يعيش العالم حالة من الترقب الكبيرة في انتظار إعلان حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، عن برنامجها السياسي الجديد بعد الانتهاء من مرحلة انتخاباتها الداخلية وتحديد رئيس مكتبها السياسي خلفاً لخالد مشعل، التي تُشير كافة المعطيات إلى أن إسماعيل هنية الأوفر حظاً للظفر بالمنصب.
اهتمام العالم وخاصة دولة الكيان الإسرائيلي ببرنامج حركة “حماس” الجديد، جاء بعد تسريبات لبعض بنوده والمتعلقة باستقلال الحركة عن جماعة “الإخوان المسلمين” التي هي جزء أصيل منها منذ سنوات طويلة، وتعديل ملف الاعتراف بالحقوق والثوابت الفلسطينية والصراع مع إسرائيل.
الجانب الإسرائيلي حاول جيداً استغلال تلك التسريبات لصالحه، ونقلت صحيفة “هآرتس”، أن حماس ستعلن استقلالها عن جماعة الإخوان المسلمين، وأنها ستوافق على مبدأ إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67، من دون الاعتراف بإسرائيل”.
تفاصيل وثيقة حماس
وتشير الصحيفة إلى أن حركة “حماس” ستنشر قريبا برنامجا سياسيا جديدا، تعلن فيه استقلاليتها عن جماعة “الإخوان”، وستعرف نضالها ضد إسرائيل كنضال ضد الاحتلال وليس ضد اليهود، مضيفة أنه من المتوقع أن تعترف حماس بالنضال الشعبي غير العنيف ضد الاحتلال كوسيلة شرعية، إلى جانب النضال المسلح.
قيادي بارز في حركة “حماس”، نفى لـ”نون بوست”، كل ما يروج له الإعلام العبري والعربي حول البنود التي تسربت من الوثيقة السياسية لحركة “حماس”، المتوقع إعلانها رسمياً خلال أسابيع قليلة فقط.
وأكد أن الوثيقة السياسية الجديدة لحركة “حماس”، لن تتغير عن نهج مقاومة الاحتلال الإسرائيلي على أرضنا والاعتراف والتمسك بكافة الحقوق والثوابت الفلسطينية كاملةً دون أي تفريط أو نقصان كما نصت وثيقة الحركة الأولى عام 1987، مشيراً إلى أن الحديث عن نخلي “حماس” عن المقاومة المسلحة “المشروعة” وتبني المقاومة الشعبية مخالف تماماً لنهج الحركة المقاوم، وما ينشر غير صحيح.
وذكر القيادي في حركة “حماس”، لـ” نون بوست”، أن حركته ستتعامل بـ”انفتاح أكثر” مع الدول العربية والأجنبية، على قاعدة ثابتة عدم التدخل بشؤون الداخلية لأي دول أخرى، وعدم تقبل الشروط الخارجية على الحركة، وإبقاء البوصلة المقاومة نحو المحتل فقط.
وبسؤال حول ما إذا كانت تفكر الحركة في “الاستقلال عن جماعة الإخوان المسلمين”، أكد أن الحركة لا تزال جزء من الإخوان المسلمين والحديث عن هذا الأمر قبل إصدار الحركة وثيقتها السياسية محاولة لتشويه صورة الحركة أمام العالم.
وبحسب الإعلام العبري، فإن الوثيقة الجديدة ستلخص المواقف والمبادئ التي سبق تقديمها من قبل شخصيات بارزة في الحركة في السنوات الأخيرة، وهي جزء من الاتفاقات خلال محادثات المصالحة مع حركة فتح والمفاوضات مع مصر ودول عربية أخرى.
وهنا يؤكد عضو المكتب السياسي في حركة “حماس”، سامي خاطر، أن “وثيقة سياسية ستصدر عن حماس خلال شهر من الآن، تعكس توجهات الحركة وتجربتها ومبادئها العامة بعد نحو 30 عاما من تأسيسها.
وأوضح خاطر، أنه “مضى على البدء في صياغة هذه الوثيقة أكثر من عامين من الزمن، وأنها مرت على المؤسسات الشورية والتنفيذية للحركة”، مضيفاً:” مضمون الوثيقة هو تنزيل تجربة الحركة وتوجهاتها الأساسية ومبادئها أهدافها ضمن وثيقة معلنة من مصادرها الحقيقية وليس كما ينقل عنها الآخرون”.
وأكد أن “الوثيقة لا تحمل أي مراجعة بالنسبة لتحرير الأرض، وإن كانت أبدت مرونة في إدارة الصراع تبعا للتوافق الوطني”، موضحاً أن:” الوثيقة ستؤكد ما أعلنته حماس منذ نشأتها أنها حركة فلسطينية وطنية لها مؤسساتها التي تتخذ فيها القرارات من دون إملاء من أية جهة كانت”.
وأكد خاطر أن الوثيقة المرتقب صدورها نهاية الشهر الجاري باللغتين العربية والانجليزية، تأتي في سياق تطور طبيعي لمسار الحركة ونضجها السياسي والفكري، وليس تنفيذا لاملاءات وشروط من أية جهة”.
وتأخذ بعض الأطراف العربية والدولية على حركة حماس احتواء ميثاقها الذي أصدرته عام 1988، بعد شهور قليلة من تأسيسها في 14 ديسمبر/كانون الأول 1987، تأكيدات أنها جزء من جماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى حديثها عن “اليهود” بشكل عمومي، دون تحديد.
ويقول الميثاق في بابه الأول إن:” حركة حماس هي “جناح من أجنحة الإخوان المسلمين بفلسطين”.
كما ورد في الميثاق في عدة بنود أن “حماس” تحارب “اليهود”، دون تحديد “الاحتلال الإسرائيلي”، حيث يقول في مقدمته: “فمعركتنا مع اليهود جد كبيرة وخطيرة، وتحتاج إلى جميع الجهود المخلصة، وهي خطوة لا بد من أن تتبعها خطوات”.
نهج سياسي جديد
أحمد يوسف، القيادي المقرب من حركة “حماس”، ذكر أن البرنامج “يتضمن موافقة “حماس” على قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 والقدس عاصمة لها، دون الاعتراف بإسرائيل أو التنازل عن أي جزء من أرض فلسطين، مع التأكيد على حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم”.
وأشار كذلك إلى أن برنامج الحركة الجديد “يشمل جملة من التعديلات التي وصفها بـ”الإيجابية” في موقف الحركة تجاه “المقاومة الشعبية والدولة الفلسطينية والأطراف الدولية والدول العربية والإسلامية”.
وأضاف أنه “يميز بين اليهود كانتماء ديني من جهة، والاحتلال والمشروع الصهيوني من ناحية أخرى”، وينظر إلى المسيحيين في فلسطين كمكون وطني، “لهم ما لنا وعليهم ما علينا” مع التأكيد على دور المرأة ومكانتها في مشروع المقاومة والتحرير.
وعلى صعيد مستقبل العلاقة بين “حماس” ومنظمة التحرير الفلسطينية، أشار يوسف إلى بروز “رؤية أفضل من حيث النظر للمنظمة باعتبارها إنجازا وطنيا يجب الحفاظ عليه وتطويره، ليكون إطارا وطنيا يتسع للجميع، ويحافظ على حقوقنا وثوابتنا الوطنية”.
وكشف يوسف أن البرنامج الجديد للحركة سوف يؤكد على أن “الصراع مع الاحتلال والحركة الصهيونية فقط داخل فلسطين، وليس مع اليهود بشكل عام”، لافتا إلى “أن الحركة لن تتخلى عن ممارسة أي شكل من أشكال المقاومة بما فيها “السلمية” إلى جانب المقاومة المسلحة باعتبارها حقا مشروعا كفلته الشرائع السماوية والقوانين الدولية للشعوب تحت الاحتلال “.
من جانبه رأى الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، أن الوثيقة الجديدة التي تعدها الحركة تحمل مضامين سياسية واضحة بعيداً عن مضامين فكرية ايدولوجية، معتقداً أن الوثيقة “لن تحمل عبارات نفي أو إثبات تتعلق بالأيديولوجية الفكرية، وإنما ستركز على مواقف سياسية واضحة تجعل من حركة حماس أكثر براغماتية”.
ويعتقد الكاتب المدهون أن الوثيقة لن تمس بالخطوط الحمراء والثوابت الأصيلة للحركة التي تضمنها ميثاق الحركة الذي أصدرته عام 1988، بعد شهور قليلة من تأسيسها في 14 ديسمبر/كانون الأول 1987.
كما ويرى المدهون أن المتغيرات الدولية والعربية والتجربة السياسية التي خاضتها “حماس” كالدخول في الحكم، والمبادرات السياسية التي عرضت على الأخيرة، وطبيعة العلاقة مع الاحتلال، فرض عليها إعداد رؤية سياسية تتناسب مع متطلبات المرحلة.
عندما أصدرت حماس ميثاقها عام 1988 كانت حركة ناشئة في بداياتها، لكنها اليوم لديها قوة على الأرض، وعلاقات مع دول إسلامية وعربية ولديها آفاق بعلاقات مع دول عظمى مثل الصين وروسيا
وقال: عندما أصدرت حماس ميثاقها عام 1988 كانت حركة ناشئة في بداياتها، لكنها اليوم لديها قوة على الأرض، وعلاقات مع دول إسلامية وعربية ولديها آفاق بعلاقات مع دول عظمى مثل الصين وروسيا، لذلك يتطلب منها توضيح لسياساتها وبرنامجها السياسي.
ويعتقد أن الوثيقة الجديدة لن تمس بالخطوط الحمراء مثل: الاعتراف بإسرائيل، القبول بالاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير، ونبذ للعمل المسلح، والاعتراف بحدود 67، ولكن ربما يكون هناك إشارات سياسية جديدة كالقبول بحكومة ودولة شرط عدم الاعتراف بإسرائيل أو التنازل عن جزء من فلسطين.
وفيما يتعلق إن كانت الوثيقة ستحمل نفياً لوجود علاقة إدارية وتنظيمية بين “حماس” وجماعة الإخوان، قال: علاقة حماس بالإخوان علاقة فكرية وليست تنظيمية أو إدارية، ولا مجال أن يكون في النظام السياسي أو الأفكار السياسية أي إشارة للإخوان، اعتقد أن حماس تُصَّدِر وتبلور ذاتها كحركة تحرر وطني فلسطيني، وأعلنت مراراً وتكراراً أنها لا تربطها أي صلات إدارية أو تنظيمية مع حركة الإخوان، ونفي حماس الصلات التنظيمية لا يعني أنها تنفي عن ذاتها وجود مساحة فكرية في العلاقة.
من جانبه، أكد المحلل السياسي حمزة أبو شنب، أنه في ظل تطور الظروف الإقليمية والدولية، فإن حماس توضح مسار سلوكها خلال المرحلة المقبلة من خلال هذه الوثيقة.
وقال أبو شنب: “الوثيقة ستبقى متمسكة بثوابت حماس، ورؤيتها إزاء خيار المقاومة، وستركز بصورة أساسية على توضيح علاقة الحركة مع الدول العربية والإقليمية والدولية”، متوقعاً أن تضع حركة حماس بعضاً من التغييرات خلال وثيقتها السياسية الجديدة، تتلخص في بعض القضايا غير الواضحة وغير المنطقية، وأن تستبدل حماس كلمة “اليهود” في خطاباتها السياسية بكلمة “الاحتلال”.
لا تعترف حركة “حماس” بوجود “إسرائيل”، وتطالب بإزالتها وإقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية
ولا تعترف حركة “حماس” بوجود “إسرائيل”، وتطالب بإزالتها وإقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية، وتتبنى الحركة مبدأ المقاومة المسلّحة، وتعتبره الطريق الوحيد لتحرير فلسطين.
كما لا تقبل حركة “حماس” بشروط اللجنة الرباعية الدولية للسلام (الولايات المتحدة، وروسيا، والاتحاد الأوربي، والأمم المتحدة)، والتي تطالبها بالاعتراف بإسرائيل، كما ترفض الحركة مبدأ التفاوض مع “إسرائيل، وتنسيق أجهزة السلطة الأمني مع السلطات الإسرائيلية.