رغم ما تتمتع به البلاد من أماكن طبيعية وآثار تاريخية، تمكنها من منافسة كبرى الدول السياحية، إلا أنّ السياحة الجزائرية مازالت تعاني عديد النقائص التي تعمل الدولة على تفاديها بغية النهوض بهذا القطاع الهام في ضلّ الأزمة المالية التي تعيش على وقعها البلاد منذ سنوات نتيجة انهيار أسعار النفط في السوق العالمي.
ضعف القطاع
لم يتجاوز عدد السياح الأجانب الوافدين على الجزائر سنة 2014، 940 ألف من مجموع 2.3 مليون سائح زاروا البلاد خلال تلك الفترة، فيما لم يتجاوز عائدات هذا القطاع في تلك السنة 347 مليون دولار أمريكي، ولم تتعدّ نسبة مساهمته 1.5% في الناتج الداخلي الخام، وفق إحصائيات البنك الدولي. أرقام تدلّ على ضعف القطاع السياحي في دولة تمتلك كل المؤهلات والمقومات الطبيعية والتاريخية والمحفزات التي تمكنها أن ترتقي إلى مصاف الدول السياحية الأولى في المنطقة، فبالنظر إلى الأهـداف المنشودة والمأمول تحقيقها، نجد أن الصناعة السياحية في الجزائر لا تــزال تعاني عـدة مشكلات جعلت الـقـطـاع السياحي يعاني قـصـورا فـي المساهمة الفعالة والحقيقية لتحقيق التنمية الاقتصادية.
ويرجع هذا الضعف في القطاع السياحي الجزائري، حسب خبراء، إلى افتقار الجزائر إلى الخدمات السياحية واللوجستيات التي تخدم ذلك القطاع في الأماكن السياحية نتيجة إهمال دولة الاستقلال والحكومات التي تعاقبت على البلاد لهذا القطاع الحيوي الذي يمثل عماد اقتصاديات عديد الدول.
كاتدرائية ألكسندر نيفسكي
خلال تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الثانية، كان الوضع الأمني في البلاد، وراء تراجع أعداد السياح، إلا أنه مع تحسن الأوضاع الأمنية الذي شهدته الجزائر في السنوات الأخيرة مقارنة بدول الجوار، لم نشهد تحسن في القطاع السياحي، ويعود ذلك إلى عدم وجـود استراتيجية حقيقية وواضحة من قبل السلط الحاكمة للنهوض بهذا القطاع الهام وجهله قطاعا ً استراتيجيا، وليس ثانويا.
انعدام الإرادة السياسية انعكست سلبا على القطاع وزادت في تدهوره، حيث لا توجد بنية تحتية ملائمة، ولا منشئات سياحية عصرية مع ضعف في قدرة الاستيعاب الفندقي وعدم تنوعها وضعف في شبكة المواصلات والاتصالات وغياب استراتيجيات تسويق المنتجات السياحية وعجز في تسويق وجهة الجزائر، خاصة على المستوى الدولي لاستقطاب السياح الأجانب ونقص في تأهيل ومهنية المستخدمين في المؤسسات والخدمات السياحية والفنادق، حسب عديد الخبراء.
ترجع غياب الإرادة السياسية لتطوير القطاع السياحي في الجزائر إلى ارتفاع عائدات النفط
بالإضافة إلى ذلك يواجه أصحاب الوكالات السياحية عراقيل كبيرة عند مزاولة نشاطهم، خاصة المتعلقة بجلب السياح الأجانب لزيارة الجزائر والسياحة فيها، حيث ما زالت مشكلة التأشيرة عائقا أمامهم لبعث السياحة الأجنبية، الأمر الذي جعل شبح الإفلاس يهددهم. وترجع غياب الإرادة السياسية لتطوير القطاع السياحي في الجزائر إلى ارتفاع عائدات النفط وامتلاك البلاد لاحتياطي هام من العملة الصعبة جعل الدولة الجزائرية تنتهج منهجا صناعيا وتجاريا بحتا.
مقومات طبيعية وتاريخية
تمتلك الجزائر عديد المؤهلات والمقومات الطبيعية التي تمتع السياح باختلاف أذواقهم، من شريط ساحلي يمتد على مسافة 1600 كلم يزخر بالعديد من الشواطئ والمناظر الخلابة والـغـابـات والـسـهـول والـهـضـاب والـجـبـال والكهوف التي ترسم لوحة تسرّ الناظرين، إلى جانب الـصـحـراء الممتدة على مساحة تزيد على مليوني كلم مربع، حيث الرمال التي تنتهي وواحات النخيل الجميلة ومدينة تمنراست التي تختزل آلاف السنين على صفحات جبالها ورمالها، وتقف كلغز محير يتحدى الجميع لفك طلاسمه، ما يمكنها من أن ترتقي إلى مصاف الدول السياحية الأولى في المنطقة.
آثار رومانية
إضافة إلى مؤهلاتها الطبيعية تمتلك الجزائر ارثا تاريخيا وحضاريا هاما يتضح من خلال العديد من مواقع التراث العالمي، من مدينة باتنة، وصولاً إلى الآثار الرومانية في تيمقاد التي يتجلّى فيها ملامح الحياة الثقافية والاقتصادية في العهد الروماني من ساحة عمومية (فورم) موجودة وسط المدينة، وقوس تراجان، ومسرح المدينة الذي يعدّ من أهمّ المعالم الجاذبة للسياح، والحمامات القديمة والرسوم الصخرية في تاسيلي ناجر.
وتجمع المدن الجزائرية بين عديد الفنون المعمارية على رأسها الأندلسية والعثمانية والكولونيالية الفرنسية والحديثة كما في مدن قسنطينة ووهران وتلمسان والبليدة والجزائر العاصمة.
تتكون حديقة “كالا” من الغابات والمستنقعات والبحيرات والمياه الساحلية التي تزين الشواطئ الرملية.
ويوجد في الجزائر سبع مواقع للتراث العالمي مصنفة ضمن قائمة اليونسكو تتنوع بين الرومانية والاسلامية والنقوش التي تعود للعصور الغابرة كما في آثار تيازة وجمياة والقصبة ووادي ميزاب ومواقع أخرى، وعديد المحميات الطبيعية كحديقة “كالا” التي تمتد حتى الحدود مع تونس وتتكون من الغابات والمستنقعات والبحيرات والمياه الساحلية التي تزين الشواطئ الرملية.
السياحة تعد البديل الأمثل للبترول
الأزمة المالية التي تعيش على وقعها البلاد منذ سنوات نتيجة انهيار أسعار النفط في السوق العالمي، حتّمت على الجزائر، التوجه نحو القطاع السياحي قصد النهوض به وتطويره اسوة بدول الجوار (تونس والمغرب)، حيث وضعت الحكومة مخططًا لتنمية السياحة حتى العام 2030 من أجل جعل الجزائر قطبا سياحيا مهما في أفريقيا و البحر المتوسط، من خلال رصد أموال للدراسات والتهيئة بالإضافة إلى فرض القوانين والإجراءات التحفيزية كتسهيل الحصول على العقار السياحي وتقليص ملفات الاستثمار من 7 وثائق إلى 3 فقط بالإضافة إلى الإعفاءات الضريبية وأمور أخرى لتشجيع السياح الأجانب على زيارة الجزائر، خاصة و أنّ السياحة تعد البديل الأمثل للمحروقات.
تسعى الجزائر إلى تطوير المنشئات السياحية
ويهدف هذا المخطط، حسب وزارة التهيئة العمرانية والسياحة والصناعة التقليدية إلى ترقية اقتصاد بديل للمحروقات وتثمين صورة الجزائر وجعلها مقصدا سياحيا بامتياز وتنشيط التوازنات الكبرى وانعكاسها على القطاعات الكبرى وتثمين التراث التاريخي، الثقافي مع مراعاة خصوصية كل التراب الوطني، بالإضافة إلى التوثيق الدائم بين ترقية السياحة والبيئة.