أطلق تنظيم داعش الإرهابي منتصف شهر شباط الماضي شريطًا مرئيًا حمل عنوان “فبهداهم اقتده” من إنتاج المكتب الإعلامي لـ”ولاية نينوى” مدته (26.44) دقيقة يتضمن عمليات انتحارية ضد القوات الأمنية في محافظة نينوى لستة من انتحارييه تتراوح أعمارهم بين (15 – 20) عامًا، ويبدأ الإصدار بآية من سورة المائدة وتفسيرها، ثم يحاول الشريط المصور إبعاد النظر عن خسائره الفادحة في مدينة الموصل عبر التركيز على الجماعات المسلحة في سوريا من فرقة السلطان مراد والجيش الحر وكتائب ثوار الشام والجبهة الشامية وجيش التحرير التي أسماها (صحوات الردة) والحديث عن مؤتمر أستانة للحوار بين الحكومة السورية وقوى المعارضة.
وفي ضوء ما يحمله الشريط المصور نحاول إخضاعه للتحليل، لاستخراج ما يحتويه من رسائل ومؤشرات على الوضع الإعلامي للتنظيم الإرهابي وما يرتبط به من وضعه العسكري والميداني.
يحاول التنظيم بث روح الصبر بين مقاتليه والمرابطة والتثبيت من خلال استخدام مصطلح قرآني يدل على الصبر والمرابطة وعدم الانكسار والاقتداء بالآخرين الذين كانوا أكثر “شجاعة” بحسب وصفه
فمن عنوان الشريط يحاول التنظيم بث روح الصبر بين مقاتليه والمرابطة والتثبيت من خلال استخدام مصطلح قرآني يدل على الصبر والمرابطة وعدم الانكسار والاقتداء بالآخرين الذين كانوا أكثر “شجاعة” بحسب وصفه، بعد أن كان يمسك بأراضٍ واسعة ووجود وفرة في المقاتلين، وهذه اللغة التي يخاطب بها مؤيديه تعد لغة من موقع ضعيف وليس كما اعتاد في أشرطته السابقة على التأكيد على القوة والأمر والتهديد لكل من يخالف تعاليمه.
ثم ينتقل الشريط المصور في الدقيقة (4.20) إلى حديث الإرهابي أبو إسلام الدمشقي وبعد ذلك ينفذ عمليته الانتحارية بتصوير ليلي في حي سكني في مدينة الموصل ضد قوة بسيطة من القوات الأمنية العراقية تضم سبع عجلات، وعلى الرغم من صغر حجم القوة العراقية الظاهرة في الشريط وفي منطقة مفتوحة ليلًا، لم يلجأ التنظيم إلى إرسال عناصر لتواجه هذه القوات، بل فضّل إرسال سيارة مفخخة، فيما يبدو افتقارًا من التنظيم الإرهابي لعناصره الانغماسية وقدراتهم القتالية على مواجهة القوات العراقية.
في موقع آخر من الشريط عند الدقيقة (6.37) يظهر إرهابي آخر لا يتجاوز عمره الـ17 عامًا يدعى أبو الغامدي الأدلبي يفجر نفسه في قوة عراقية، ويتحدث عن انتمائه لتنظيم داعش ويقف في منطقة الغابات من الجانب الأيسر لمدينة الموصل، ويوضح هذا الجزء من الشريط نقطة مهمة تدل على اعتماد التنظيم على أحداث قديمة ثم يعيد إنتاجها للدلالة على وجوده، على غير عادته السابقة.
إذ يقف الإرهابي الذي يظهر في هذا الجزء في منطقة كانت قيادة عمليات “قادمون يا نينوى” قد أعلنت تحريرها أواخر شهر كانون الثاني الماضي بعد معارك دامت أكثر من عشرة أيام، بينما تشير الجوانب الفنية إلى خلو المنطقة من أي نشاط عسكري، مما يعني أن تصوير هذا المقطع قد تم في وقت سابق بكثير على توقيت إعلان الشريط المصور.
كما يتجه الإرهابي لتفجير نفسه في قوة عراقية تتكون من سبع عجلات، وهي أيضًا كان يمكن للتنظيم أن يتعرض لها من خلال عناصره، إلا أنه لجأ إلى تفجير سيارة مفخخة في إشارة أخرى لضعف قدرة عناصره على مواجهة القوات العراقية.
التنظيم لم يعد يتمكن من تقديم إصدارات سريعة ذات قوة في التأثير والإخراج الفني كما كان سابقًا
في الدقيقة (10.30) من الشريط المصور، يظهر إرهابي ثالث يدعى أبو طالب البغدادي يتحدث في منطقة الفيصلية عند الجسر الرابع الرابط بين جانبي الموصل على نهر دجلة مقابل الكورنيش، وهي منطقة كانت قد أعلنت قيادة عمليات “قادمون يا نينوى” تحريرها في (13/2/2017)، بينما تظهر هذه المنطقة هادئة وتخلو من أي نشاط عسكري، فإن ذلك يعد مؤشرًا على توظيف التنظيم لتسجيلات قديمة في إصداره الجديد أيضًا، أي أنه لم يعد يتمكن من تقديم إصدارات سريعة ذات قوة في التأثير والإخراج الفني كما كان سابقًا، ليفجر نفسه في نهاية هذا الجزء في قوة عراقية غير معلوم عددها في قلب الصحراء، وبتصوير يخلو من أي تقنية فنية عالية وصورة غير واضحة لموقع التفجير وعلى ما يبدو أنه من كاميرا جوال.
إرهابيان آخران يبدو أن أعمارهما تقل عن 16 عامًا، يظهران في الدقيقة (17.34) يدعيان أبو يوسف السنجاري وأبو خطاب السنجاري، يعرفهما الشريط على أنهما من المختطفين الإيزيديين الذين تم تدريبهم في معسكرات التنظيم، ويتحدثان اللغة الكردية ويوجهان رسالة إلى أبناء الطائفة الإيزيدية.
يفجر الأول نفسه في أربع عجلات من القوات العراقية، بينما يفجر الثاني نفسه في 12 عجلة، إلا أن طريقة التفجير التي تظهر في العمليتين تبين ضعف تدريب هذين الإرهابيين، فعلى الرغم من كمية المتفجرات التي تحتويها السيارتان كما يظهر في الشريط لم يتمكنا من إصابة أهدافهما بدقة.
يثبت التنظيم مرة أخرى اعتماده على تسجيلات قديمة في إصداره الجديد
وفي الجزء الأخير من الشريط المصور، يظهر الإرهابي أبو حمزة المصلاوي في منطقة النبي يونس، وهي منطقة كانت قد أعلنت قيادة عمليات “قادمون يا نينوى” تحريرها في (16/1/2017)، ومن الهدوء الواضح في محيط المنطقة الظاهرة في هذا الجزء مقارنة بتاريخ تحريرها يثبت التنظيم مرة أخرى اعتماده على تسجيلات قديمة في إصداره الجديد، ويفجر الإرهابي نفسه في عجلة عسكرية عراقية من بين أكثر من 9 عجلات متجمعة في أحد الأحياء السكنية، مما يبين أيضًا ضعف التدريب الذي تلقاه هذا العنصر وسوء التخطيط للعملية.
إجمالًا يمكن القول إن إصدار “فبهداهم اقتده” أظهر التراجع الكبير الذي يشهده الجانب الإعلامي لتنظيم داعش الإرهابي على غرار التراجع في الجوانب الأخرى العسكرية والاستخبارية أمام انتصارات العراقيين والقضم السريع لأحياء مناطق الموصل وإعادتها للسيادة العراقية.
ولما كان التنظيم الإرهابي يركز بنسبة عالية في نجاح عملياته على الجوانب الإعلامية، فمن المحتمل أننا سنشهد انهيارًا تامًا على جميع المستويات لهذا التنظيم ولجوئه لوسائل وأساليب المراحل الأولى من نشاطه والتي تعتمد على الاغتيالات العشوائية وعمليات الخلايا النائمة.
وأمام هذا الانحسار الكبير، ينبغي على العراقيين انتهاز الفرصة الكاملة وإلحاق النصر العسكري بنصر إعلامي واقتصادي واجتماعي يجفف العراق بشكل كامل من الإرهاب وعناصره.