ترجمة وتحرير نون بوست
عندما تعبر الحدود الأمريكية قصد دخول أو مغادرة البلاد، على متن أي نوع من وسائل النقل البري أو الجوي، فإنك تمر بمنطقة خاصة بالعملاء الفدراليين الذين يتمتعون بصلاحيات غير عادية لتفتيش امتعتك. وذلك على خلفية التخفيف من المعايير الصارمة التي ينص عليها التحوير الدستوري الرابع، الذي بقوم على حماية الأشخاص من التفتيش غير المبرر، فضلا عن الحد من فعالية التحوير الخامس، الذي يحصن الأشخاص ضد مبدأ تجريم الذات ويمنع الحكومة من مطالبة المواطنين بالكلمات السرية الخاصة بهواتفهم الذكية وحواسيبهم.
وفي الشهر الفارط، سمحت هذه القواعد الخاصة لضابط الجمارك في مطار هيوستن من أن يطلب من مهندس في وكالة الناسا إمداده بكلمة السر الخاصة بهاتفه الذكي. كان المهندس، سيد بيكانافار، عائدا من عطلة لمدة أسبوعين قضاها في التشيلي، لكن الجهاز الذي كان يحمله هو في الواقع ملك لمختبر الدفع النفاث التابع لوكالة الناسا. وبما أن عمله في الوكالة يعتبر حساسا جدا، توجب عليه استعمال الهاتف الذكي الخاص بالشركة. وبالتالي، فإن غفلته عن ذلك الهاتف لنصف ساعة فقط يعتبر في حد ذاته، “انتهاكا جسيما لسياسة العمل”، هذا على حد قوله.
وعلى ضوء ما تعرض إليه المهندس في المطار، حصل بيكانافار فور اطلاق سراحه على هاتف جديد من الشركة وقام بتغيير رقمه السري. ولسائل أن يسأل في هذه الحالة ماذا لو لم يغير كلمة السر وسافر مجددا خارج تراب البلاد؟ والإجابة عن هذا السؤال تتمثل في أنه، إذا وقع استجوابه مرة أخرى على الحدود، فإن الضابط الذي سيحقق معه من المحتمل أن يتثبت من تسجيلات بيكانافار الأخيرة في قاعدة بيانات الجمارك، وهو ما يشمل أيضا التحقق من رمز المرور الذي كشف عنه سابقا أمامه.
خضع مسافر كندي للاستجواب في مطار فانكوفر عندما كان يسافر من كولومبيا البريطانية نحو نيو أورلينز، حيث طلب منه ضابط الجمارك كلمة السر الخاصة بهاتفه وحاسوبه
استنادا إلى ما تعرض إليه بيكانافار، يبدو من الجلي أن عملية التفتيش التي تقوم بها مصلحة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية ومدة احتفاظها بالبيانات غير واضحة تماما. ففي إشعار صدر سنة 2008، في الصحيفة الرسمية للحكومة الأمريكية، المعروف بالسجل الفدرالي، وقع وصف قاعدة البيانات التي تستخدمها مصلحة الجمارك وحماية الحدود لتخزين المعلومات الخاصة بالمسافرين. وهذه قائمة غير مطولة بنوعية البيانات التي يتم تسجيلها في نظام السجلات، المعروف بتيكس المضيفين:
…الاسم الكامل، الاسم المستعار، تاريخ الميلاد والعنوان والوصف المادي، ومختلف أرقام التعريف (على سبيل المثال، رقم الضمان الاجتماعي، رقم الإقامة، رقم بطاقة تسجيل الذهاب والإياب (I-94)، رقم الحجز)، تفاصيل وملابسات عملية التفتيش والاعتقال، أو لاحتجاز، معلومات تخص قضية ما؛ مثل البضائع والمقتنيات القيمة وأخيرا أساليب السرقة.
علاوة على ذلك، إذا قام الضباط بتفتيش جهاز إلكتروني؛ مثل الحاسوب المحمول أو الهاتف الذكي، فإنه من المرجح أنهم سينشؤون نسخة عن محتويات ذلك الجهاز. ووفقا لتقييم رسمي خاص، صدر سنة 2009، فإن مصلحة الجمارك وحماية الحدود لا يمكن أن تُبقي هذه البيانات مخزنة ضمن قاعدة بياناتها أكثر من أسبوع دون سبب وجيه، باستثناء المعلومات المتعلقة “بالهجرة والجمارك والمسائل التنفيذية الأخرى”. كما أكد المتحدث الرسمي باسم مصلحة الجمارك وحماية الحدود أن هذه السياسة مازالت سارية المفعول.
وتجدر الإشارة إلى أن قائمة البيانات التي يمكن لمصلحة الجمارك وحماية الحدود الاحتفاظ بها لا تشمل “كلمات السر والاعتمادات”، ولكن هذا لا يعني أنه لا يتم تجميعها وتخزينها. وفي هذا الإطار، أفاد محامي الموظفين في اتحاد الحريات المدنية الأمريكية، هيو هانديسايد، أن المسؤولين في الجمارك بمقدورهم إدخال مختلف البيانات في السجلات المخزنة لدى نظام تيكس.
في المقابل، قال المتحدث الرسمي باسم الجمارك وحماية الحدود أن الوكالة يمكن أن تحتفظ بالكلمات السرية لتسهيل عمليات البحث الرقمية إذا ما تم مصادرة الجهاز فيما بعد. لكن لم يدلي المتحدث بأي معلومة تخص مسألة حذف كلمات السر من سجلات المسافرين بعد انتهاء التحقيق.
اقترح وزير الأمن الداخلي، جون كيلي، القيام ببحوث روتينية تشمل أيضا مواقع التواصل الاجتماعي
عموما، بمجرد أن يتم إدخال جزء من المعلومات في النظام فإنها ستخزن بصفة تلقائية لمدة طويلة. ووفقا لملاحظة عامة صادرة في السجلات الأمريكية، فإن البيانات في نظام تيكس يمكن أن تصل مدة تخزينها إلى 75 سنة أو بعبارة أخرى إلى حد “إلغاء القانون” أو أي “مسألة قانونية قد تصبح ذات صلة“.
والجدير بالذكر أنه لا توجد سوى بضعة قوانين يمكنها أن تحد من كيفية تجميع مصلحة الجمارك وحماية الحدود وتخزينها أو نشر هذه المعلومات الشخصية. ومن أهم هذه القوانين، قانون الخصوصية لسنة 1974، الذي ينظم كيفية تعامل الوكالات الفدرالية مع البيانات الشخصية الحساسة. لكن قامت وزارة الأمن الداخلي بإعفاء نظام تيكس من هذا القانون منذ سنة 2009. وبدلا من ذلك، تعتبر وكالة الجمارك وحماية الحدود المطالب المقدمة من قبل الأشخاص بشأن النفاذ إلى التسجيلات الخاصة بهم، المضمونة بموجب قانون الخصوصية، حالة خاصة وتتعامل مع كل طلب على حدة.
وفي هذا السياق قال خبير السفر واستشاري في مشاريع الهوية، إدوارد هاسبروك، إن “أي ضوابط يجب أن تكون مستمدة مباشرة من الدستور أو المعاهدات الدولية وليس من القوانين والقواعد الوضعية”. وأضاف هاسبروك أنه “ليس على علم بأي حالة قانونية تعمل على الحد من عملية التحفظ على هذا النوع من البيانات“.
وتبعا للمعطيات المذكورة آنفا، طلب هاسبروك التزود بسجلات السفر الخاصة به من الوكالة سنة 2007، بغية مزيد فهم كيفية تجميع وتخزين وكالة الجمارك للبيانات المتوفرة لديها. وفي هذا الصدد، قال هاسبروك أنه في البداية قد تلقى إجابات منقوصة وفي نهاية المطاف انقطعت الوكالة عن التواصل معه. وفي سنة 2010، رفع هاسبروك دعوى قضائية ضد وزارة الأمن الداخلي لإجبارها على تسليم السجلات التي تقدم بطلبها سابقا.
بعد ربح هاسبروك لهذه الدعوى، تمكن من تسلم الوثائق التي طلبها وكان من بينها سجلات يعود تاريخها لسنة 1992، تبين مدى دقة وتفصيل البيانات التابعة للمسافرين التي كان يحتفظ بها المسؤولون في الوكالة. وقد تضمنت الوثائق سجلين خاصين بعمليتي التفتيش التي خضع إليها هاسبروك سنة 2007 و2009. وفي إحدى المرات، خضع هاسبروك للتحقيق في مطار بوستن لوغان عندما كان في طريقه إلى لندن لأنه “أعلن شفويا” أنه كان يحمل معه بعض الأغذية.
وفي القسم المخصص “بملاحظات التفتيش”، أشار الضابط إلى أن “الوكالة قد صادرت تفاحة و قطعا من الخبز، وتم على إثر ذلك الإفراج عن المسافر”. (يتم في أغلب الأحيان إدخال كلمة السر المضبوطة في القسم المخصص “بالملاحظات”)
لا توجد سوى بضعة قوانين يمكنها أن تحد من كيفية تجميع مصلحة الجمارك وحماية الحدود وتخزينها أو نشر المعلومات الشخصية للمسافرين
خلاصة القول أنه من غير المرجح أن تعود هذه البيانات لمطاردة هاسبروك مرة أخرى في الرحلات الدولية القادمة، لكن ما أن يقع تخزين هذه البيانات في النظام حتى يتم استخدامها مستقبلا من قبل وكالة الجمارك. وبالاستناد على ما تعرض إليه في السابق، أشار هاسبروك إلى أنه قد تعرض للاستجواب بناء على نتائج عمليات التفتيش التي خضع إليها سابقا. وأقر بأنه كان من المحتمل أن يقع في عدة مآزق لو كانت تلك السجلات تحتوي على معلومات حساسة.
في أكتوبر، خضع مسافر كندي للاستجواب في مطار فانكوفر عندما كان يسافر من كولومبيا البريطانية نحو نيو أورلينز، حيث طلب منه ضابط الجمارك كلمة السر الخاصة بهاتفه وحاسوبه. وبسبب تعذر تعرف الوكالة على هويته، انتقلت إلى البحث في سجل اعتماداته وسجلاته الرقمية، ليتحفظوا على أندريه لمدة “ساعة أو ساعتين” إلى حين انتهاء البحث.
عندما عاد الضابط، بدأ في استنطاق “أندريه” وانتزع منه معلومات حول رسائل بريده الإلكتروني، والتطبيقات التي يستخدمها، ناهيك عن تاريخ البحث على الانترنت. كما سأل الضابط أندريه عن حساباته على المواقع الإلكترونية الخاصة بالمثليين؛ مثل “سكراف” و”بي بي آر تي”. في نهاية المطاف، ونظرا للمعاملة المهينة التي تعرض إليها، اختار المسافر الكندي عدم دخول الولايات المتحدة في ذلك اليوم، وتخلى عن مقعده على متن الطائرة.
وبعد مرور شهر عن الحادثة، حاول أندريه السفر الى نيو أورلينز مرة أخرى، وقد خضع مجددا للتفتيش الثانوي في مطار فانكوفر، حيث طلب منه الضباط تسليم أجهزته الإلكترونية. ولكن هذه المرة، لم يطلب منه الضباط أن يمدهم بكلمات السر الخاصة بأجهزته لأن الوكالة لا تزال تحتفظ بهذه البيانات منذ التفتيش السابق. وبالتالي، خضت أجهزته لعملية التفتيش مرة أخرى، وعلى الرغم من أن أندريه قد محا مسبقا معظم معلوماته الشخصية من تلك الأجهزة، إلا أنه لم يتم الإفراج عنه للاشتباه فيه.
وفي شأن ذي صلة، سألت العديد من الخبراء الذين يدرسون التفتيش الرقمي على الحدود عما إذا كانوا قد شهدوا سابقا مثل هذا النوع من القضايا المماثلة. لكن أجاب معظمهم أنه لم يتعرض أي أحد منهم سابقا لمصادرة أجهزته الإلكترونية أو لضبط أو إعادة استخدام كلمة المرور الخاصة به. لكنهم في المقابل لم ينفوا إمكانية أن السياسة المتبعة من قبل وكالة الجمارك وحماية الحدود تخول لها الاحتفاظ بكلمات المرور الخاصة بالمسافرين.
وفي السياق نفسه صرحت أستاذة في القانون في جامعة كاليفورنيا، كاثرين كرامب، والتي رفعت عدة دعاوى قضائية ضد الأبحاث الرقمية التي تجريها الحكومة الأمريكية على الحدود، “استنادا إلى السياسة المتبعة والحوادث المبلغ عنها، فإن أفضل تصور عندي هو أن وكلاء الجمارك وحماية الحدود يتمتعون بصلاحيات واسعة تمكنهم من الحفاظ على بيانات اعتماد تسجيل الدخول، إذا كانوا يعتقدون أنها سوف تنفعهم في قضايا مستقبلية”. كما نصحت أستاذة القانون المسافرين “بتغيير كلمات السر الخاصة بهم باستمرار“.
قام ضابط الجمارك في مطار هيوستن بطلب كلمة السر الخاصة بهاتف مهندس في وكالة الناسا
في الوقت الراهن، فإن وكالة الجمارك وحماية الحدود على الأرجح مهتمة بالحصول على كلمات المرور الخاصة بالأجهزة الإلكترونية، وليس بتلك الخاصة بالحسابات الشخصية على الانترنت. ولعل هذا ما دفع المحامين إلى الاعتقاد بأن أبحاث الوكالة لن تطال حسابات المسافرين وبياناتهم الشخصية على موقع الفيسبوك أو تويتر. وتجدر الإشارة إلى أن إقدام الوكالة على هذه الخطوة من شأنه أن يدفعها إلى اتباع وسائل الاستدعاء التقليدية وأخذ إذن من المحكمة لطلب هذا الصنف من البيانات المتوفر بالمراكز الواقعة في الخارج.
وعلى خلاف المتوقع، اقترح وزير الأمن الداخلي، جون كيلي، القيام ببحوث روتينية تشمل أيضا مواقع التواصل الاجتماعي. وأثناء جلسة استماع عقدت في وقت سابق من هذا الشهر، أقر كيلي بأنه يرغب في جعل هذه البحوث إلزامية لزوار الولايات المتحدة الذين سيتوجب عليهم تسليم تاريخ التصفح. وقد لقي مقترح الوزير معارضة شديدة من قبل جماعات حقوق الإنسان وخبراء الأمن، الذين أكدوا أن في ذلك انتهاكا مباشرا لحقوق الخصوصية الأساسية، ويمكن أن يشكل سابقة قانونية مثيرة للقلق بالنسبة للبلدان الأخرى.
وفي الختام، يتعين القول إنه إذا وقع تنفيذ هذه السياسة، فستتمكن وكالة الجمارك وحماية الحدود من نيل صلاحية تتيح لها تجميع شتى بيانات المسافرين الرقمية؛ وذلك ببساطة عن طريق طلب كلمات المرور الخاصة بهم عند المعابر الحدودية. وبالتالي، إذا لم يقم المسافرون بتغيير كلمات المرور الخاصة بهم بعد عمليات التفتيش الحدودية، فمن المؤكد أن الوكالة لن تحتاج إلى أن تطلب منهم البيانات مرة أخرى لأنها في جميع الأحوال مخزنة في قاعدة بياناتها.
المصدر: الأتلانتيك