أثار نبأ اعتقال الداعية السعودي الشيخ سعد البريك، أول أمس الأحد، الموافق الخامس من مارس الجاري، حالة من الجدل الممزوج بالغضب لدى قطاع كبير من الشارع السعودي، خاصة أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها توقيف أحد الدعاة خلال الأشهر القليلة الماضية، مما يعزز الخوف والقلق بشأن أن تكون هناك خطة ممنهجة تستهدف مشايخ المملكة ودعاتها.
وبحسب مصادر فإن البريك كان متجهًا إلى مدينة جدة (غرب السعودية)، قبل أن يتلقى اتصالاً من المباحث تستدعيه للتحقيق، إلا أنه طلب مهلة لحين عودته من السفر، لكنهم أصروا على حضوره، إيعازًا منهم بأن الاستدعاء عن طريق الشرطة أفضل بكثير من الاستدعاء عن طريق الديوان الملكي، فألغى السفر وحضر إلى مقر المباحث، ومن حينها لا يعرف أحد تفاصيل عن دوافع توقيفه أو متى سيخرج.
توقيف البريك ومن قبله الشيخ عصام العويد الشهر الماضي يفرض بعض التساؤلات عما إذا كانت هناك نية متعمدة لاستهداف الدعاة، ودوافع ذلك، فضلاً عما يثار بشأن صدام مرتقب بين ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، صاحب الفكر الليبرالي الجديد ومشايخ المملكة، مع الأخذ في الاعتبار الضغوط الخارجية الممارسة على السعودية بزعم خطاب التطرف والكراهية الذي يتبناه بعض مشايخها.
الاعتقال ما بين النفي والتأكيد
تباينت وجهات النظر ما بين مؤكد لخبر اعتقال البريك وفق مصادر مقربة منه، وتكذيبه من قبل آخرين، وهو ما أثار ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث جاء الفريق المؤكد للخبر بشهادات العديد من المصادر التي أكدت تلقيه اتصالاً من الشرطة واستدعائه على الفور قبل أن ينهي زيارته لجده، واستجابته لهذا الاستدعاء الذي أعقبه قطع جميع سبل التواصل معه.
أما الفريق الثاني فيرى أن خبر الاعتقال عار تمامًا من الصحة ويأتي في إطار حملة تستهدف استقرار المملكة، ومحاولة تشويه صورتها وتصديرها كونها الدولة التي تعتقل أبناءها لمجرد الاختلاف معهم في الرأي، معززين رأيهم باستمرار تغريدات البريك حتى الآن، متسائلين: كيف يكون الرجل معتقلاً يوم الخامس من مارس الحالي ويغرد على حسابه الشخصي على موقع “تويتر” في نفس اليوم وبعده؟ إلا أن أنصار الفريق الأول أشاروا أن هناك مصدر مقرب من الشيخ هو من يدير حسابه الشخصي وينشر هذه التغريدات على لسانه، وبصرف النظر عن صحة خبر الاعتقال من عدمه إلا أن استهداف العلماء والدعاة بات ظاهرة تستوجب التوقف عندها.
تباينت الرؤى حيال نبأ اعتقال البريك م ابين مؤكد للخبر وفق مصادر مقربة من الشيخ، وتكذيبه من قبل آخرين، وهو ما أثار ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي
ويعمل البريك عضوًا بهيئة التدريس في جامعة الملك سعود، ومستشارًا ونائبًا لرئيس اللجنة العليا في مكتب الأمير عبد العزيز بن فهد للبحوث والدراسات، وعضو في لجنة التربية العليا التي يرأسها الأمير الراحل سلطان بن عبد العزيز، وعضو في فريق مناصحة السجناء الذين يحملون الفكر الإرهابي، ويُشرف على المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالبديعة والصناعية الجديدة، كما أنه عضو الهيئة الشرعية في الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وعضو في مجلس أمناء مؤسسة الوقف الإسلامي في السويد، وعضو بمجلس أمناء مسجد التوحيد في اليابان، كما أنه إمام وخطيب جامع الأمير خالد بن سعود” بظهرة البديعة منذ أكثر من 25 عامًا.
له عدد من المؤلفات أبرزها “اختيارات الإمام الخطابي الفقهية”، و”الإيجاز في بعض ما اختلف فيه ابن عثيمين والألباني وابن باز”، كما أن له أبحاث ورسائل ومحاضرات ومقالات منشورة، ومساهمات إعلامية في الصحف والمجلات والقنوات الفضائية.
?عصام العويد و سعد البريك.. ? سلسلة جديدة من الاعتقالات!
فمن التالي..؟
التفاصيل في تقريرنا?#اعتقال_سعد_البريك pic.twitter.com/lkqKktGVKI— خط البلدة ? (@saudibus222) March 6, 2017
بعض المغردين أشاروا إلى أن اعتقال البريك جاء بأمر من الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد.
#السعودیة
مغردو تويتر: اعتقال الداعية سعد البريك بأمر من #محمد_بن_سلمانhttps://t.co/qw9YD6xHsm pic.twitter.com/BvEzHwPUN6— السعودية نت (@alsaudianet) March 7, 2017
عشرات الدعاة داخل السجون
لم يكن البريك هو الداعية الوحيد الذي أوقفته السلطات السعودية، فقبل شهر تقريبًا ألقت السلطات السعودية القبض على الشيخ عصام العويد، بتهمة جمع منح ومساعدات لجميعات متطرفة خارج المملكة، ومن قبله الدكتور محمد العريفي، كما أن هناك العشرات من الدعاة والمشايخ القابعين داخل زنازين الاعتقال والحبس بمختلف سجون المملكة.
ففي أبريل 2016، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي السعودية بسبب اعتقال الداعية عبد العزيز الطريفي، والذي تم إلقاء القبض عليه بسبب انتقاداته الحادة لاستراتيجية المملكة في التعامل مع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاولة السلطات في المملكة إجهاض دورها وإفراغها من مضمونها ودورها الحقيقي.
لم يكن البريك هو الداعية الوحيد الذي أوقفته السلطات السعودية، فقبل شهر تقريبًا ألقت السلطات السعودية القبض على الشيخ عصام العويد، ومن قبله الدكتور محمد العريفي
وقد أثار اعتقال الطريفي حالة من الجدل داخل الشارع السعودي لا سيما بين قطاعات الدعاة، حيث شنوا حملة إلكترونية تتطالب بالإفراج الفوري عنه، وتدعوا إلى احترام العلماء وتوقيرهم، وتجنب الصدام معهم، محذرين من خطورة ما يثار بشأن التوجه الجديد لدى الديوان الملكي بتطويق نفوذ رجال الدين داخل المملكة.
وتشمل قائمة الدعاة المعتقلين داخل سجون المملكة، العشرات من الأسماء التي كان لها تأثير كبير في المشهد الديني السعودي، فضلاً عما يتمتعون به من شعبية داخل البلاد وخارجها، أبرزهم الشيخ سعود القحطاني والقابع في السجون منذ 25عامًا، كذلك الشيخ وليد السناني، إضافة إلى الشيخ علي الخضير والشيخ سليمان العلوان والشيخ خالد الراشد والشيخ أحمد بن عمر الحازمي.
الشيخ عصام العويد والذي تم توقيفه الشهر الماضي من قبل السلطات السعودية
مشايخ السعودية ورؤية 2030
الكثير من المخاوف باتت تساور مشايخ المملكة ودعاتها بشأن تقليل نفوذهم واستهدافهم بالتزامن مع طرح ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤيته الإصلاحية 2030 – الهادفة إلى الحد من اعتماد اقتصاد المملكة على النفط والبحث عن موارد جديدة – والتي تعتمد في كثير من محاورها على تبني الفكر الليبرالي كأحد المقومات الأساسية التي أقرها بن سلمان لتفعيل رؤيته النهضوية في محاولة للتخلص من المرجعيات القديمة التي يراها حجر عثرة في طريق التنمية، مما يشي بصدام مرتقب مع جل هذه المرجعيات وفي مقدمتها المرجعية الدينية الوهابية والتي تشكل عصبًا أساسيًا لدى المجتمع السعودي.
العديد من المؤشرات تشير إلى قرب موعد هذا الصدام والذي تكشفت ملامحه مبكرًا حين تصدى مفتي المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ لما أعلنه الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للترفيه السعودية عمرو المدني، بشأن إمكانية فتح دور سينما وإقامة حفلات غنائية بالمملكة، قائلاً: الحفلات الغنائية والسينما فساد للأخلاق، ومدمرة للقيم ومدعاة لاختلاط الجنسين، ولا خير فيها، فالترفيه بالأغاني ليل نهار، وفتح صالات السينما في كل الأوقات، هو مدعاة لاختلاط الجنسين، أولاً سيقال تخصيص أماكن للنساء، ثم يصبح الجميع رجالاً ونساءً في منطقة واحدة، فهذا كله مفسد للأخلاق ومدمر للقيم”.
العديد من المؤشرات تشير إلى قرب الصدام بين النظام الحاكم والوهابية والذي تكشفت ملامحه حين تصدى مفتي المملكة لما أعلنه رئيس هيئة الترفيه السعودية عمرو المدني، بشأن إمكانية فتح دور سينما
البعض اعتبر أن هذه التصريحات التي خرجت عن الشيخ هي أولى جولات الصدام بين وهابية المملكة وتوجهات محمد بن سلمان الليبرالية الجديدة، خاصة أن محاولات “هيئة الترفيه” – وهي الجهة التي تم إنشائها تماشيًا مع رؤية 2030 باعتبار أن ما ينفق على السياحة الخارجية من قبل السعوديين بلادهم أولى به حال توفير الخدمات التي يحتاجون إليها – ، تعد اختبارًا قدمه ولي ولي العهد لقياس مستوى رد فعل رجال الدين السعوديين حيال رؤيته الإصلاحية الجديدة، لكنها لن تكون الأخيرة.
ابن سلمان في تصريحات لمجلة “فورين أفيرز” نقلتها وكالة “رويترز” قال إنه وضع استراتيجية ثلاثية المحاور تهدف إلى تجنب أي ردود فعل سلبية أو عنيفة من قبل المحافظين والوهابيين ضد رؤيته الإصلاحية، إلا أنه وفي نفس الوقت وجه تحذيرًا شديد اللهجة حال إقدام أي رجل دين على التحريض على العنف متوعدًا إياه بإجراءات عقابية رادعة.
إلا أنه وفي نفس الحوار الذي أجرته معه الصحيفة سعى إلى مغازلة الوهابية من خلال رفض التهم الموجهة إليها بالإرهاب والتطرف، منوهًا أن مواجهة بلاده للإرهاب هي الأطول والأعنف منذ تأسيس المملكة، معبرًا عن دهشته بخصوص “سوء الفهم العميق” من الأمريكيين تجاه الربط بين “الوهابية” والإرهاب، مختتمًا تصريحاته بقوله: “التشدد لا علاقة له بالوهابية، فإذا كانت الوهابية نشأت منذ ثلاثة قرون فلماذا لم يظهر الإرهاب إلا مؤخرَا؟”.
ابن سلمان في تصريحات لمجلة “فورين أفيرز” وجه تحذيرًا شديد اللهجة حال إقدام أي رجل دين على التحريض على العنف متوعدًا إياه بإجراءات عقابية رادعة
مفتي المملكة يتصدي لمقترحات إدخال دور السينما كأحد أنواع الترفيه استجابة لـ 2030
الوهابية والليبرالية.. وجهًا لوجه
الصدام بين التيار الوهابي وطموحات محمد بن سلمان “الليبرالية”، والذي تمثل في تصدي مفتي المملكة لبعض ملامح رؤية 2030 ليس وليد اليوم، فهناك شواهد وسوابق تاريخية تعكس ملامح هذا الصراع مبكرًا، إذ إن السجال بين التيار الديني والليبرالي مستمر منذ عشرات السنين، إلا أنه كان محصورًا في بعض أنصار الليبرالية من المقيمين خارج المملكة وعبر مواقع التواصل الاجتماعي فحسب.
أما في العامين الماضيين فقط، فقد تصاعدت حدة السجال إلى الحد الذي وصل إلى انتقاد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بصورة مباشرة من ليبراليين داخل المملكة، وهو ما يعد نقلة نوعية في المواجهة بين الطرفين، وجسد هذا الصدام وعزز من احتمالية تصاعده مستقبلاً التراشق الإعلامي بين أنصار التيارين في أثناء واقعة “فتاة النخيل مول” والتي تعرضت للضرب والسحل على أيدي بعض رجال الهيئة في أحد شوارع الرياض في فبراير 2016.
الهجوم الذي تعرضت له الهيئة حينها كشف عن حجم التيار الليبرالي داخل المجتمع السعودي لا سيما بين الشباب، وهو ما يفسر اعتماد محمد بن سلمان في خطابه الجديد على فئة الشباب، كونها الفئة الأكثر تجاوبًا مع رؤيته الإصلاحية المعلنة.
الضغوط الخارجية
تتعرض المملكة لحملة من الضغوط الخارجية ما بين اتهام لبعض مشايخها بالتحريض على التطرف والإرهاب، وتغزية الجماعات المتطرفة في مناطق العالم الملتهبة بالأفكار الهدامة والتكفيرية التي تشجع على القتل والتدمير والخراب من جانب، واستنكار سجل المملكة الحقوقي، حيث واجهت عشرات الانتقادات بسبب العديد من الممارسات التي وصفها الغرب بأنها تحمل انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان في المجتمع السعودي، خاصة أن هناك ما يقرب من 30 ألف مواطن معتقل داخل السجون السعودية المختلفة، معظمهم سجناء رأي وليسوا جنائيين، حسبما جاء على لسان الدكتور محمد فهد القحطاني، رئيس جمعية الحقوق المدنية والسياسية، والذي طالب بضرورة فتح هذا الملف للوقوف على الدوافع الحقيقية وراء هذه الاعتقالات وسندها القانوني.
رؤية محمد بن سلمان الإصلاحية تسعى في كثير من محاورها إلى تقديم صورة إيجابية للمملكة خارجيًا، وذلك من خلال تبرئة ساحتها مما نسب إليها بشأن تغزية التطرف والإرهاب، وهو ما قد يدفعه إلى شن حملة من الاعتقالات ضد عدد من الدعاة المصابين بـ”جمود فكري” على حد وصفه.
تصريحات ابن سلمان السابقة أشار فيها إلى أن نصف علماء الوهابية يمكن إقناعهم بالحوار بشأن رؤيته الإصلاحية وضرورة تحسين صورة بلاده خارجيًا، والتراجع قليلاً عن بعض الفتاوى والمواقف التي من شأنها إثارة الغرب ضد المملكة، مما يعني أن هناك نصف آخر ربما لا يقتنع ومن ثم قد يحدث الصدام الذي يدفع بولي ولي العهد إلى التغلب عليه من خلال إسكاتهم عبر العديد من الوسائل في مقدمتها الاعتقال.