ترجمة وتحرير نون بوست
بالنظر إلى الإحصاءات، تحتل الأخطاء الطبية المرتبة الثالثة بعد أمراض القلب والسرطان على لائحة أسباب الوفيات في الولايات المتحدة وذلك وفق ما صرح به جرّاح مستشفى جونز هوبكنز، مارتين مكاري.
من هذا المنطلق، حثّ مكاري مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها على إضافة الأخطاء الطبية على اللائحة السنوية للمركز التي تتضمن الأسباب الرئيسية للوفيات. في هذا الصدد، أكد مكاري، من خلال الدراسة التي أجراها والتي تكفلت المجلة الطبية البريطانية بنشرها في شهر أيار/مايو سنة 2016، على أن عدد ضحايا هذه الأخطاء لا يقل عن 250 ألف شخص في السنة. وبالتالي، نوّه الناطق باسم مركز مكافحة الأمراض بجسامة الأخطاء الطبية وضرورة إيلائها الاهتمام اللازم.
في الأثناء، تستند الإحصاءات الرسمية للوفيات في الولايات المتحدة على شهادات الوفاة التي تشير إلى المرض أو سير عملية العلاج، وذلك عند التصريح عن السبب الكامن وراء الوفاة، دون أخذ المضاعفات التي ترافق الجراحة أو الرعاية الطبية بعين الاعتبار. علاوة على ذلك، يؤكد الناطق الرسمي أن الأخطاء الطبية لا يتم ذكرها في تقارير الوفاة.
أثبتت الدراسات أن نسبة التشخيصات الخاطئة، أو المتأخرة، أو المنقوصة التي يقوم بها الأطباء تتراوح بين 10 و20 بالمائة
والجدير بالذكر أن أغلب المستشفيات تصب جلّ اهتمامها على احتواء انتشار العدوى والفيروسات داخلها في حين تبالي قلة قليلة بمعالجة الأخطاء التي يسهل تجنبها. وعلى الرغم من أن الأكاديمية الوطنية للطب بالولايات المتحدة قد دعت المستشفيات إلى التصريح عن الأخطاء الطبية بكل شفافية، إلا أن 28 ولاية أمريكية فقط طالبت مستشفياتها بذلك.
في الحقيقة، قد يضر الاعتراف بالأخطاء الطبية وملاحقتها بسمعة المستشفى أو يقودها إلى دعاوى قضائية مكلفة، الأمر الذي يثني المستشفيات عن التصريح بالأخطاء. في هذا السياق، سلّط الطبيب والمحامي، لورانس شلاتر، ومؤلف كتاب “الممارسات الخاطئة: جراح أعصاب يكشف كيف يعرّض نظام الرعاية الصحية المرضى للخطر”، الضوء على أكثر المشاكل شيوعا التي قد يواجهها المرضى في المستشفيات.
1- في حالة واحدة من بين 1000 إلى 1500 جراحة باطنية، يتم نسيان جسم غريب فيها داخل جسم المريض
خلال سنة 2001، شدد كين كيزر، المدير التنفيذي الأسبق للمنتدى الوطني للجودة، على عبارة “حدث غير وارد على الإطلاق” في إشارة منه إلى الأخطاء الطبية الصادمة التي لا يجب أن تحدث أبدا. في الواقع، تتضمن قائمة الأخطاء الطبية 29 حادثة تم توزيعها على فئات مختلفة على غرار الحوادث الجراحية، والمنتجات والأجهزة الطبية، وحماية المريض، والرعاية، والحوادث البيئية، والإشعاعية، والجنائية. كما أضاف كيزر أن صفة “حدث غير وارد على الإطلاق” تنطبق مثلا على الجراحات التي تُجرى على المريض الخطأ.
وتجدر الإشارة إلى أن إحدى الأخطاء التي تقع في كثير من الأحيان، والتي تندرج ضمن خانة الأحداث غير واردة الحدوث، تتمثل في ترك أجسام غريبة داخل جسم المريض أثناء الجراحة حيث أن الإسفنج الجراحية يتصدر اللائحة، تليه الإبر، والمقصات، والكماشات، والمشابك. وفي السياق ذاته، تقدّر دراسة نشرتها مجلة “نيو إنغلاند” الطبية أنه يتم ترك جسم ما في حالة واحدة من بين 1000 إلى 1500 جراحة باطنية.
من جهة أخرى، تكون نتائج الخطأ الآنفة ذكرها مؤلمة إذ أنها تتطلب عملية جراحية إضافية، حتى أنه في بعض الأحيان تنتهي الحادثة بموت المريض. علاوة على ذلك، تشير الأرقام إلى أن قرابة 20 بالمائة من المرضى الذين تُترك داخلهم أداة جراحية يعانون من إصابة دائمة، في حين أن 20 بالمائة منهم يموتون نتيجة ذلك.
قد يضر الاعتراف بالأخطاء الطبية وملاحقتها بسمعة المستشفى أو يقودها إلى دعاوى قضائية مكلفة، الأمر الذي يثني المستشفيات عن التصريح بالأخطاء
من جهتهم، يُطالب طاقم غرفة العمليات بإحصاء جميع الأدوات الجراحية حوالي أربع مرات قبل وبعد الجراحة بهدف التأكد من وجودها. في المقابل، تستمر الأخطاء بالحدوث، حيث أن معظمها يُرتكب خلال العمليات الجراحية الطارئة أي عندما تكون السرعة هي جوهر المسألة. والجدير بالذكر أن الأشعة السينية من شأنها الكشف عن جسم معدني تُرك داخل جسم المريض، لكن الحال يختلف حين يتعلق الأمر بوجود الإسفنج.
في الحقيقة، يتسبب الإسفنج في أكثر من ثلثي الحوادث. لكن، المستشفيات لم تسارع في البدء باعتماد الإسفنج المجهز بأجهزة تتبع إلكترونية وهو ما أثبته تقرير نشرته صحيفة “يو إس إيه توداي” الأمريكية سنة 2013، الذي ذكر أن أقل من 15 بالمائة من مستشفيات الولايات المتحدة تستخدم الإسفنج القابل للتتبع.
ويأتي ذلك بالتزامن مع رفض الرعاية الطبية التكفل بالنفقات المترتبة عن مثل هذه الأخطاء، فيما تتكبّد المستشفيات مبالغ طائلة تتراوح بين 100 ألف دولار و200 ألف دولار أمريكي كتكاليف قضائية جراء هذه الممارسات الخاطئة.
منذ عقد مضى، مثّل تقرير تاريخي حول جودة الرعاية الصحية، نقطة تحول في مسألة الممارسات الخاطئة حين صنّف الإسفنج والأدوات الجراحية المفقودة ضمن أخطر فئة من الأخطاء الطبية. وعلى الرغم من التقرير الصادر عن المنتدى الوطني للجودة، وهي منظمة غير ربحية يموّلها الكونغرس، تحثّ على الإبلاغ الإجباري وتتبع الأخطاء الطبية، إلا أنه لغاية اليوم، لم يتم الإبلاغ عن كل الحالات التي تقع وذلك وفقا لما لاحظه المركز الوطني للمعلومات التقنية الحيوية.
2- بعض الأطباء مهملون أو غير أكفاء
في الحقيقة، لا يخلو الأطباء من العيوب، على الرغم من أن العديد من المرضى يعتبرونهم معصومين من الخطأ. فقد أثبتت الدراسات أن نسبة التشخيصات الخاطئة، أو المتأخرة، أو المنقوصة التي يقوم بها الأطباء تتراوح بين 10 و20 بالمائة.
أغلب المستشفيات تصب جلّ اهتمامها على احتواء انتشار العدوى والفيروسات داخلها في حين تبالي قلة قليلة بمعالجة الأخطاء التي يسهل تجنبها
علاوة على ذلك، يؤكد الطبيب لورانس شلاتر على عدم خلوّ المستشفيات من الإهمال الذي تسلل إلى الثقافة الطبية. كما أضاف شلاتر أنه في حال طُلب من مجموعة أطباء الإبلاغ عن طبيب غير كفء أو من شأنه أن يشكل خطرا، لما تردّدوا في ذلك. فقد أثبتت دراسة أُجريت سنة 2016 أن 1 بالمائة من الأطباء تمت مطالبتهم بدفع 32 بالمائة من تعويضات الممارسات الخاطئة خلال 10 سنوات الماضية.
وبالعودة إلى خطأ نسيان الأجسام الغريبة، نجد عامل الغرور الذي ذكره شلاتر في كتابه حيث أشار إلى أن العديد من الأطباء يهتمون لأمر مرضاهم بيد أن عملية عدّ الأدوات الجراحية يعدّ بالنسبة لهم “أمرا مملا” وبالتالي، لا داعي للقيام بها.
3- التعرض للدخان الجراحي يعادل تدخين 30 سيجارة غير مرشحة في اليوم
إن الدخان الجراحي هو عبارة عن نتيجة ثانوية لاستخدام الأجهزة الكهربائية عالية الحرارة وذلك بهدف شقّ وكيّ الجلد والأنسجة الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، يتم استعمال هذه الأجهزة خلال 95 بالمائة من العمليات الجراحية.
يشير حوالي نصف أطباء الرعاية الصحية الأولية إلى أن مرضاهم يحصلون على رعاية طبية تفوق المطلوب
علاوة على ذلك، يحتوي الدخان الجراحي على ما يقارب عن 150 مادة كيميائية، نجد العديد منها في دخان السجائر، بما في ذلك 16 مادة كيميائية صنفتها وكالة حماية البيئة الأمريكية في فئة الملوثات ذات الأولوية إلى جانب المواد السامة والمسرطنة وحتى الفيروسات والبكتيريا.
ووفقا لتصريحات المعاهد الصحية الوطنية الأمريكية، يعادل التعرض للدخان الجراحي لمدة يوم واحد في غرفة العمليات تدخين حوالي 27 إلى 30 سيجارة غير مرشحة. علاوة على ذلك، أن بإمكان هذا النوع من الدخان نقل السرطان من الخلايا الخبيثة إلى الأنسجة الحميدة، كما أنه قادر على نقل الأمراض المعدية، بما في ذلك فيروس الورم الحليمي البشري. وبالتالي، وفقا لما أكده مركز السيطرة على الأمراض، فإن هذه المواد المسرطنة، وناقلات العدوى من شأنها أن تشكل خطرا محتملا على كل من صحة طاقم غرفة العمليات والمرضى.
4- عدد هائل من الاختبارات، أغلبها غير ضروري
إن الاختبارات الغير ضرورية تعرّض المرضى إلى ضغوط ومخاطر في الحقيقة هم في غنى عنها، كما تكبدهم تكاليف لا داع لها. في المقابل، يرى البعض أن تلك الاختبارات الإضافية قد تمثل النقطة الفاصلة بين الحياة والموت، وهو ما يؤكده لورانس شلاتر.
تحتل الأخطاء الطبية المرتبة الثالثة بعد أمراض القلب والسرطان على لائحة أسباب الوفيات في الولايات المتحدة
من جهة أخرى، يشير حوالي نصف أطباء الرعاية الصحية الأولية إلى أن مرضاهم يحصلون على رعاية طبية تفوق المطلوب، وذلك نقلا عن دراسة أجرتها كلية دارتموث الإنجليزية سنة 2001. في الأثناء، صرح مكتب الميزانية في الكونغرس أن حوالي 30 بالمائة من الرعاية الصحية في الولايات المتحدة تعدّ غير ضرورية.
في الختام، ذكرت إحدى الدراسات أن 97 بالمائة من أطباء غرفة الطوارئ يأمرون مرضاهم بإجراء اختبارات صور لا داعي لها. وعند سؤالهم عن السبب، يقدّم الأطباء إجابات غير شافية لا تستند على أية وقائع علمية.
المصدر: هافينغتون بوست