نشرت الولايات المتحدة قوات داخل مدينة منبج شمال سوريا وحولها لضمان عدم مواجهة الأطراف المختلفة بعضها بعضًا وإبقاء التركيز منصبًا على قتال تنظيم الدولة الإسلامية، وحسب المتحدث باسم البنتاغون جيف ديفيس فإن القوات نُشرت هناك كي تكون إشارة واضحة “للردع والطمأنة”.
تطهير منبج من العدو
أشار المتحدث باسم البتاغون أن نشر القوات الأمريكية في منبج يأتي كرمز واضح لتطهير منبج من العدو وأضاف أنه لا حاجة لزحف الآخرين إليها في محاولات لتحريرها، في إشارة إلى قوات درع الفرات التي جعلت من منبج الهدف التالي لها لتحريرها من قوات سوريا الديمقراطية التي تتحصن فيها والتي أصبحت على مشارف غرب منبج، ويذكر أنه جرت اشتباكات للمرة الأولى منذ تحرير مدينة الباب بين قوات درع الفرات وقوات سوريا الديمقراطية في محيط بلدة العريمة.
وأكد مجلس منبج العسكري في بيان له أن التحالف بقيادة الولايات المتحدة عزز وجوده في المدينة في الآونة الأخيرة، وكان المجلس أعلن في وقت سابق أنه جرى اشتباك مع مقاتلي الجيش السوري الحر المدعومين من تركيا في غرب منبج، وأنه بعد هذا الاشتباك تم الاتفاق مع روسيا لتسليم قرى على خط المواجهة مع القوات التركية إلى سيطرة النظام السوري.
وتهدف هذه الخطوة لعزل منبج عن قوات “درع الفرات” وبهذا ستصبح تركيا أمام خيارات صعبة تبدو فيها المواجهة هي الراجحة، ليس مع قوات النظام السوري والقوات الكردية التي تصنفها أنقرة كتنظيم إرهابي وحسب، بل مع كل من الولايات المتحدة وروسيا أيضًا.
تحرك أمريكا نحو منبج في الوقت الحالي بالرغم من مواقفها الإيجابية السابقة لدرع الفرات يوحي أنها حاولت ولا تزال إدراج تركيا لمستنقع حرب في شمال سوريا بحجة القضاء على داعش
دخول الولايات المتحدة إلى منبج وتصريحات البنتاغون تنم عن منع تركيا من الدخول إلى منبج للسيطرة عليها، وفي هذا إشارة واضحة أن العالم لا يشترك مع تركيا في رؤيتها للصراع شمال سوريا وإقامة مناطق آمنة هناك، وكانت تركيا انتقدت مرارًا الولايات المتحدة على دعم قوات سوريا الديمقراطية وتسبب هذا الملف في نشوب خلاف بين البلدين في فترة رئاسة أوباما.
وتزامنًا مع هذا أبدت وزارة الدفاع الأمريكية، البنتاغون، رغبتها في الاستمرار بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية في العملية ضد “داعش” في الرقة شمالي سوريا، إذ ترى أمريكا بهذه القوات بأنها الأنضج والأكثر كفاءة على قتال داعش في الرقة.
وحسب ما جاء في الأناضول عن مسؤول رفيع المستوى في البنتاغون، قوله إنّ “القرار الأخير منوط بالبيت الأبيض، لكن حاليًا تعاوننا مستمر مع قوات سورية الديمقراطية وشركائنا، وليس هناك سبب لتغيير هذا التعاون، وإذا رغبت الإدارة في إجراء أمر مختلف هناك أو إرسال جنود فهذا خيار آخر، لكن ليست هناك أسباب كثيرة لتغيير الخطة المعمول بها حاليًا”.
ولا يزال الدعم العسكري الأمريكي ممثلًا بتوريد الأسلحة والمدرعات المصفحة وغيرها يصل ليد قوات سوريا الديمقراطية ويرى المسؤول في البنتاغون أن الدعم العسكري سيستمر طالما هناك حاجة لذلك.
مصير مدينة منبج سيتقرر بعد زيارة الرئيس أردوغان لموسكو في 10 آذار الجاري
ولفت إلى “أن التجهيزات ضد كافة أنواع التهديدات الخاصة سنقدمها للتحالف العربي السوري المنضوي ضمن قوات سورية الديمقراطية فقط”، ذاكرًا في الوقت عينه أنّ “جميع الخيارات مطروحة على الطاولة”.
تطور الأوضاع العسكرية في الشمال السوري إلى هذا الحد دفع تركيا لأخذ خطوات أكثر جدية لاستيضاح الموقف الدولي والإقليمي من الصراع في الشمال السوري، ولعل اجتماع رؤساء أركان كل من تركيا وروسيا والولايات المتحدة في مدينة أنطاليا جاء لهذا الشأن بالإضافة لبحث آخر التطورات في العراق.
وبحسبما أكدته رئاسة الأركان التركية، في بيان لها اليوم الثلاثاء، أنّ رئيس الأركان التركي، الجنرال خلوصي أكا، استضاف اجتماعًا ثلاثيًا مع كل من رئيس الأركان الأميركي الجنرال دانفورد، والروسي الجنرال فاليري غيراسيموف، في مدينة أنطاليا التركية، حيث تم بحث الأوضاع الأمنية ذات الاهتمام المشترك في المنطقة، وعلى رأسها التطورات الأخيرة في كل من سورية والعراق.
تركيا تناور القوى الدولية
جاء التحرك الثاني لتركيا من خلال تحديد زيارة للرئيس التركي أردوغان إلى روسيا للقاء بوتين نهاية الأسبوع القادم في 10 مارس/آذار الجاري لاستكمال ما اتفق عليه الزعيمين التركي والروسي خلال لقائهم في أغسطس/آب الماضي، ويرى مراقبون أن
وتزامن هذا مع تحركات تركية لتفعيل ملف المياه عبر تخفيض مستوى مياه نهر الفرات كسلاح مضاد لسيطرة تنظيم الـ(بي واي دي) على مناطق غرب نهر الفرات وأشارت مصادر من داخل التنظيم أن محطات توليد الكهرباء في سد تشرين توقفت نتيجة انخفاض مستوى المياه.
تخشى تركيا نجاح جهود الأكراد في إقامة منطقة حكم ذاتي في سورية على غرار كردستان العراق في شمال العراق، وهو ما قد يحفز طموحات الأكراد بإقامة دولة انفصالية مماثلة في تركيا.
جعلت تركيا من منع إنشاء كيان كردي على حدودها أولوية للحكومة، حيث تخشى تركيا نجاح جهود الأكراد إقامة منطقة حكم ذاتي في سورية على غرار كردستان العراق في شمال العراق، وهو ما قد يحفز طموحات الأكراد بإقامة دولة انفصالية مماثلة في تركيا.
الدكتور باسل الحاج جاسم يرى في مقال قديم له أن هناك عجز أمريكي عن إدراك “حدود المساومة” عند شركائها ومنافسيها في إشارة إلى تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري والأكراد، ويخلص الجاسم أن واشنطن تحاول استدراج أنقرة إلى حرب واسعة ضد “داعش”، بعد أن سبق وضللتها في مخططاتها لدعم الامتداد السوري للعمال الكردستاني، وأن دورها لن يتعدى كونه أداة للحرب على “داعش”، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك. ويضيف أنه إذا لم تكن هناك حلول سياسية – عسكرية تعالج الخلل والأسباب التي مكّنت “داعش” من الظهور والازدهار، فستولد الحرب الحالية حروبًا عدة، ومعظمها سيكون بين حلفاء واشنطن في سوريا والعراق.
السيطرة على مدينة منبج من قبل تركيا سيكون محط صراع دولي إقليمي في الفترة المقبلة وسيحدد شكل العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة برئاسة ترامب
والخلاصة أن السيطرة على مدينة منبج من قبل تركيا سيكون محط صراع دولي إقليمي في الفترة المقبلة وسيحدد شكل العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة برئاسة ترامب، وإذا لم تستطع تركيا المناورة مع القوى الدولية والإقليمية حول الصراع في شمال سوريا فإن هدف درع الفرات سيتعطل وتذهب خطة المناطق الآمنة أدراج الرياح.
ومن جهة أخرى تحرك أمريكا نحو منبج في الوقت الحالي بالرغم من مواقفها الإيجابية لدرع الفرات سابقًا يوحي أن أمريكا حاولت ولا تزال إدراج تركيا لمستنقع حرب في شمال سوريا بحجة القضاء على داعش، وأن موافقتها للدخول إلى الشمال لا يعني السماح لتركيا بمد نفوذها بأكثر مما هو مسموح لها في المنطقة.