ما زالت تركيا واحدةً من الوجهات الرئيسية للجاليات العربية، إذ تجذب الآلاف لأغراض متعددة، بدءًا من السياحة وصولًا إلى العمل والدراسة، حيث تمتاز بمستوى معيشة مقبول وفرص اقتصادية جذابة، فضلًا عن كونها بلدًا غنيًا بالثقافة والتاريخ.
مع ذلك، ورغم الإيجابيات الكثيرة، ثمّة تحديات كبيرة تواجه الجاليات العربية في تركيا، تتمثل إحداها في ظاهرة النصب والاحتيال التي تزايدت بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
ومع تكرار هذه الحوادث اتخذت السلطات التركية إجراءات احترازية من خلال إنشاء مكتب خاص تابع للمدعي العام في مدينة إسطنبول مهمته التحقيق في عمليات “الاحتيال عبر الهاتف” التي تشهدها المدينة بشكل يومي.
تورط جهات فاعلة
تعرب الصحفية التركية زهراء كرمان عن حزنها لاستمرار عمليات الاحتيال ضد الأجانب، مشددة على ضرورة أن تعيش جميع الأقليات بأمن وأمان في تركيا.
وفي حديثها لموقع “نون بوست”، تعزو كرمان سبب هذه الأعمال إلى “الفساد الأخلاقي والصعوبات الاقتصادية والخطابات العنصرية لبعض السياسيين التي تدفع الناس إلى الكراهية والغضب تجاه اللاجئين، خاصة مع الأزمة الاقتصادية”.
وتعتقد الصحفية أنه ينبغي خلق فرص السلام الاجتماعي و”العيش معًا” في أسرع وقت ممكن، فالتصور بأن “اللاجئين هم سبب الأزمة الاقتصادية والفقر المدقع” يحتاج إلى التغيير، لأنه يزيد من الكراهية تجاه اللاجئين أو من عمليات الاحتيال التي لا يمكن إيقافها مع تعمق الاستقطاب.
وتلفت إلى أن هذه الكراهية تتغذى على المنشورات الكاذبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن سوريين يسرقون أو يعتدون على شخص تركي، وتقف وراء ذلك العديد من الجهات الفاعلة وبطرق مختلفة.
Nitelikli Dolandırıcılık Operasyonu ❗
Yabancı şirketlerin mail hesaplarını ele geçirerek kendi hesaplarına 210 Milyon Türk Lirası aktardıkları tespit edilen 6️⃣ şüpheli şahıs yakalandı 🚨
İkametlerinde yapılan aramalarda 177 Bin Türk Lirası nakit para ve çok sayıda dijital… pic.twitter.com/OSxxE0IBEo
— İstanbul Emniyet Müdürlüğü (@istanbul_EGM) September 22, 2023
أساليب احتيال متنوعة
توضح كرمان أن بعض المحتالين يتظاهرون بأنهم من الشرطة أو المدعين العامين، لكي يكتسبوا الثقة ويأخذوا الأموال بسهولة من أشخاص آخرين.
وتروي أنه في ولاية قونية تم إخبار أحد الضحايا بأنه متهم بالانتماء إلى منظمة إرهابية، وأنهم سيأخذون أمواله ومجوهراته لفحصها ثم يعيدونها له، وأخذوا منه 125 ألف ليرة تركية (4600 دولار) و200 غرام من الذهب، وبعد فترة أدرك المواطن الأجنبي أنه تعرض للاحتيال وقدم شكوى في مركز الشرطة.
وتضيف كرمان أن فرق مكتب الاحتيال في مديرية فرع الأمن العام باشرت العمل على الشكوى وتبين لها أن المشتبه به لديه سجل سابق في جرائم مثل الاحتيال وتزوير المستندات الرسمية، فاعتقلته وأحالته إلى المحكمة.
وتتابع القول “في الآونة الأخيرة، تم القبض على الشخص الذي احتال على المواطنين الأجانب في أنطاليا بإخبارهم أن معلومات هويتهم استخدمتها منظمة إرهابية وأنهم متورطون في أنشطة إرهابية، من خلال تقديم نفسه على أنه ضابط شرطة، وحصل منهم على عملات أجنبية ومجوهرات تبلغ قيمتها نحو 5 ملايين دولار، قبل أن يتم القبض عليه”.
وتنقل كرمان عن أحد المحامين، أن موكله تلقى تهديدًا بالقول: “أنا ضابط شرطة، إذا لم تعطنا هذا المال سوف نقوم بترحيلك”، فاضطرّ إلى دفع مبلغ كبير جدًا من المال، مؤكدة وجود الكثير من الحوادث المماثلة التي تعرضت لها الجاليات الموجودة في تركيا، سواء عند بيع أم شراء منزل أم سيارة، أو حتى سائقي سيارات الأجرة الذين يحاولون سلوك طرق ملتوية لأخذ مزيدٍ من المال.
وتنصح الصحفية التركية أبناء الجاليات باعتماد التطبيقات الموثوقة والطرق الآمنة في التعامل، وذلك لتجنّب الوقوع في مثل هذه الحوادث المؤسفة.
كانت السلطات التركية قد اعتقلت في يوليو/تموز الماضي، شبكة نصب واحتيال تتكون من 23 شخصًا احتالت على مواطنين أتراك ومقيمين بمئات آلاف الدولارات، مقابل وعود بالحصول على لجوء خارج تركيا أو منح الجنسية التركية أو تأمين وظائف وغير ذلك.
عوامل عديدة
تعتمد أسباب النصب والاحتيال على العديد من العوامل والظروف، ويمكن أن تختلف من حالة لأخرى، إذ يستغل النصّابون قلة الوعي والضغوط النفسية والتلاعب بالعواطف والعزلة الاجتماعية وغيرها.
يشير الناشط العراقي أحمد يونس المقيم في إسطنبول، إلى أن كثيرًا من الأشخاص القادمين إلى تركيا معرضين لعمليات النصب، سواء عند محاولة شراء عقار أم بذريعة التهريب أم الحصول على فيزا لدولة أوروبية وغير ذلك.
https://www.youtube.com/watch?v=2yZ1LE-U35Y&pp=ygUg2KfZhNin2K3YqtmK2KfZhCDZgdmKINiq2LHZg9mK2Kc%3D
ويضيف يونس في حديثه “هناك الكثير من المشاريع الوهمية التي تغري أبناء الجاليات بأرباح خيالية، أو بيع أسهم في منتجع، قبل أن تهرب هذه العصابات بأموال المستثمرين”.
ويبين أن “هذه العصابات توهم الضحايا بأوراق مزورة ومستندات لا تتعامل معها المحاكم التركية بشكل جدي، فعندما يشتكي الضحية تستمر المحاكمة فترة طويلة وبالنهاية لا يحصل على شيء، لأن معظم المحامين يأخذون الأموال ولا يتحركون بشكل فاعل لكسب القضية”.
وينوه يونس إلى أن “استرداد الحقوق عن طريق المحاكم يحتاج إلى دفع أموال كثيرة ومكتب محاماة لديه علاقات قوية، ومع ذلك تبقى إمكانية استرداد الأموال لا تتجاوز 10%، بسبب صعوبة النظام القضائي المعمول به”.
ويؤكد الناشط – الذي يترأس فريق تطوعي لإنقاذ غرقى اللاجئين في أثناء محاولتهم الهجرة إلى أوروبا – أن أغلب عمليات النصب والاحتيال تتم بالتعاون مع أتراك لتسهيل أمورهم، حيث يتم استغلال اختلاف اللغة وعدم معرفة الشخص بقوانين البلاد وتفاصيل الحياة هنا.
يذكر بأن أغلب رعايا الجاليات يتخوفون من تقديم شكوى خشية تعرضهم للترحيل، خاصة بعد التوترات العنصرية الأخيرة، ما أسهم في تشجيع عمليات النصب والاحتيال.
ويدعو يونس إلى أن يكون هناك تواصل بين رؤساء الجاليات العربية والجهات الأمنية التركية، بهدف تسريع ملاحقة قضايا الاحتيال والتقليل منها.
وتشهد العديد من دول العالم، زيادة ملحوظة في حالات الاحتيال خاصة عبر الإنترنت والاتصالات الهاتفية، إذ تستغل هذه العصابات تقنيات التكنولوجيا الحديثة لاستهداف شريحة واسعة من الأفراد بطرق جديدة ومبتكرة.