يضيق الخناق على سكان أحياء الشيخ مقصود والأشرفية في حلب نتيجة الحصار الجزئي الذي تفرضه الفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام السوري، والفساد المستشري في مؤسسات الإدارة التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (pyd)، لأسباب تتعلق بتحكم شخصيات مقربة من قادة “وحدات الحماية” الذراع العسكرية للحزب، في قطاعات العمل الإغاثي والاقتصادي، وهيمنتهم على قطاعات العمل كافة، وأنشطة التهريب والتحكم بالأسواق والتوريد والاتجار بالسلع الأساسية.
فساد إداري
كشفت محادثات مسربة لمسؤولة في هيئة الاقتصاد بأحياء الشيخ مقصود والأشرفية (الواقعة تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية) بحلب، بريفان عبدو، مع مدير لجنة التموين، رشيد محمد، مدى الفساد الذي تعاني منه قطاعات العمل الإداري فيما يسمى بـ”الإدارة الذاتية” بحلب، وبدا واضحًا حجم عمليات السرقة المنظمة وسياسة التضييق التي تتبعها هيئات الإدارة على الأهالي.
كما جرى تداول تسريبات ومعلومات أخرى تتحدث عن الفساد، بكثافة خلال الأيام القليلة الماضية، وقد أثارت سخطًا واسعًا في الأوساط الشعبية التي تعاني أصلًا من الغلاء وعدم تناسب الأجور مع متطلبات المعيشة المكلفة للغاية.
طلبت المسؤولة في هيئة الاقتصاد في المحادثات المسربة من مدير لجنة التموين التابعة لبلدية الشعب، أن يخصص لها جزءًا من المصادرات التي يجري جمعها في أثناء عمليات الدهم التي تنفذها اللجنة في الأسواق، ومن ضمن المواد التي طلبتها بريفان عبدو، تبغ ومعسل نرجيلة، ليرد عليها مسؤول اللجنة، أنه من الصعب تخصيص كميات كبيرة، خوفًا من انكشاف أمره أمام مسؤولين آخرين في البلدية ولجنة التموين.
ووعدها بأن “يحسب حسابها” بكميات محدودة من المصادرات، وبشكل يومي، على أن يبقى الأمر سريًا فيما بينهما تلبية لرغبة مسؤولة هيئة الاقتصاد التي وعدت رشيد بترقيته ليتسلم منصبًا في الإدارة المالية في حال حفظ أسرار الفساد المشترك، ومن بينها قضية اختلاس عندما كانا في لجنة مشتريات.
قال رشيد حمو (ناشط في حي الشيخ مقصود بحلب) لموقع “نون بوست”: “الأوضاع في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية لم تعد تطاق بسبب الفساد والمحسوبية في مؤسسات الإدارة الذاتية، والتسريبات المتداولة عن رئيسة هيئة الاقتصاد والمسؤول في لجنة التموين جزء لا يذكر من الفساد المستشري داخل الأحياء المكتظة بالسكان، فهناك قرابة 400 ألف سوري يعيشون كرهائن داخل الأحياء التي يديرها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وذراعه العسكرية بحلب”.
يضيف حمو “سرق مسؤولو الإدارة وأشخاص محسوبون عليهم يعرفهم أبناء الأحياء، كميات ضخمة من المواد الإغاثية المخصصة لمتضرري الزلزال وباعوها في الأسواق بعدما خزنوها في مستودعاتهم، بالإضافة إلى السرقات الحاصلة في إدارة الكومينات (الكومين إدارة مصغرة تدير مجموعة من الناس في الحي أو القرية، ومسؤول الكومين في يده التحكم بالأنشطة والفاعليات الثقافية والصحية والاجتماعية والصناعية والاقتصادية والزراعية والأمنية، وهو مسؤول عن عمليات بيع وتوزيع الغاز والإغاثة والخبز والسكر والمواد التموينية الأخرى) للخبز والمحروقات والمواد التموينية، والتلاعب بالأسعار وعمليات ملاحقة المهربات التي لا تطال إلا المغضوب عليهم من الإدارة.
وأشار حمو إلى أن “التعاون والتستر بين الموظفين والمسؤولين الفاسدين في الإدارة يعد جزءًا من ظاهرة الفساد، مسؤولو الإدارة وعسكر الوحدات يتعاونون لحماية بعضهم البعض على حساب الناس، وهناك عدة آليات وأساليب يتم استخدامها لتحقيق ذلك الغرض، كالابتزاز والتهديد لإجبار الموظفين الصغار المشتركين في عمليات السرقة والاختلاس على عدم كشف المعلومات المتعلقة بالفساد، يمكن أن يشمل ذلك التهديد بالفصل من العمل أو حتى الخطر المباشر على السلامة الشخصية من خلال تقارير كيدية تقدم للجهاز الأمني، إضافة إلى الرشاوى والمكافآت، إذ يتم تقديم رشى ومكافآت مالية أو عينية للمشاركة في التستر، ويُمكن أن تشمل هذه المكافآت منح الوظائف المرموقة أو ترقيات، ومثالها الوعد الذي قدمته مسؤولة هيئة الاقتصاد لمسؤول لجنة التموين بأنها ستسهل وصوله إلى وظيفة في الإدارة المالية، ويعني الانتقال إلى هذه الوظيفة، بالضرورة، زيادة أكبر في عمليات الاختلاس”.
وأوضح حمو أن الشخصيات النافذة والفاسدة، تمتلك النفوذ والتأثير الذي يمنع ملاحقتهم أمنيًا وقضائيًا، مضيفًا “الدعم القادم من قيادة قسد شرق سوريا إلى أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب كبير، لكن لا يصل منه إلى الناس إلا كميات قليلة، أقل من 20%، وتستحوذ دائرة ضيقة من مسؤولي الإدارة والعسكر على 80% تقريبًا من الدعم المالي والعيني، المستفيدون فئة قليلة ويضاف إليهم فئة محسوبة على الإدارة وذراعها العسكرية، فمن رضيت عنه قيادة الوحدات وكان أحد أفراد عائلته عنصرًا في القوات الأمنية أو العسكرية، أو موظفًا في واحدة من الدوائر الخدمية، سيكون في مأمن وسيصله ضعف مستحقاته من المواد الإغاثية على سبيل المثال”.
سرقة المساعدات وحرمان المناهضين
يتداول الأهالي الكثير من الشائعات والمعلومات والاتهامات عن شخصيات تعمل في مؤسسات الإدارة وبلدية الشعب ومسؤولي الكومينات، تتمحور الاتهامات الموجهة لمسؤولي الإدارة ومن خلفهم عسكر الوحدات حول عمليات الاختلاس وسرقة الإغاثة وبيعها في أسواق الأحياء، وحرمان عائلات رفضت إشراك فتياتها في الأنشطة الحزبية ومنعتهن من الالتحاق بأنشطة وفعاليات تنظمها الشبيبة الثورية (تنظيم يتبع قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وهو مسؤول عن عمليات التجنيد واستقطاب الشبان والشابات وإدماجهم في الأنشطة الحزبية والثقافية والعسكرية) المسؤولة عن عمليات التجنيد في صفوف وحدات حماية المرأة.
ومن أشهر الأسماء المتداولة على قائمة الشخصيات المتنفذة والفاسدة في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية: عارف محمد، وهو مسؤول كومين نشتمان في الشيخ مقصود، ومسؤولات في هيئة الاقتصاد والبلدية أشهرهن المسؤولة مزكين وجيلو بلكور، وآخرين مسؤولين عن عمليات توزيع الإغاثة.
وقالت مصادر متطابقة في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب لموقع “نون بوست”: “مستودعات الإدارة والوحدات الكردية وذراعهم الأمنية (الأسايش) وضعت يدها على المساعدات التي دخلت الأحياء بعد وقوع زلزال 6 فبراير/شباط، وما تم تسليمه للسكان لا يساوي 20% من الكميات الكبيرة التي جرى تخزينها، وهي عادة ما يتم توزيعها على مراحل على مقربين وقادة في التنظيم العسكري والأسايش، بغرض استقطاب مجندين جدد، كما يتم طرح القسم الأكبر من المساعدات المخصصة لمتضرري الزلزال في الأسواق، فيمكن بسهولة مشاهدة سلع المساعدات في دكاكين الأحياء تباع على بسطات في شوارع الشيخ مقصود والأشرفية”.
الفساد في قطاع الإنشاءات والبلدية
تعد قضية السجن المركزي الذي تبنيه الإدارة في المنطقة الواقعة بين السكن الشبابي ومنطقة الشقيف على أطراف حي الشيخ مقصود شمال المدينة حلب، القضية الأكثر تداولًا بين سكان الأحياء بعدما أشيعت معلومات تتحدث عن تورط عدد من مسؤولي الإدارة وعسكر الوحدات بسرقة مخصصات المشروع، وإنهاء المراحل الأولى من المشروع بشكل غير مطابق للمواصفات المطلوبة، بالإضافة إلى المعلومات التي تتحدث عن الهدف من بناء السجن، ومحاولة تعزيز القبضة الأمنية من الإدارة الذاتية واعتقال كل من يخالفها.
وفي سياق الحديث عن الفساد في قطاع الإنشاءات وعمليات الاستيلاء على عقارات ومبان تعود ملكيتها لمعارضين ومهجرين من أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، تبرز قضية الإنشاءات المخالفة التي تعتبر قطاعًا استثماريًا جاذبًا للمتنفذين في التنظيم الكردي بعدما أصبحت مناطق سيطرتهم في قلب مدينة حلب منطقة جذب للسكان الباحثين عن خدمات أفضل، ومستوى معيشة وفرص عمل لا تتوافر عادة في باقي الأحياء التي يسيطر عليها النظام السوري في المدينة، وبالتالي خلق الجذب السكاني حاجة ملحة للإسكان، وارتفع سوق الإيجارات وأصبح معه التوسع في عمليات البناء نشاطًا مربحًا.
كذلك أعيد تأهيل الكثير من المنازل والشقق التي تعود ملكيتها إلى مهجرين في الأحياء كي يتم تأجيرها، لكن المشكلة تكمن في المواصفات الفنية التي تبنى على أساسها الأبنية الحديثة التي عادة ما تكون غير متطابقة في ظل التغافل المقصود من بلدية الشعب التي تعتبر شريكة في مثل هذه المشاريع الربحية عبر شخصيات نافذة فيها.
تتنوع استثمارات مسؤولي الإدارة الذاتية التابعة للحزب وذراعيه في الأحياء الخاضعة لسيطرتهم، وفي ريفها شمالًا، فمعظم المطاعم والمنتزهات وصالات الألعاب ترجع ملكيتها في الظل للمسؤولين، ويديرها أشخاص مقربون منهم
وبسبب الفساد في قطاع الإنشاءات كان حي الشيخ مقصود بداية العام 2023 على موعد مع مجزرة راح ضحيتها العشرات بانهيار بناء سكني، حين قتل 17 مدنيًا بانهيار بناء سكني في شارع معروف الخاضع لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية بحلب.
المبنى السكني المنهار مؤلف من 5 طبقات، وتسكنه 7 عائلات قتل معظم أفرادها تحت الأنقاض، ونجا عدد قليل بسبب الانهيار الكلي للمبنى، والمتعهد الذي قام بإنشاء البناء المنهار هو محمد فوزي (أبو عارف)، وهو نفسه مالك البناء، ولد 1964 في قرية كوليان بريف منطقة عفرين ويقيم في حي الشيخ مقصود بحلب، وأنشأ البناء السكني عام 2018، وهو بناء مخالف.
فوزي هو مسؤول سابق في بلدية الشعب التابعة لوحدات الحماية بحلب، ولديه سجل حافل بالفساد، والبناء السكني المنهار ليس الوحيد الذي يملكه فوزي في حي الشيخ مقصود، حيث استفاد من علاقاته بوحدات الحماية بالاستثمار بالعقارات في الفترة ما بعد العام 2018، أي بعد سيطرة المعارضة السورية على منطقة عفرين، حين توجهت أعداد كبيرة من أبناء المنطقة النازحين نحو الأحياء الكردية بحلب، فزاد الطلب على السكن وارتفعت أسعار الإيجارات، وبات القطاع مربحًا للكثير من المتعهدين والتجار المحسوبين على وحدات الحماية.
تتنوع استثمارات مسؤولي الإدارة الذاتية التابعة للحزب وذراعيه (الأمني والعسكري) في الأحياء الخاضعة لسيطرتهم في مدينة حلب، وفي ريفها شمالًا (مناطق الشهباء)، فمعظم المطاعم والمنتزهات وصالات الألعاب ترجع ملكيتها في الظل للمسؤولين، ويديرها أشخاص مقربون منهم، ويتحكم هؤلاء في شبكات الإنترنت وأسطول الصهاريج الذي يغطي التجمعات السكنية التي لا تصلها مياه شرب كافية.
يستفيد هؤلاء من عمليات التهريب بين أحياء الشيخ مقصود والأشرفية بمدينة حلب ومناطق سيطرة الحزب في الريف الشمالي (مناطق الشهباء)، وغالبًا ما يقصد الشباب في مناطق النظام ممن هم في سن الخدمة العسكرية الإلزامية الأحياء الواقعة تحت السيطرة الكردية للهرب من التجنيد، ولأغراض أخرى كالعمل في ورشات الخياطة المنتشرة بكثرة، أو بهدف الانطلاق منها نحو الشمال حيث تسيطر الفصائل المعارضة ومنها نحو تركيا.