لا يكاد يمر أسبوع واحد دون تسجيل قضايا سرقة جديدة لمواقع أثرية ومتاحف تتورط فيها عصابات منظمة لسرقة الآثار من مخطوطات وتماثيل وقطع نقدية رومانية وبيزنطية وإسلامية وأوانٍ فخارية وأعمدة رخامية تمتد لفترات وحقب تاريخية مختلفة وحضارات متعددة في تونس، حتى أضحت الذاكرة الوطنية وتاريخ البلاد مهدّدًا.
عصابات منظمة وراء عمليات السرقة
30 عملية سرقة ونبش للآثار في المناطق الأثرية بتونس، خلال العام 2016، سواء عن طريق عصابات دولية منظمة أو عن طريق عناصر مختصة في عمليات البحث عن الكنوز، حسب ما كشفت عنه وحدات الحرس الوطني التونسي، في يناير الماضي.
وتمكّن الأمن التونسي، خلال هذه الفترة من ظبط 81 قطعة أثرية حقيقية منها 27 قطعة حجرية تعود للعهد الروماني ومجموعة من النقود الثمينة ذات اللون الأبيض أعيدت للمعهد الوطني للآثار، كما كشفت عناصر الأمن التونسي عن 348 عملية تزوير وتقليد لقطع أثرية يتم المتاجرة بها.
تطفو على السطح من حين إلى آخر قضايا يتورط فيها تونسيون وأجانب يشكلون عصابات دولية لسرقة القطع الأثرية
وتملك تونس التي تحتوي على أبرز الحضارات في العالم التي يمتد تاريخها لأكثر من ثلاثة آلاف سنة من قرطاج إلى العصر الإسلامي، حسب بعض الخبراء، أهم مجموعة أثرية رومانية في العالم تضمّ نحو 30 ألف قطعة موزعة على متاحف في مختلف أنحاء البلاد إضافة إلى مواقع أثرية بعضها مدرج ضمن التراث العالمي.
وتطفو على السطح من حين إلى آخر قضايا يتورط فيها تونسيون وأجانب يشكلون عصابات دولية لسرقة القطع الأثرية ومخطوطات وتماثيل من مختلف الأشكال والأحجام وقناديل وقطع نقدية رومانية وبيزنطية وإسلامية وأوانٍ فخارية وأعمدة رخامية تمتد لفترات وحقب تاريخية مختلفة وقبور رومانية ومزهريات وحليّ وخواتم، حيث يستفيدون من ضعف جهاز الدولة وعجزه عن ملاحقة المجرمين.
تهديد للذاكرة الوطنية
هذه العمليات المتكررة، والتي زادت حدتها منذ ثورة يناير 2011، باتت تُهدّد الذاكرة الوطنية وتاريخ تونس الممتد منذ آلاف السنين، ويطالب مختصون بتكثيف إجراءات حماية المتاحف والمناطق الأثرية، وقد تمّ في هذا الشأن إنشاء مصلحة مكافحة سرقة الآثار للتصدي للشبكات المختصة في التنقيب عن الآثار والمتاجرة بها.
تم إحباط محاولة سرقة تمثال القائد القرطاجي حنبعل وتهريبه على متن سفينة “قرطاج” إلى إحدى الدول الأوروبية
وخلال السنوات الستة الأخيرة التي تلت الثورة، تمّ الكشف عن سرقة وتهريب قطع أثرية نادرة لعل أبرزها سرقة تمثال “غانيماد” سنة 2013 من متحف الفن المسيحي المبكر بقرطاج (العاصمة)، الذي تمّ استعادته مطلع هذه السنة.
ويعود تاريخ هذا النصب النادر من المرمر الأبيض الذي يبلغ طوله 49 سنتيمترًا إلى القرن الخامس بعد الميلاد، ونصبت هذه القطعة الأثرية ذات القيمة الفنية والتاريخية الكبيرة بالمتحف المسيحي المبكر بقرطاج الذي تأسس إثر حفريات موقع قرطاج الأثري بين 1970 و1980 ويضم تحفًا تعود للحقبتين الرومانية والمسيحية المبكرة بين القرنين الخامس والثامن ميلادي.
تمثال “غانيماد”
إلى جانب ذلك تم إحباط محاولة سرقة تمثال القائد القرطاجي حنبعل وتهريبه على متن سفينة “قرطاج” إلى إحدى الدول الأوروبية من طرف مافيا الآثار في وقت سابق، ومحاولة سرقة تماثيل آلهة الحب والثقافة التي يعود تاريخها إلى العهد الروماني وعمرها 1800 سنة، علاوة على تعمد مواطنين بناء مساكن غير قانونية على مواقع أثرية مما شوّه مناظرها.
أصهار بن علي في صدارة المتهمين
قبل الثورة، كان أصهار الرئيس المخلوع زين العابدين علي، من أكبر سارقي الآثار في تونس، حيث تم ضبط ما لا يقل عن 93 قطعة أثرية ثمينة في قصورهم في مدينتي الحمامات وسيدي بوسعيد، ونحو 80 قطعة أثرية في قصر سيدي الظريف التابع لبن علي، حملت ختم المعهد الوطني للآثار، ويمثل ختم المعهد الوطني للآثار على القطع ضمان كونها أصلية وهي قِطَع ذات قيمة تاريخية لا يمكن تقديرها، وتستعمل هذه المنحوتات والتماثيل كأدوات زينة.
وتقدّر قيمة الآثار المنهوبة من تونس بمليارات الدولارات، حسب وزير الشؤون الثقافية التونسي محمد زين العابدين، الذي قال إن واقع الآثار في تونس معضلة كبيرة، وفق ما نقلته وكالة الأناضول.
ينص القانون التونسي على عقوبات صارمة ضد من تخول له نفسه المسّ بالمنقولات الأثرية أو الاستحواذ عليها أو الإضرار بها
وينص القانون التونسي على عقوبات صارمة ضد من تخول له نفسه المسّ بالمنقولات الأثرية أو الاستحواذ عليها أو الإضرار بها، ويقصد بالمنقولات الأثرية، الممتلكات الثقافية المنقولة التي ثبتت قيمتها الوطنية أو العالمية من حيث طابعها التاريخي أو العلمي أو الجمالي أو الفني أو التقليدي، ويعاقب السارق بالسجن لمدّة عشرة أعوام، وبغرامة قدرها مئة ألف دينار.
ضبط العديدمن القطع الأثرية في قصور بن علي وأصهاره
أمام ارتفاع عمليات سرقة الأثار، ما فتئت الدولة التونسية تؤكّد سعيها لمكافحة هذه الظاهرة والمحافظة على تاريخها الحضاري وإرثها الثقافي، من خلال تكثيف المراقبة للمواقع الأثرية وتسيير عمل الوحدات المختصة ورفع مستوى العقوبات للمتاجرين بحضارتها وتاريخها.