ترجمة وتحرير: نون بوست
في أيلول/سبتمبر، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على كبار قادة قوات الدعم السريع المدعومة من قبل مجموعة فاغنر، والتي تقاتل القوات المسلحة السودانية منذ اندلاع أعمال العنف في الخرطوم في 15 نيسان/أبريل. وأعلنت وزارة الخارجية فرض قيود على التأشيرات بشأن الجنرال عبد الرحمن جمعة، قائد قوات الدعم السريع بغرب دارفور، بسبب تورطه في انتهاكات حقوق الإنسان.
بالإضافة إلى ذلك، فرضت وزارة الخزانة عقوبات على الفريق أول عبد الرحيم حمدان دقلو، شقيق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان “حميدتي” دقلو ونائب قائد قوات الدعم السريع، للدور الذي تضطلع به الجماعة شبه العسكرية في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم القتل العرقي في السودان. وبينما تشير هذه الخطوات إلى تحول في سياسة الولايات المتحدة تجاه الصراع في السودان، إلا أن واشنطن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهود للمساعدة في إنهاء العنف.
وفرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على كيانات تجارية مرتبطة بكل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في الأول من حزيران/ يونيو، مما يشير إلى اتباع سياسة متكافئة تجاه الأطراف المتحاربة. ومع ذلك؛ تشير العقوبات الأمريكية الأخيرة التي استهدفت قوات الدعم السريع فقط، إلى التحول الطفيف الذي شهدته السياسة الأمريكية. فمع ارتفاع جرائم قوات الدعم السريع إلى مستوى غير مسبوق، لم يكن بوسع الولايات المتحدة تجاهل حليف فاغنر في السودان. ولا يزال العديد من المشرعين الأمريكيين يتذكرون الإبادة الجماعية في دارفور لسنة 2003.
وعلى الرغم من كل حملات الضغط والدعاية الباهظة التي قامت بها قوات الدعم السريع في الكابيتول هيل، فإن قوات الدعم السريع هي مرادف لميليشيا الجنجويد سيئة السمعة التي قتلت الآلاف من سكان دارفور تحت قيادة حميدتي. لقد أوضحت الولايات المتحدة من خلال الموجة الجديدة من العقوبات أنها لن تقف مكتوفة الأيدي بينما يكرر الجنجويد الجدد أعمال الإبادة الجماعية التي ارتكبوها في دارفور وينشرون الفوضى في البلاد.
ورغم أن لدى الحكومة الأمريكية العديد من المخاوف بشأن سلوك القوات المسلحة السودانية، إلا أن هناك فرقًا واضحًا بين الجيش المحترف والميليشيا العائلية التي تتلقى المشورة من مجموعة فاغنر والتي تدير بشكل مشترك مناجم الذهب المرتبطة بروسيا.
تتمتع واشنطن بالنفوذ للتأثير على الإمارات للتخلي عن تحالفها مع حميدتي ومتابعة مصالحها الاستراتيجية الأخرى في المنطقة
ومع ذلك، تفتقر هذه العقوبات الجديدة إلى قوة الإنفاذ لسبب واحد بسيط: ذلك أن هذه الإجراءات لن تعيق قوات الدعم السريع عسكريًا بشكل كبير أو تردعها عن ارتكاب الفظائع بسبب الشبكة المالية الواسعة للمجموعة التي تعمل بالخارج من خلال دولة الإمارات العربية المتحدة.
مستوحيًا إستراتيجيات مجموعة فاغنر المالية؛ أنشأ حميدتي شبكة هائلة من شركات الظل التي يديرها القوني حمدان دقلو، شقيقه الأصغر في دبي. ومع ذلك، تواجه الحكومة الأمريكية صعوبة في التعامل مع امتثال شريكها الخليجي للعقوبات. وأظهرت التقارير الأخيرة أن فاغنر والكيانات الروسية لا تزال تعمل خارج الإمارات على الرغم من العقوبات الأمريكية.
وخلال الشهر الجاري، زار مسؤولون كبار من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الإمارات العربية المتحدة للضغط على الدولة الخليجية بشأن إعادة توجيه البضائع ذات الاستخدام المزدوج إلى روسيا. ويجب على واشنطن أيضًا أن تعمل بشكل وثيق مع الإمارات العربية المتحدة لكشف الإمبراطورية المالية لقوات الدعم السريع واستهداف هذه الكيانات التي تمول الجرائم ضد الإنسانية في السودان.
علاوة على ذلك، ينبغي على الحكومة الأمريكية ممارسة المزيد من الضغوط على الإمارات لوقف شحنات الأسلحة إلى قوات الدعم السريع. وكشف تقرير حديث لصحيفة “وول ستريت جورنال” عن تسليم العشرات من شحنات الأسلحة الإماراتية إلى قوات الدعم السريع عبر مطار أمدجراس في شرق تشاد.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت لقطات جديدة من السودان تلقي الميليشيا المدعومة من فاغنر أسلحة متطورة جديدة في الآونة الأخيرة. وكانت إحدى الطائرات بدون طيار التي أسقطتها القوات المسلحة السودانية تحمل علامات واضحة تشير إلى أنها مصنوعة في صربيا وبيعت إلى الإمارات العربية المتحدة.
وأظهر مقطع فيديو آخر صاروخ كورنيت جديد مضاد للدبابات في يد أحد جنود الميليشيا، والذي قدمته مجموعة فاغنر مقابل الحصول على الذهب من قوات الدعم السريع.
واستخدمت قوات الدعم السريع كلا السلاحين في هجومها الأخير في جنوب الخرطوم. ومع ذلك، لم تدن الحكومة الأمريكية شحنات الأسلحة الإماراتية. وفي مقابلة حديثة مع “بي بي إس نيوز آور”، أكدت ليندا توماس غرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، أن الأسلحة تدخل إلى السودان عبر الدول المجاورة، لكنها لم تذكر هذه الدول بالاسم.
ولم تكن قوات الدعم السريع تمتلك هذه الأسلحة المتقدمة عندما بدأت الجماعة حملتها للاستيلاء على السلطة في نيسان/أبريل. وبفضل هذه الأسلحة المتطورة، أصبحت قوات الدعم السريع قادرة في الوقت الراهن على مهاجمة قواعد الجيش المحصنة والأحياء المدنية المحيطة بها.
تملك الإمارات مصالح حيوية في موانئ السودان وأراضيه الزراعية. فقبل أشهر من الحرب، أعلنت الإمارات عن مشروع بقيمة 6 مليارات دولار على البحر الأحمر في شرق السودان
ومن شأن استمرار وصول شحنات الأسلحة المتقدمة في أيدي قوات الدعم السريع أن يؤدي إلى إطالة أمد الصراع في السودان ويمنح منتهكي حقوق الإنسان المزيد من القوة لارتكاب المزيد من الفظائع. ويمكن أن يغير إيقاف هذه الشحنات بشكل جذري ميزان القوى في ساحة المعركة لأنه سيحد من قدرة قوات الدعم السريع على مهاجمة الفرقة المدرعة التابعة للقوات المسلحة السودانية وقواعدها. وستؤدي هذه الخطوة أيضًا إلى تجميد مشروع فاغنر للذهب في السودان، والذي يساعد في تمويل الهجوم الروسي على أوكرانيا.
وتتمتع واشنطن بالنفوذ للتأثير على الإمارات للتخلي عن تحالفها مع حميدتي ومتابعة مصالحها الاستراتيجية الأخرى في المنطقة. وعلى الرغم من النكسات الأخيرة التي شهدتها العلاقات الثنائية، تظل الإمارات شريكًا أمنيًا واقتصاديًا أساسيًا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وتملك الإمارات مصالح حيوية في موانئ السودان وأراضيه الزراعية. فقبل أشهر من الحرب، أعلنت الإمارات عن مشروع بقيمة 6 مليارات دولار على البحر الأحمر في شرق السودان. ويتضمن المشروع المخطط له إنشاء ميناء جديد ومطار وطريق إلى منطقة زراعية تقع في شمال السودان.
ويمكن خدمة مصالح أبو ظبي في السودان بشكل جيد دون دعم ميليشيا حميدتي؛ وفي الواقع، يعد ضمان استقرار الدولة هو الحل الأمثل لمثل هذه الأعمال. والجدير بالذكر أن سكان شرق وشمال السودان يكنون العداء الشديد لقوات الدعم السريع، حيث لجأ العديد من الضحايا إليها. ونتيجة لدعمها لقوات الدعم السريع، تلحق الإمارات الضرر بصورتها العامة ومصالحها الإستراتيجية طويلة المدى في السودان من خلال دعم حميدتي.
“بدلاً من المزيد من التهديدات، علينا أن نتحرك الآن”، كانت هذه كلمات جو بايدن – عضو مجلس الشيوخ الأمريكي آنذاك – الذي دعا إلى الوقف الفوري للإبادة الجماعية في دارفور في سنة 2007. وبعد خمسة أشهر من الحرب في السودان، حان الوقت للحكومة الأمريكية للاستماع إلى أعضاء الكونغرس الذين الذين يطالبون بالتحرك ضد المعتدين الذي يرتكبون فظائع ضد شعب السودان.
هناك حاجة إلى أن يسلط مبعوث رئاسي أمريكي خاص الضوء على السودان، مع ضرورة المشاركة القوية للبيت الأبيض والتنسيق بين مكتبي أفريقيا والشرق الأدنى في وزارة الخارجية.
لكن الأهم من ذلك هو أنه ينبغي على الحكومة الأمريكية منع قوات الدعم السريع من تمويل وتسليح حملة الإبادة الجماعية من خلال الشركات الوكيلة في الإمارات العربية المتحدة، وينبغي على بايدن ألا يسمح بحدوث إبادة جماعية أخرى في ظل قيادته.
المصدر: فورين بوليسي