي! إن هذا فعلاً لا يصدق.
أنفاق تتحول إلى الأخضر
خطرت الفكرة ببال رجل الأعمال ريتشارد بالارد، الذي شاركها بدوره مع ستيفن درينغ، لماذا لا تستغل كل هذه الأنفاق (بقايا الحرب العالمية الثانية المنسية تحت أرض لندن)؟ ومن هنا بدأ مشروع أكبر مزرعة تحت الأرض في العالم حتى الآن.
المشروع يخطط للتخصص في بيع الأعشاب وخضراوات السلطة، ويقع أسفل شوارع لندن بـ33 مترًا، على بعد أقل من ميلين اثنين من مركز المدينة، وهو يعد الجمهور بألا تستغرق رحلة وصول الطعام الأخضر الطازج من المزرعة إلى الطاولة أكثر من أربع ساعات فقط!
هذه الأنفاق استخدمت قبلاً كمخبأ لحماية المدنيين في أثناء حدوث القصف في الحرب العالمية الثانية، وهي تقع أسفل خط سكة حديد شمال لندن في منطقة كلافام، وقد صمم المكان ليسع ثمانية آلاف شخص عند اللزوم، لكنه الآن مكان مناسب في نظر بالارد ودرينغ لزراعة المحاصيل.
المشروع يعتمد على مصادر طاقة خضراء، ويستخدم مياهًا أقل من الزراعة التقليدية بنحو 70%، ويأمل بالارد ودرينغ أن ينتجا المحاصيل بـ”صفر تأثير” على البيئة، ويخططان لإنتاج مجموعة متنوعة من المحاصيل مثل البازلاء والأنواع المختلفة من الفجل والخردل والكزبرة والكرفس والبقدونس، وهم يضعون في خطتهم توسيع الفكرة في الأنفاق المجاورة مستقبلاً.
في عام 2010 تم بناء المزرعة بشكل تجريبي وفي عام 2014 بدأ البناء بشكل رسمي، وتم الانتهاء منها هذا الشهر
مزرعة الطابق الأعلى
يخطط مهندسو ومصممو المزرعة العمودية في سيؤول، أن يجعلوها من ثلاثة طوابق، حيث تزرع الخضار والمحاصيل في الطابقين الثاني والثالث، بينما يخصص الطابق الأول كفصل دراسي لتعليم الزراعة، المزارع الرأسية سوف تتحكم بها أجهزة الكمبيوتر، لتوفير دقة متناهية في تخصيص الضوء المناسب، وكذلك لضبط ظروف الحرارة والرطوبة، ومراقبة مستوى ثاني أكسيد الكربون، وقد اختيرت منطقة غرب يانغ تشون لتكون مقر هذه المزرعة الأولى من نوعها في كوريا الجنوبية.
هذه ليست المحاولة الأولى، فقد سبق وأن حاولت كوريا بناء أول مزرعة عمودية لها في مدينة ناميانغو في 2009، لكن الخطة توقفت عندما أدرك القائمون عليها أنها لن تكون فعالة من ناحية التكلفة، وزير الزراعة الكوري قال في تصريح له عن المزارع الرأسية في بلاده، إن تكلفة الصوبات الزجاجية تساوي مليون وون، أما تكاليف المزارع الرأسية فهي تقترب من العشرة ملايين وون، لتباع المحاصيل الناتجة بنفس الأسعار في النهاية، مما جعل الصفقة غير مربحة، لكن الحكومة قررت أن تعيد الكرة هذه المرة لكن ليس لأجل الربح، وإنما بهدف تطوير تكنولوجيا جديدة واكتساب الخبرات في هذا النوع من الزراعة.
من الشاشات إلى الخضراوات
سنغافورة، كانت أفضل اختيار لشركة باناسونيك التي قررت أن تستثمر في مجال الزراعة العمودية، فهذا البلد يعد إحدى الدول ذات الاكتفاء الذاتي الغذائي المنخفض، كما أنها تشتكي أيضًا من قلة الأراضي المتاحة للزراعة في البلاد، وتعد إحدى الدول الأعلى كثافة في العالم، بل إن الوضع وصل في التدهور إلى درجة أن سنغافورة تستورد أكثر من 90% من احتياجاتها الغذائية!
كل هذا جعل الدولة تشجع مشاريع الزراعة الرأسية فيها وتمول أبحاثها، مثل مشروع “سكاي غرينز” التابع لشركة باناسونيك والمكون من ثلاثة طوابق عالية.
المشروع الذي خطط له أن يطعم السنغافوريين ويشارك في حل أزمة الأرض والغذاء، بدأ إنتاجه بنجاح بالفعل، بل إنه بدأ ببيع منتجاته لبعض سلاسل المطاعم اليابانية، ليكون أول مشروع مزرعة رأسية في سنغافورة.
يخطط مهندسو ومصممو المزرعة العمودية في سيؤول، أن يجعلوها من ثلاثة طوابق، حيث تزرع الخضار والمحاصيل في الطابقين الثاني والثالث، بينما يخصص الطابق الأول كفصل دراسي لتعليم الزراعة
ينتج المشروع كمية محدودة حاليًا تقدر بـ3.6 طن في السنة، بتنوع كبير في المحاصيل يصل إلى 10 أنواع، مثل الفجل الأحمر والسبانخ، لينضم هذا المشروع إلى مشاريع الشركات الأخرى المنتجة في اليابان، مع اختبارات لمشروع آخر في دبي لزراعة الفراولة رأسيًا.
تقع مزرعة شركة باناسونيك والممتدة على مساحة 248 مترًا مربعًا في مصنع على مشارف المدينة، والذي تضيؤه أضواء الليد الوردية ذات الطول الموجي المعين، وتحد الشركة من الزوار لمراقبة مستويات الحرارة والرطوبة وثاني أكسيد الكربون بدقة، وتطمح الشركة لزيادة أنواع المحاصيل التي تزرعها إلى 30 نوعًا بحلول عام 2017، وتقول إنها تأمل أن تكلف المحاصيل التي تنتجه نصف ثمن تلك المستوردة من اليابان.
زراعة منزلية
وفي 2015 طرحت شركة “غلوبال” لخدمات التموين في أبو ظبي جهازًا جديدًا في الأسواق يتيح زراعة الخضراوات والنباتات والفواكه في المطبخ أو في إحدى صالات المنزل.
ويتمتع هذا الجهاز الذي أطلق عليه اسم “أربن كلتيفتور- Urban Caltivator” بآليات وتقنيات فريدة من نوعها، ليساعد ربات المنازل على زرع مختلف أنواع الخضار والفواكة الطبيعية والزهور داخل المنزل.
وأوضحت الشركة أن عملية استخدام الجهاز “سهلة جداً”، إذ يتم التحكم في عمليات الري والضوء من خلال الكمبيوتر لضمان سلامة المحصول.
ويقوم الجهاز بزراعة صحية 100% للأعشاب العضوية الآمنة ويقدمها بشكل طازج على مدار العام، كما يتميز بمركز تحكم مبرمج مسبقًُا، بحيث يضمن الكمية المناسبة من الماء والضوء والهواء، استنادًا إلى نوع الخضراوات، مع السيطرة على الرطوبة لنمو النباتات بالشكل الأمثل والمناسب وتقديم محصول يلبي حاجات الأسرة السريعة.