في الوقت الذي تؤكد فيه دول الجوار والمجموعة الدولية ومعظم الأطراف الداخلية أن الحوار السياسي هو الكفيل وحده بحل الأزمة الليبية، يتفاجأ الجميع بإعلان مجلس النواب المنعقد في طبرق (شرق) إلغاء قرار اعتماده للاتفاق السياسي والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بالإضافة لتعليق مشاركته في الحوار السياسي، بسبب تطورات الوضع في منطقة الهلال النفطي، وسيطرة قوات “سرايا الدفاع عن بنغازي” على ميناءين نفطيين ومواقع أخرى بهذه المنطقة، الأمر الذي قد يهدّد العملية السياسية في البلاد، حسب العديد من الخبراء.
تعليق اعتماد الاتفاق
في خطوة تصعيدية مفاجئة، أعلن مجلس النواب الليبي المنعقد في طبرق، أمس الثلاثاء، إلغاء قرار سابق اعتمد فيه الاتفاق السياسي بين الفرقاء الليبيين بمدينة الصخيرات المغربية في ديسمبر 2015، وسبق ذلك إعلان أكثر من 70 نائبًا بالمجلس خلال اليومين الماضيين مقاطعتهم للحوار السياسي، احتجاجًا على هجوم سيطرت خلاله سرايا الدفاع عن مدينة بنغازي على منطقة الهلال النفطي.
عقب انتهاء جلسته، قال الناطق الرسمي باسم المجلس عبد الله بليحق، في تصريح رسمي نشرته إدارة الإعلام في مجلس النواب: “مجلس النواب قرر تعليق الحوار ورفض الملحق الأول من الاتفاق السياسي الذي يخص تسمية رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، إلى حين صدور بيان واضح من الأطراف الأخرى المشاركة معه في الحوار بخصوص الهجوم على الهلال النفطي من قبل سرايا الدفاع عن بنغازي”.
وكان المجلس قد أصدر قرارًا بداية العام الماضي يؤيد الاتفاق السياسي مع التحفظ على المادة الثامنة واعتماد المجلس الرئاسي وتكليفه بتشكيل حكومة وفاق وطني، وينصّ اتفاق الصخيرات الموقع في الـ17 من شهر ديسمبر 2015، على إنشاء مجلس رئاسي ليبي يتيح تشكيل حكومة وفاق وطني تجمع كل الأطراف الليبية، تقود مرحلة انتقالية من عامين تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية، غير أن الحكومة لم يتم تنصيبها من لدن المجلس لخلافات في تحديد أسمائها رغم اعتماد اتفاق الصخيرات.
تعاني ليبيا من أزمة سياسية حادة منذ عام 2011، وانفلات أمني وانتشار للسلاح دون أن تلوح في الأفق القريب مؤشرات الوصول إلى حلول لها
بقراره هذا يعمق مجلس النواب المنعقد في طبرق الأزمة التي تعرفها ليبيا منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي في أكتوبر 2011، ويعرقل الحوار السياسي الذي ترعاه دول الجوار، حسب عديد من المراقبين، مما يعقد الوضع أكثر ويهدد جهود إحلال السلام والاستقرار، واستحق مجلس النواب أشهر عديدة لإقرار اعتماد اتفاق الصخيرات بعد رفض العديد من النواب له وتحفظهم على عدد من النقاط.
وتعاني ليبيا من أزمة سياسية حادة منذ عام 2011، وانفلات أمني وانتشار للسلاح دون أن تلوح في الأفق القريب مؤشرات الوصول إلى حلول لها في ظل الخلافات الداخلية بين الأطراف التي تتنازع السلطة، حيث توجد ثلاث حكومات متصارعة هي الوفاق الوطني وحكومة الإنقاذ في طرابلس، بالإضافة إلى الحكومة التي انبثقت عن مجلس النواب، وتدعى “المؤقتة” في مدينة البيضاء.
دعوة للحوار
في غضون ذلك، نددت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، بإلغاء مجلس النواب اعتماد اتفاق الصخيرات وتعليق مشاركته في الحوار السياسي، وأعربت عن استيائها الشديد من هذا القرار الذي ينسف جهود الحوار والوفاق والمصالحة الوطنية والسياسية على مدار عامين متواصلين، لافتة إلى أن القرار ستكون له تداعيات خطيرة على الوحدة الوطنية والاجتماعية والجغرافية وعلى جهود إحلال السلام والاستقرار في ليبيا.
من جهتها، أكدت اللجنة الوطنية المعنية في ليبيا، المجتمعة في مصر لمناقشة آخر تطورات الوضع، “أن الحل السياسي التوافقي المبني على الاتفاق السياسي الليبي هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية بشكل يحفظ حرمة الدم الليبي، ويصون مقدرات الشعب”، بحسب بيان المتحدث العسكري.
إلى جانب ذلك، قال المبعوث الأممي لدى ليبيا مارتن كوبلر، إن الحوار السياسي وحده قادر على حل الأزمة الليبية، وأكد كوبلر في بيان وزعته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مساء أمس على أن الأولوية العاجلة هي التخفيف من حدة التوترات ومنع وقوع المزيد من الخسائر في الأرواح وضمان أن تكون البنية الأساسية الوطنية والموارد الطبيعية الليبية تحت سيطرة السلطات الشرعية، وشدد مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا في ختام بيانه على أن أي تسوية سياسية تشمل الجميع يتم التوصل إليها عن طريق التفاوض هي وحدها التي يمكنها أن تؤدي إلى السلام والأمن والاستقرار في ليبيا.
سبق أن أعلن وزراء خارجية مصر والجزائر وتونس مبادئ عامة لحل الأزمة بليبيا، تتمثل في التمسك بالحوار كمخرج وحيد
وفي سياق متصل، قال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط اليوم الثلاثاء إن هناك إمكانية لعقد اجتماع رباعي لدفع جهود السلام في ليبيا قبل نهاية مارس الحالي يضم لأول مرة الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة ،وأضاف أبو الغيط في حديث للصحفيين في ختام اجتماع لوزراء الخارجية العرب بالقاهرة أن هناك اتجاه لعقد هذا الاجتماع في مقر الجامعة العربية بالقاهرة قبل انعقاد القمة العربية المقبلة بالأردن في الـ29 من الشهر الحاليّ.
وسبق أن أعلن وزراء خارجية مصر والجزائر وتونس مبادئ عامة لحل الأزمة في ليبيا، تتمثل في التمسك بالحوار كمخرج وحيد، ورفض الحل العسكري والتدخل الخارجي في ليبيا بأي شكل من الأشكال والتعهد بمواصلة الجهود للتوصل إلى تعديلات توافقية على اتفاق الصخيرات، إلا أنها لم تجد أصداءً كافية لدى الفرقاء ولم تنضج رغبة حقيقية لديهم للحل.
المنشآت النفطية تحت أمر حكومة الوفاق الوطني
بعد أيام من سيطرة سرايا الدفاع عن بنغازي على مواني النفط في منطقة الهلال النفطي، أعلن آمر جهاز حرس المنشآت النفطية التابع لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا إدريس أبو خمادة استلام وتأمين مواني الهلال النفطي من السرايا، وقال أبو خمادة بمؤتمر صحفي في منطقة رأس لانوف شرقي ليبيا، وفق ما نقلته قناة الجزيرة، الثلاثاء، إن استلام قوات حرس المنشآت لحقول النفط كان بتفويض من مجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني.
كتائب قوات الدفاع عن بنغازي سيطرت على مواني النفط بعد أشهر من سيطرة قوات حفتر لها
وأضاف أن جهازه بعيد عن التجاذبات والصراعات السياسية وليس له أي مهام قتالية، وبحكم قانون إنشائه فهو يتبع للمؤسسة الوطنية للنفط، وأنهى مقاتلو “سرايا الدفاع عن بنغازي”، يوم الجمعة الماضي، سيطرة القوات التي يقودها خليفة حفتر على مينائي السدرة ورأس لانوف، بينما تستمر منذ سبتمبر الماضي سيطرة تلك القوات على ميناءي البريقة والزويتينية في الهلال النفطي، فضلاً عن ميناء الحريقة بطبرق (شرق)، مقر مجلس النواب، التابعة له قوات حفتر.
وكانت سيطرة حفتر على تلك المناطق في سبتمبر الماضي قد عرقلت تطبيق الاتفاق السياسي نتيجة شروط أعلنها ورفضتها أطراف ليبية عدة.
“سرايا الدفاع عن بنغازي” تشكيل عسكري أعلنته شخصيات بارزة، مطلع يونيو/ حزيران الماضي، لدعم مجلس شورى بنغازي (تحالف كتائب شاركت في إسقاط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011 في مواجهة قوات حفتر.