ترجمة وتحرير نون بوست
كلما تسلمت إدارة جديدة مقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، تنشب معارك طاحنة بين مساعدي الرئيس لنيل السلطة والقوة. وفي الأثناء، يتدافع الصحفيون في واشنطن فيما بينهم للظفر بالسبق الصحفي، ورصد “المكائد التي تحاك في القصر الرئاسي”، في حين يعمل كبار المساعدين على جعل الصحفيين يرصدون إنجازاتهم، لما في ذلك من دور أساسي في تدعيم نفوذهم.
في الوقت نفسه، يصب الصحفيين اهتمامهم على تلقي مقابل أتعابهم من قبل الطرف الذي سيدعمونه، والتأكد من أنه سيسرب لهم المعلومات فور استلامه للمنصب الذي يطمح في بلوغه. على العموم، هذه العملية عادة لا تثير اهتمام أي طرف من خارج واشنطن.
لا يمت العاملون في البيت الأبيض، وأمناء مجلس الوزراء والعديد من المستشارين الآخرين بأي صلة للحزب الجمهوري، نظرا لأن الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، امتنع عن اتباع نهج تيد كروز، أو أسلوب يمين الوسط
في سنة 2009، عين الرئيس المنتهية ولايته، باراك أوباما، على رأس الوظائف السامية والرئيسية في البيت الأبيض، وفي مجلس الوزراء، مجموعة من المساعدين السابقين الذين عمل لصالح، بيل كلينتون، وكبار الديمقراطيين في الكونغرس، وبعض الشخصيات المخضرمة في واشنطن، وعددا قليلا من حلفائه في شيكاغو.
وفي حال فازت هيلاري كلينتون بالانتخابات الرئاسية، كنا سنلاحظ اختلافا طفيفا في الأشخاص الذين سيتم تعيينهم في الوظائف العليا مقارنة بإدارة أوباما. وعموما، يشبه أوباما إلى حد كبير هيلاري كلينتون، فقد كان يمثل تيار وسط اليسار الديمقراطي، لذلك فالأشخاص الذين عينهم كانوا بمثابة انعكاس للفكر السائد في حزبه.
أما في الوقت الراهن، لا يمت العاملون في البيت الأبيض، وأمناء مجلس الوزراء والعديد من المستشارين الآخرين بأي صلة للحزب الجمهوري، نظرا لأن الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، امتنع عن اتباع نهج تيد كروز، أو أسلوب يمين الوسط؛ مثل جورج دبليو بوش وجيب بوش. ومن هذا المنطلق، يمكن القول بأن اختيارات ترامب لا تتسم بالقومية، فعلى الرغم من أن الأعضاء المنتمين للحزب الجمهوري في الكونغرس كان بإمكانهم ملء كل المناصب الشاغرة في البيت الأبيض، إلا أنه لم يتبع ذلك المنحى.
الأهم من كل ذلك، لا يوجد لدى ترامب أجندة سياسية شاملة، وخير دليل على ذلك، أنه لم يصرّح خلال حملته الانتخابية عن أي سياسة واضحة من المفترض أن يتبعها بمجرد تسلمه دفة الحكم، على خلاف منافسته آنذاك، هيلاري كلينتون. فكل ما كان يطمح إليه هو حظر المسلمين، وحتى هذا القرار لم يلق الرواج الذي سعى إليه، بعد أن تم تطبيقه على أرض الواقع. فضلا عن ذلك، لم يعالج خطاب ترامب الذي ألقاه في الجلسة المشتركة في الكونجرس، الأسبوع الماضي، القائمة الطويلة من القضايا المتشعبة، بل بدا خطابه غامضا بالنسبة للعديد من المتابعين.
وفي الأثناء، ونظرا لعدم وجود سياسة أو أيديولوجية واضحة تعنى بحل مثل هذه القضايا المستعصية، انبثقت القرارات التي اتخذها ترامب بالأساس من وجهة نظر ثلة من السياسيين الذين تمكنوا من الترويج لأفكارهم، ونشر البيروقراطية الفيدرالية بذكاء وحنكة، والتأثير تبعا على السياسة التي يعتمدها الرئيس الجديد.
على الصعيد ذاته، نددت وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية، الشهر الماضي، بكبير المحللين الإستراتيجيين لدى ترامب، ستيف بانون، الذي أثبت أنه على عكس ما كان يروج عنه بأنه رجل محنك وفطن وله مطلق السلطة في البيت الأبيض (نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا بعنوان “الرئيس ستيف بانون؟” في 30 كانون الثاني/يناير)، سياسي ساذج ويتعامل مع المسائل الشائكة ببساطة.
صب الصحفيين اهتمامهم على تلقي مقابل أتعابهم من قبل الطرف الذي سيدعمونه، والتأكد من أنه سيسرب لهم المعلومات فور استلامه للمنصب الذي يطمح في بلوغه
وتجدر الإشارة إلى أن بانون لم يعمل قَطُ في “الكابيتول هيل”، في حين أن الكونجرس لديه لائحة طويلة من الأسماء، التي من الممكن التعويل عليها للتأثير على الرئاسة، بشكل فعال أكثر من بانون. وفي هذا الإطار، سعى أعضاء الكونغرس للتحالف مع عضو آخر في فريق ترامب، وهو نائب الرئيس، مايك بنس. من جهة أخرى، وعلى الرغم من امتلاك بانون لرؤية واضحة وقوية بشأن السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أن منظور جيمس ماتيس أشمل، ولديه فرص أكثر للنجاح، فقد استطاع أن يدير وزارة الدفاع التي تضم ما يربو عن مليوني موظف في جميع أنحاء العالم.
في الواقع، انبثق من صلب إدارة ترامب ما لا يقل عن ثمانية أقطاب رئيسية، أصبحت مسؤولة عن القرارات والتصريحات المتخذة من قبل الرئيس الجديد منذ انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، وهو ما تم تأكيده أيضا من قبل العديد من الشخصيات المخضرمة في واشنطن، التي تربطها صلة مباشرة بفريق ترامب. ولفهم ما يحدث وسيحدث في هذه الإدارة، من الأهمية بمكان أن نفهم أقطاب السلطة، التي تتعاون فيما بينها أحيانا، وتتنافس في أحيان أخرى.
قطب بنون
الأعضاء: كبير المحللين الإستراتيجيين لدى ترامب؛ ستيف بانون، والنائب العام، جيف سيشنز، وكبير مستشاري الرئاسة للسياسات العامة، ستيفن ميلر، وكبير مستشاري الرئيس الأمريكي للأمن القومي ومكافحة الإرهاب، سباستيان غوركا، ورئيس المجلس التجاري القومي التابع للبيت الأبيض، بيتر نافارو.
في الحقيقة، لا بد أن نولي هذه اللائحة من الأسماء الأهمية القصوى، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنهم أكثر الأشخاص نفوذا (فمن المبكر جدا أن نجزم أي الأقطاب أكثر قوة ونفوذا). وفي الأثناء، بمقدور هذه المجموعة إحداث تغييرات جذرية في سياسة الولايات المتحدة، سواء داخليا أو خارجيا، خاصة وأن وجهات نظر هذه المجموعة تختلف تمام الاختلاف عن العقيدة التقليدية لكل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء.
فضلا عن ذلك، يعد هؤلاء المستشارون، وخاصة بانون، القوى الفكرية الخفية التي تقف وراء السياسة القومية التي يتبناها ترامب؛ بدءا من عدوانيته ومناهضته لاتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، وانتهاء بمعارضته للحركات المدافعة عن السود.
لا بد أن نولي هذه اللائحة من الأسماء الأهمية القصوى، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنهم أكثر الأشخاص نفوذا
في حقيقة الأمر، نجد ضمن القائمة التي استعرضناها آنفا، من يناهض وبشدة الهجرة غير الشرعية، بل إن البعض منهم عارض أيضا الهجرة الشرعية (يناقش كل من بانون وميلر ضرورة خفض أجور العاملين من المهاجرين في الولايات المتحدة)، في حين يعادي البعض الآخر الصين (ألف نافارو كتابا في سنة 2011 تحت عنوان “الموت من قبل الصين”). كما أن ثلة منهم قد أعربوا عن قلقهم من الإسلام (دعا جوركا إلى استخدام عبارة “الإسلام الراديكالي” عند الإشارة إلى الجماعات الإرهابية، وهو ما سعت كل من إدارة بوش وأوباما لتجنبه).
عموما، تعمل هذه المجموعة من الشخصيات البارزة على مقاومة العولمة والصفقات التجارية الكبرى، فضلا عن أنها قد اتخذت موقفا عدوانيا من النظام في واشنطن، والصحافة، والبيروقراطية الاتحادية، والمؤسسات التابعة لكلا الحزبين في الدولة. والجدير بالذكر أن هؤلاء السياسيين مصممين على توجيه ترامب ليحكم بأسلوب مختلف جدا عن الأسلوب الجمهوري التقليدي، الذي اعتمده كل من جورج بوش وميت رومني.
من جانب آخر، وإذا ما نظرنا إلى عن كثب لمجريات الأمور في البيت الأبيض، سنلاحظ أنه في حين يدير جيف سيشنز أحد الإدارات الرئيسية في الحكومة، يحظى كل من بانون وميلر بإدارة مركز قوى مهم للغاية؛ ألا وهو كل ما يصدر عن الرئيس. ففي إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، كانت مهمة كتابة الخطابات التي يدلي بها الرئيس والسياسة التي يعتمدها تحت إشراف إدارة منفصلة، أما في فترة الرئيس الحالي ترامب، فلا يضطلع ميلر فقط بمهمة كبير مستشاري رئاسة السياسات العامة، بل يُعنى أيضا بالإشراف على عملية كتابة خطابات ترامب، جنبا إلى جنب مع بانون المتورط في كتابة جل الخطابات والرسائل التي يوجهها الرئيس.
لا يوجد لدى ترامب أجندة سياسية شاملة، وخير دليل على ذلك، أنه لم يصرّح خلال حملته الانتخابية عن أي سياسة واضحة من المفترض أن يتبعها بمجرد تسلمه دفة الحكم
بالاعتماد على ذكر سابقا، لسائل أن يسأل، لماذا ليس هذا القطب بذاك السطوة والنفوذ؟ من المرجح أن السبب الرئيسي وراء ضعف هذا القطب، هو رفض أو معارضة الأقطاب السبع الأخرى لقراراته ووجهات نظره، إذ بمقدورهم إما معارضة قرارات ترامب، أو عدم تمويلها.
قطب بنس
الأعضاء: نائب الرئيس؛ مايك بنس، مدير البيت الأبيض للشؤون التشريعية؛ مارك شورت، وزير الصحة والخدمات الإنسانية؛ توم برايس، مدير وكالة حماية البيئة؛ سكوت بروت، وأخيرا، وزيرة التعليم؛ بتسي ديفوس.
في الواقع، بلغ بنس السلطة من خلال حثه للرئيس الجديد حتى يتبنى أجندة محافظة إلى أبعد الحدود. وخلال فترة حكم جورج بوش عين بنس رئيسا للجنة دراسات الحزب الجمهوري، التي كانت آنذاك تجمع أكبر عدد من الجمهوريين المتحفظين. وبعد عامين من تولي بنس لهذا المنصب، عيّن توم برايس رئيسا للعاملين في لجنة دراسات الحزب الجمهوري.
على الصعيد نفسه، راهن كل من بنس وبرايس على ضم أعضاء لجنة الدراسات للحزب الجمهوري إلى قائمة القيادة الرسمية للجمهوريين في مجلس النواب. وتعد هذه المسألة في غاية الأهمية، نظرا لأن بنس وحلفاءه نجحوا في الانضمام إلى دواليب إدارة البيت الأبيض، على غرار مدير البيت الأبيض للشؤون التشريعية، مارك شورت، الذي عمل مع بنس في الكونغرس، لقربهم من الجمهوريين في الكونغرس، ناهيك عن درايتهم الشاملة بالعمليات التشريعية؛ كاعتمادات الكونغرس السنوية.
لا يتشارك قطبا بانون وبنس التوجهات نفسها، خاصة فيما يتعلق بعقيدة المحافظين، فهم لا يخشون ولا يهابون اتفاقيات التجارة الحرة أو الهجرة، وسياستهم تتوافق مع عقيدة السيناتور تيد كروز، أكثر مما تتوافق مع سياسة بانون
في الحقيقة، كل من يطمح في تحقيق مآربه في واشنطن، ما عليه سوى العمل على تحويل بعض الهفوات الصغيرة إلى أحكام تشريعية كبيرة، وهو ما سيدفع الرئيس للتبجح بأفكاره في خطاباته أمام الملأ. لهذا السبب، يحظى قطب بنس بمكانة مرموقة، أتاحت له إمكانية فرض توجيهاته على الكونغرس. ولكن يبقى السؤال، ما الذي يرغبون في تحقيقه؟
من المثير للاهتمام، أن بنس يعطي أهمية قصوى للقضايا المتعلقة بالقيم الأخلاقية، على خلاف ترامب، حيث سعى خلال كامل مسيرته المهنية إلى الحد من ظاهرة الإجهاض، كما يعمل مع حلفائه على التصدي لبعض السياسات التي اعتبروها لا أخلاقية، على غرار برامج جمعية تنظيم الأسرة الأمريكية. ومن هذا المنطلق، بإمكان المحافظين الاجتماعيين الاعتماد على هذه المجموعة.
مما لا شك فيه أن بنس وحلفاءه استطاعوا تحقيق ما فشل فيه ترامب، ألا وهو تشكيل حكومة صغيرة متماسكة. وعلى سبيل المثال، اقترح ترامب مشروعا يُعنى بالبنى التحتية، يتطلب ما لا يقل عن بليون دولار، ولو كان بنس أو أحد حلفائه في مكانه ما كان ليقترحه أبدا. وبالتالي، إذا لم يقم ترامب بمفرده بدعم هذا المقترح والترويج له، فعليه أن لا يتوقع مبادرة نائبه لإقناع الكونغرس على الموافقة عليه.
من جانب آخر، لا يتشارك قطبا بانون وبنس التوجهات نفسها، خاصة فيما يتعلق بعقيدة المحافظين، فهم لا يخشون ولا يهابون اتفاقيات التجارة الحرة أو الهجرة، وسياستهم تتوافق مع عقيدة السيناتور تيد كروز، أكثر مما تتوافق مع سياسة بانون. عموما، لا تربط بروت وديفوس علاقة شخصية ببنس، إلا أنهما يؤمنان بسياسته وعقيدته. فهما مهتمان بتحويل إدارتيهما لخدمة أولوياتهم ذات التوجه المحافظ، على غرار خصخصة المدارس بالنسبة لديفوس، والحد من لوائح الشركات الخاصة بالنسبة لبروت. ومن غير المرجح أن يقوما بتحقيق هذه الأهداف إذا اتبعا طريقة بانون القومية.
قطب ماكين
الأعضاء: وزير الدفاع؛ جيمس ماتيس، وزير الأمن الداخلي؛ جون كيلي، مستشار الأمن الوطني؛ ماكماستر.
على الرغم من أن جون ماكين ليس جزءا من الإدارة الحالية للبيت الأبيض، إلا أنه يعمل على تحقيق أجندة خاصة وغير اعتيادية؛ تتمحور حول التأكد من أن لا تعكس خطابات ترامب حول حلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، وغيرها من القضايا التي تطرق إليها الرئيس الجديد خلال حملته الانتخابية، السياسة الخارجية الأمريكية. ولكن ماكين لا يعد الشخص الوحيد المضطلع بهذه المهمة.
خلال زيارات ماتيس لبلدان أخرى، كان وعن غير قصد، مصرا على دحض أفكار ترامب في كل مناسبة، فقد ندد مثلا بالتدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، وهو ما لم يقدم عليه ترامب. علاوة عن ذلك، وبدلا من التملص من مسألة الصحافة، أفاد ماتيس بأنه لا يوجد لديه أدنى مشكلة مع الصحفيين، مباشرة إثر انتقاد ترامب لهم في المؤتمر الأخير الذي عقده. أما ماكماستر، فقد ناهض وبشدة استخدام ترامب لعبارة “الإرهاب الإسلامي المتطرف”، ودعاه لتجنب اعتمادها في خطاباته، وفقا لصحيفة “بوليتيكو”.
يتمحور الخطر النابع من قطب بانون، حول سعيه لدفع ترامب لاعتماد سياسة خارجية تقليدية، وهو ما لن تتقبله روسيا، إلا أن ذلك سيكون في صالح ألمانيا وبقية دول أوروبا
في السياق ذاته، وفي أعقاب الفشل الذي منيت به الإدارة الجديدة على إثر قرار حظر السفر الذي أصدره ترامب ضد الأشخاص الوافدين إلى الولايات المتحدة من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، صرح كيلي أنه سيعمل في المستقبل على ضمان التحكم أكثر في مجريات هذا القرار، مع العلم أن ميلر كان له دور مهم جدا في قرار حظر السفر الأول، في حين كان تدخل كيلي مقتصرا على حدود منصبه كرئيس للأمن الوطني. وفي الأثناء، وفي حال أراد كيلي حقا أن يكون لديه كلمة الفصل بشأن هذه المسألة، سيكون عليه أن يضمن تفوقه على باقي كبار المستشارين في البيت الأبيض، أمثال ميلر.
على كل حال، يتمحور الخطر النابع من قطب بانون، حول سعيه لدفع ترامب لاعتماد سياسة خارجية تقليدية، وهو ما لن تتقبله روسيا، إلا أن ذلك سيكون في صالح ألمانيا وبقية دول أوروبا، كما سيساهم في تقليص حجم وحدة الخطابات العدوانية تجاه الإسلام والمسلمين، وهذه السياسة تتماشى مع سياسة ماكين.
والجدير بالذكر أنه وفي كانون الثاني/يناير، انتشرت شائعات مفادها أن ترامب سيرفع العقوبات التي فرضها أوباما على روسيا بسبب قرصنتها للانتخابات الأمريكية، ولكن هذا لم يحدث حتى الآن. وفي حال لم يرفع ترامب العقوبات، فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قوة قطب ماكين، خاصة وأن ترامب لم يكن متحمسا عندما تم فرض هذه العقوبات على روسيا.
في إدارة ترامب ما لا يقل عن ثمانية أقطاب رئيسية أصبحت مسؤولة عن القرارات والتصريحات المتخذة من قبل الرئيس الجديد
في الواقع، إن الخطر الكامن في قطب ماكين يتمثل بالأساس في أن ترامب قد عينهم في مناصب عليا، لمجرد أن يضفي على إدارته بعض المصداقية والهيبة (كيلي، ماتيس، وماكماستر، جنرالات محترمون)، ولكنه سيتعمد تجاهل مشورتهم في المسائل الحساسة. ولعل هذا القطب تنطبق عليه قصة “حكاية تحذيرية من كولن باول “، خلال حقبة جورج بوش.
وتجدر الإشارة إلى أن باول كان يشغل منصب وزير الخارجية الأمريكي، وقد كان مشهورا جدا، وذا شعبية عالية، فضلا عن أنه كان من المناهضين لحرب العراق، ولكنه فشل في إقناع بوش في العدول عن رأيه. في خلاصة الأمر، يبدو أن ترامب رجح كفة قطب بانون على قطب مستشار الأمن القومي، وخير دليل على ذلك استخدامه لعبارة “الإرهاب الإسلامي الراديكالي”، في الخطاب الذي ألقاه أمام الكونغرس الأسبوع المنصرم.
قطب الأصدقاء والعائلة
الأعضاء: زوج ابنة الرئيس ومستشار البيت الأبيض، جارد كوشنر، إيفانكا ترامب، المحامي الشخصي لترامب، مايكل كوهين، مستشارة مكتب الالتزامات العلنية في البيت الأبيض، أوماروسا مانيغولت.
تعتبر هذه المجموعة من أشد المقربين للرئيس الجديد، ومن المفترض ألا تكون قادرة على تقديم خدماتها لأي إدارة أخرى، حتى لو أدارها مرشح جمهوري آخر. ويوجد ثلاث نقاط هامة بخصوص هذه المجموعة، فعلى عكس الأقطاب التي تحدثنا عنها سابقا، هذه المجموعة لم تكن تربطها صلة قوية بالحزب الجمهوري أو حركة المحافظين، قبل أن يشاركوا في حملة ترامب، وهو ما قد يثير مخاوف قطبي بنس وبانون.
وفي هذا الصدد، إن أثبت ترامب جدارته فستحثه ابنته وزوجها على التخلي عن سياسات اليمين، الذين قد يتخلوا عن التزاماتهم معه (تبرع كوشنر بأمواله لعدد من مرشحي ومنظمات الحزب الديمقراطي، خاصة في نيويورك ونيوجرسي، وقد كانت حملة السيناتور كوري بوكر، في سنة 2014 من أبرز المستفيدين من تبرعاته، وفيما بعد تحول بوكر من أشد الناقدين لترامب. وفي الأثناء، قدمت إيفانكا ترامب الدعم لبوكر وسيناتور نيويورك، كيرستن غيليبراند).
تعتبر هذه المجموعة من أشد المقربين للرئيس الجديد، ومن المفترض ألا تكون قادرة على تقديم خدماتها لأي إدارة أخرى، حتى لو أدارها مرشح جمهوري آخر
ثانيا، لدى كل من إيفانكا وكوشنر علاقات مباشرة واتصالات منتظمة مع الرئيس، أكثر من مجلس وزرائه. وبالتالي، إن كنت أحد المساعدين في البيت الأبيض وتوترت علاقتك بكوشنر أو إيفانكا، فأيامك أصبحت معدودة، علما وأن الزوجان كانا وراء تخلي ترامب عن مدير حملته الأولى في سنة 2016. في المقابل، لا يملك هذا القطب سلطات عملية كبيرة، كما أن الجهة التي تمدهم بمختلف التقارير المتعلقة بالبيت الأبيض غير معلومة، فعلاقاتهما في “الكابيتول هيل” ليست عميقة.
خلال الحملة الانتخابية، اقترحت إيفانكا على والدها مشروع قرار لإنشاء برنامج بتمويل فدرالي، يعطي للأمهات إجازة لمدة 6 أشهر بعد الولادة. وقد صرح والدها بهذه الفكرة خلال خطاب أمام الكونغرس الأسبوع الماضي، ولكن عموم الجمهوريين لم يساندوا هذا البرنامج، ورأوا فيه استحقاقا فدراليا. فهل تتمتع إيفانكا بالقدرة على التأثير حتى تتمكن من فرض مثل هذه الأفكار ضمن أجندة الحزب الجمهوري، والحصول على دعم وتمويل لها؟
قطب الحزب
الأعضاء: رئيس موظفي البيت الأبيض، رينسي بريبوس، نائبة رئيس موظفي البيت الأبيض، كاتي والش، المتحدث باسم البيت الأبيض، شون سبايسر.
خلال فترة إدارة بوش، شغل شون سبايسر منصب المتحدث باسم الممثل التجاري الأمريكي، حيث كانت إدارة بوش داعمة لاتفاقيات التجارة العالمية. وفي سنة 2013، أصبح سبايسر يشغل منصب المساعد الأول لرئيس اللجنة الوطنية الجمهورية، رينسي بريبوس، الذي أصدر في تلك السنة تقريرا مفصلا حول حاجة الحزب الجمهوري لتغيير خطاباته حتى يحوز على رضى النساء والمواطنين غير البيض.
في المقابل، يتقلد سبايسر، في الوقت الراهن، منصب المتحدث باسم أكثر الرؤساء معارضة للتجارة الدولية في الذاكرة الحديثة، في حين أصبح بريبوس رئيس موظفي قائد اتهم خلال حملته الانتخابية بالعنصرية. ومن هذا المنطلق، يمكن القول بأن كلا من بريبوس وسبايسر، مثل غيرهم من من العاملين في كلا الحزبين، قد وضعا الطموحات الشخصية والولاء للحزب فوق أي اعتبار، حتى رؤاهم الشخصية(عمل والش أيضا في لجنة الحزب الجمهوري تحت قيادة بريبوس قبل أن يلتحق بالإدارة).
لا تجمع كل من والش وسبايسر وبريبوس أي علاقة معمقة مع الرئيس، ولكن جناح الحزب في البيت الأبيض مهم جدا
على ضوء ما ذكر آنفا، لا تجمع كل من والش وسبايسر وبريبوس أي علاقة معمقة مع الرئيس، ولكن جناح الحزب في البيت الأبيض مهم جدا؛ إذ أنهم يحاولون توجيه ترامب نحو مقاربات ستساعد الحزب على العمل عن قرب مع الحزب الجمهوري في “كابيتول هيل”، والمحافظة على موافقة فعلية وأسبقية حزبية في مرحلة ثانية.
وقد سئل بانون وبريبس في حوار جمعهما الشهر الماضي، في مؤتمر العمل السياسي المحافظ، عن مستقبل الحزب الجمهوري تحت راية ترامب. وفي الأثناء، تحدث بانون عن خلق “نظام سياسي جديد”، في المقابل قال بريبس “علينا البقاء متحدين، والتأكد من أن ترامب سيبقى في البيت الأبيض لثماني سنوات”.
والجدير بالذكر أنه وفي حال التحق بريبس بقطبي ماكين وبنس في الإدارة، والجمهوريين في “الكابيتول هيل”، فقد يمثل هذا قوة معتدلة في البيت الأبيض، تحد من قوة قطب بانون وترامب نفسه. فعلى سبيل المثال، قد يقدم رئيس الموظفين مثلا -مهما كانت السياسة المتبعة- عن الإفصاح المخاطر السياسية لرفع العقوبات عن روسيا، التي يدعمها الديمقراطيون والجمهوريون على حد سواء في “الكابيتول هيل”.
قطب وول ستريت
الأعضاء: وزير المالية، ستيفن منوشين، مدير مجلس الاقتصاد القومي في البيت الأبيض،غاري كوهين.
بدت خطابات ترامب شعبية في وقت ما خلال الحملة الانتخابية، ولكن أولئك الذين شبهوا الرؤية الاقتصادية لترامب برؤية السيناتور بيرني ساندرز، من المرجح أن يثبت خطؤهم من خلال خياراته الحكومية. على صعيد السياسات الاقتصادية، وظف ترامب شخصيات كبيرة في مجال الأعمال، ولديهم دور حيوي في وول ستريت، علما وأنهم يدعمون رفع الضرائب عن الشركات، وهي فكرة لا تلقى ترحيبا كبيرا، ولكنهم يحظون بمكانة هامة في إدارة ترامب.
بدت خطابات ترامب شعبية في وقت ما خلال الحملة الانتخابية، ولكن أولئك الذين شبهوا الرؤية الاقتصادية لترامب برؤية السيناتور بيرني ساندرز، من المرجح أن يثبت خطؤهم من خلال خياراته الحكومية
في الحقيقة، قد يكون منوشين حاجزا أمام رؤى معارضي الصين والتجارة العالمية في قطب بانون، حيث اقترحت نافارو فرض تعرفة جمركية كبيرة على المنتجات الواردة من الصين. وقد ذكر ترامب خلال حملته الانتخابية أن الولايات المتحدة ستتهم الصين في أول يوم له في البيت الأبيض، وبأسلوب رسمي، بإضعاف قيمة عملتها. هذا القرار لم يدخل حيز التنفيذ إلى اليوم، في الوقت الذي يدير فيه منوشين إدارة البيت الأبيض التي من المفترض أن تدين الصين “بالتلاعب بالعملة”، علما وأنه قد بدا في إحدى الحوارات غير مقتنع بهذه الفكرة.
البيروقراطيون
الأعضاء: 1.8 مليون عامل في الوكالات الفدرالية، وفق بيانات المكتب الفدرالي لإدارة الموظفين.
في حقيقة الأمر، يرتبط أغلب الموظفين الفدراليين بالعاصمة واشنطن، ومن بينهم حوالي 48 بالمائة من السود، الذين كسبت هيلاري كلينتون أصواتهم بنسبة 91 بالمائة في سنة 2016. خلافا لذلك، لا ترتبط واشنطن الليبرالية بشكل تام بالذين يعملون في الحكومة. فوفق المكتب الفدرالي لإدارة الموظفين، لا يقطن في العاصمة واشنطن سوى 7 بالمائة فقط من الموظفين ذوي الدوام الكامل، في حين يقيم قرابة 22 بالمائة في المناطق المشتركة مع العاصمة، وهي فيرجينيا وماريلاند. أما الباقون فيتوزعون على كامل الولايات.
ومن المرجح أن يبقى متوسط عدد الموظفين الفدراليين في الحكومة هكذا لإحدى عشرة سنة، أي أن من بينهم من عمل في إدارة بوش. وتجدر الإشارة إلى أن من جملة الموظفين الفدراليين، 18 بالمائة منهم من السود، و6 بالمائة من اللاتينيين، في حين أن 64 بالمائة منهم من البيض. وقد كشف استطلاع أجري قبل الانتخابات، تحت إشراف الحكومة التنفيذية ومجلس الأعمال الحكومي، أن قرابة 62 بالمائة منهم، كانوا يرغبون في فوز هيلاري، مقارنة بحوالي 28 بالمائة الذين أعربوا عن دعمهم لترامب. ومن هذا المنطلق، يمكن الجزم بأن الموظفين الفدراليين معارضون لترامب وبشدة، ولكنهم أقل معارضة من هؤلاء المقيمين في واشنطن.
يرتبط أغلب الموظفين الفدراليين بالعاصمة واشنطن، ومن بينهم حوالي 48 بالمائة من السود، الذين كسبت هيلاري كلينتون أصواتهم بنسبة 91 بالمائة في سنة 2016
من باب التعددية، صرح 38 بالمائة من الموظفين الفدراليين الذين أجري معهم الاستطلاع، أنهم يؤمنون بأن الرئيس سيكون “أقل كفاءة” في إدارة الحكومة، مقارنة بما يربو عن 18 بالمائة منهم، الذين قالوا إنه سيكون “ناجعا جدا”، في حين توقع 15 بالمائة منهم أنه سيكون “ناجعا نوعا ما”. وفي الآونة الأخيرة تسربت حقائق جلية عن المقاومة البيروقراطية، وذلك من خلال تسريبات لمكالمات هاتفية للمستشار الأول للأمن القومي لترامب، مايكل فلين، مع السفير الروسي في الولايات المتحدة، حول معارضة موظفي وكالة حماية البيئة لإدارة بروت للوكالة.
في حقيقة الأمر، تعتبر التسريبات في وسائل الإعلام أداة قوية للبيروقراطيين لخلق نقاش علني ومعارضة محتملة لأفكار الأقطاب الأخرى في إدارة ترامب. وقد ساهمت التسريبات في استقالة مايكل فلين، الذي وضعته مواقفه المعادية للمسلمين في قطب بانون. في الوقت نفسه، بعض الخلافات السياسية الأخيرة بين فريق ترامب والبيروقراطيين ليست مستغربة، في حين لم يكن موقف كتلة من الموظفين في وزارة الخارجية المعارض للقرار التنفيذي لترامب المتعلق بالسفر، بالأمر المستحدث. في المقابل، أيدت اتحادات الموظفين في دوريات الحدود والهجرة وخدمات تنفيذ القوانين الجمركية، ترامب خلال حملته الانتخابية، وهذا يدل على أن العمال في هذه الوكالات يفضلون انتهاج سياسات قاسية حول موضوع الهجرة والحدود.
بعض الوجوه المهمة
الأعضاء: مستشارة الرئيس، كيليان كونواي، مستشار البيت الأبيض، دونالد ماكغان، وزير الخارجية، ريكس تيلرسون.
عموما، يلعب هؤلاء الثلاثة أدوارا شخصية هامة جدا. ولكن من غير الواضح حتى الآن إن كانت رؤاهم تتماشى مع رؤية أي شخص في المعسكرات الأخرى، وما مدى تأثيرهم في الإدارة الأمريكية. فقد بدا تيلرسون في بعض الصراعات منحازا لقطب بانون، في حين كان خياره الثاني حيال من ينوبه في وزارة الخارجية، الموظف السابق في إدارة جورج بوش وريغن، إليوت أبرامس، ولكن ترامب رفضه. وقد قال أبرامس خلال لقاء له على قناة “سي أن أن”، بعد أن أعلن رسميا رفضه، “الشخص الوحيد في البيت الأبيض الذي عارض انتدابي هو ستيف بانون” (غير أن بانون لم يؤكد معارضته لأبرامس).
أصدر ماكغان، الشهر الماضي، مذكرة تدعو موظفي البيت الأبيض للاحتفاظ بأي تسجيل قد يكون مرتبطا بتورط روسيا بحادثة التدخل في انتخابات 2016
وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا، هذا الأسبوع، قالت فيه إن “إيفانكا وتيلرسون يحثان الرئيس على عدم الانسحاب من اتفاقية التغيرات المناخية، التي تشاركهم فيها 100 دولة”، علما وأن ترامب قد تحدث خلال حملته الانتخابية عن رغبته في انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس الذي دعمه أوباما بقوة. وفي الوقت نفسه، يعمل بانون على دفع ترامب، بأسلوب غير علني، للإيفاء بوعوده.
في حقيقة الأمر، وظيفة وزير الخارجية التقليدية هي بناء علاقات مع الدول الأخرى، لذا فلا غرابة إن تولى تيلرسون هذا المنصب. غير أن قطب بانون قلق من هذا التوسع وتلك الاتفاقيات الدولية، مما دفعه لخلق صدامات مع وزارة الخارجية، بشكل مستمر. من جانب آخر، أصبحت كونواي معارضة مشهورة لترامب، خاصة على التلفاز. ولكن من غير الواضح مدى الصلاحيات التي تملكها، خاصة أن معظم موظفي البيت الأبيض يشيرون إلى بريبس وليس إليها.
في المقابل، فإن ماكغان، بصفته المحامي الأعلى مقاما في البيت الأبيض، له دور في كل المسائل، انطلاقا من لقاءاته مع نيل غورسوش، مرورا بتسمية ترامب له في المحكمة العليا لمتابعة الاستعراض الداخلي للبيت الأبيض، وصولا إلى مكالمات مايكل فلين مع السفير الروسي. لذلك، لدى ماكغان القدرة على بلوغ مراتب عالية للغاية، والتأثير على كل الأشخاص التابعين لترامب في البيت الأبيض، بمن فيهم الرئيس نفسه.
يلعب هؤلاء الثلاثة أدوارا شخصية هامة جدا. ولكن من غير الواضح حتى الآن إن كانت رؤاهم تتماشى مع رؤية أي شخص في المعسكرات الأخرى، وما مدى تأثيرهم في الإدارة الأمريكية
وفي شأن ذي صلة، فقد أصدر ماكغان، الشهر الماضي، مذكرة تدعو موظفي البيت الأبيض للاحتفاظ بأي تسجيل قد يكون مرتبطا بتورط روسيا بحادثة التدخل في انتخابات 2016. وفي الأثناء، يعتبر ماكغان مؤيدا قويا للجمهوريين، ولكن أوامره تهدف إلى منع موظفي الإدارة من تدمير الوثائق التي قد تؤذي فريق ترامب إن خرجت للعلن.
المصدر: فايف ثيرتي أيت