“عزز التحالف قواته في منبج وحولها، لردع التصرفات العدائية وتعزيز الحكم ومنع الوجود الدائم لقوات حماية الشعب الكردي” بهذه التغريدة فسّر المتحدث باسم التحالف الدولي ضد داعش الكولونال جون دوريون عمليات التحالف في سوريا، تأتي هذه التصريحات في وقت انتشرت فيه الصور والفيديوهات للدبابات الأمريكية في منبج حاملة للعلم الأمريكي، صوّرٌ قال عنها مسؤولون غربيون إنّ جديدها هو ظهورها للعيان ولا تعبّر عن زيادة القوات الأمريكية على الأرض.
ظهور الدبابات الأمريكية في منبج يأتي في وقت حقق فيه نظام الأسد وحلفاؤه الإرهابيون تقدمًا في قرى منبج بعد انسحاب مليشيات سوريا الديمقراطية قسد، في صفقة استلام وتسليم سمحت للنظام بإعادة ربط شمالي شرق سوريا بدمشق للمرة الأولى منذ ما يزيد على أربع سنوات، وأبقت الباب مفتوحًا أمام الأكراد لإنشاء دولتهم الموعودة، فيما كان الأهم من ذلك للأسد وحلفائه، حيث تم قطع الطريق أما قوات درع الفرات التي جاهدت طويلاً من أجل دخول المدينة للمشاركة في معركة الرقة التي تشكل عملية تحريرها الخطوة التالية.
بالعودة إلى المعركة التي تدور اليوم في مدينة منبج نجد رغبة أمريكية في الانفراد بمعركة تحرير الرقة مع الأكراد
في يوليو من العام 2012 خرجت مدينة منبج عن طوع النظام، واستطاعت من خلال التنسيق بين مجلسها المحلي وفصائل الجيش السوري الحر أن تحافظ على قوامها المدني وكذلك على كل المؤسسات الخدمية التي تقدم خدمات للمواطنين، فضلاً عن أنها من المدن القليلة في الشمال السوري التي لم تشهد عمليات تخريب وسرقة ونهب، الأمر الذي جعلها نموذجًا لوعي المواطن السوري في القدرة على الارتقاء بحس المسؤولية والإدارة والتنظيم.
هذا الوعي والنظام الذي عاشته المدينة في عهد الحرية جعلها هدفًا لأطماع الدولة الإسلامية (داعش)، ففي آذار من عام 2013 بدأ تنظيم داعش بالتسلل إلى المدينة، وذلك من خلال مجموعات صغيرة تحاول إقناع المواطنين بأنها لا تهدف سوى الدعوة إلى الله وبيان العقيدة السليمة ولا مطمع لها بسلطة ولا مال، وقد حاولت هذه المجموعات في بداية مجيئها عدم الاصطدام بأي تشكيل للجيش الحر، زاعمةً أنها لن تتدخل بالشأن المدني والإداري أو الخدمي للمدينة.
في مطلع أيلول من العام 2013 ازداد عدد المجموعات الإسلامية في منبج، كما ازداد عتادها وسلاحها، وتحول خطابها من طور الداعية المسالم إلى طور المهاجم الذي يريد الانقضاض على السلطة، فبدأت بوضع يدها على بعض المرافق الاقتصادية في المدينة (المطاحن – مؤسسة الأعلاف) وكذلك قامت باحتلال القصر البلدي والمركز الثقافي الذي يُعدّ من أهم الصروح الحضارية في منبج، إلى أن استولت على المدينة.
منذ أيار 2016 قامت قوات حماية الشعب مدعومة بغطاء جوي أمريكي كثيف بمحاصرة مدينة منبج الواقعة بريف حلب الشرقي، وذلك تحت ذريعة محاربة تنظيم داعش، وفي سياق هذا الهدف أسهم الأمريكان في توفير كامل الشرعية لحزب الاتحاد الديمقراطي باعتباره قوة سياسية وعسكرية موجودة على الأرض السورية تسعى – بالتنسيق مع المجتمع الدولي – إلى محاربة الإرهاب واستئصاله من سوريا.
ظهور الدبابات الأمريكية في منبج يأتي في وقت حقق فيه نظام الأسد وحلفاؤه الإرهابيون تقدمًا في قرى منبج بعد انسحاب ميلشيات سوريا الديمقراطية قسد
وبالعودة إلى المعركة التي تدور اليوم في مدينة منبج نجد رغبة أمريكية في الانفراد بمعركة تحرير الرقة مع الأكراد، في حين تبقى الأطراف الأخرى متصارعة في خطوطها الحمراء، حيث صارت منبج اليوم بين أيدي الأكراد المدعومين أمريكيًا، وحليفهم الأسد المدعوم روسيًا.
أربع قوى لا لشيء إلا لمنع قوات درع الفرات المدعومة تركيًا من الوصول إلى الرقة، التحول اللافت هذا سيجعل تركيا وحليفها الجيش السوري الحر أمام مواجهة حتمية مع قوات النظام ومن خلفها روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، إذا ما قرروا التقدم باتجاه مدينة منبج، وحتى المواجهة المباشرة بين القوى المحتشدة في منبج تبقى كاحتمال قائم في الميدان أمام حتمية المواجهة السياسية وتأثيرها العميق على شكل التوازنات والتحالفات الجارية بين القوى الأربعة.
كل هذه الحشود والأعلام التي ترفع في منبج، ما هي إلا ترجمة لملامح القوى العسكرية المشاركة في معركة تحرير الرقة، معركة يراد أن يُقصى منها الأتراك، نظرًا لأنها ستكون الحرب الأخيرة في سوريا والمسودة الرسمية لسوريا ما بعد الثورة.