قام العلماء لمدة 60 عامًا بدراسة الأسباب التي تدفعنا لقول “نعم”، أي ببساطة، الدوافع الخفية التي تكمن خلف إقناع البشر بشيء معين، لابد أن خلال الـ 60 عامًا الماضية تلك أن يتم وضع أساسيات معينة خاصة بعلم “الإقناع” تفسر سلوكيات البشر المختلفة نحو الموافقة على أمر ما بعد الاقتناع به، كان أهم تلك الأساسيات عنصر المفاجأة، إلا أننا يمكننا استبدالها في العصر الحديث الآن ب “المفاجأة البصرية” أو “الفيديو”، ولكن هل هناك أساسيات يمكننا وصفها بأنها عالمية تقوم بإرشاد الناس في سبيل إقناعهم في النهاية عن طريق المفاجأة البصرية تلك؟ دعنا نلخص الأساسيات الستة بشكل عام في البداية.
اتفق العلماء على 6 نقاط أساسية ربما تفسر سلوك البشر أثناء عملية الإقناع، كان منها “التبادل”، “الاحتياج”، “السلطة”، “التناسق”، “الميل إلى المحتوى”، وآخرهم “الاتفاق أو الإجماع على شيء ما”، إذا ألقينا نظرة سريعة على كل واحدة منهم، سنجد الآتي؛
التبادل
نبدأ مع “التبادل”، حيث اتفق العلماء على أن البشر لا يتبادلون شيئًا ما إلا عندما يتلقون شيئًا في المقابل بناءًا عليه يستحق التبادل من أجله، ربما يكون ذلك الاتفاق بمثابة إلزام اجتماعي فحسب، إلا أنه يزيد من استجابة الطرف الآخر ويدفعه إلى ردة فعل إيجابية تجاه عملية التبادل بأكملها.
الاحتياج
يأتي الاحتياج من العناصر المهمة في تلك العملية، حيث يزيد طلب الناس على كل ما لا يستطيعون إيجاده بسهولة، هذا ينطبق أيضًا على المعلومات، كلمّا قدمنا معلومات أقل تواجدًا على الساحة وصعب الوصول إليها من قبل العامة، كلما كان إقناع من يسمعها أو يشاهدها أكثر، لأنه ببساطة يحتاج إليها، ولأنه وجد احتياجه في النهاية، هذا المبدأ شديد الشهرة في المبيعات كذلك، فكلما كان المنتج نادرًا كلما زاد الطلب عليه رغم أنه لم يتغير شيء في خواصه على الإطلاق، هذا هو الحال بالضبط بالنسبة لتقديم المعلومات، وخصوصًا بتقديمها بطريقة بصرية، حيث تكون الندرة والتميز وكون المحتوى فريدًا من نوعه بمثابة محفز للمشاهد ويزيد من احتياجه لمتابعة هذا المحتوى.
ساعة في قراءة العديد من الصحف أو الأوراق البحثية تلخصها دقيقة في الفيديو القصير
السلطة والتناسق
نعني بحديثنا عن السلطة المصداقية، أي ما يجعل المرء ذو مصداقية في إعطاء الأوامر، أو في نشر الأخبار والمعلومات، وهو ما يلزم المستمع على الطرف الآخر أن يعطي أهمية لما يستمع إليه بشكل أكثر جدية، ومن ثم يأتي مبدأ “التناسق”، وهو ما يمكننا تسميته باسم آخر، ألا وهو “الالتزام أو التعهد”، أي على كل من يتحمل على عاتقه مسئولية نشر المعلومات أن يكون متسقًا مع كل ما ينشره سابقًا بشكل يستمر من الماضي وحتى المستقبل.
نحن في عصر ذو اتصالات واسعة النطاق، بالإضافة إلى قلة سعة تركيز المشاهد لمدة طويلة من الزمن في مشاهدة محتوى ما
الميل إلى المحتوى
“الميل إلى المحتوى” يعد من أكثر المؤثرات على صناع الفيديو حاليًا، فيعجب المرء بما يبدو مشابهًا له أو لتوقعاته، أو يميل إلى الإعجاب بكل من يشاركه نفس أهدافه، من الممكن اعتبار هدف “الحق في المعرفة” هو الشائع بين تلك الأهداف، أما العنصر الأخير فهو “الإجماع على شيء ما”، أي تأثير ذلك الإجماع على سلوكيات البشر المختلفة وبالأخص سلوكهم على الإنترنت واختيار المحتوى الذي يرغبون في متابعته أو مشاهدته.
أدرك صانعو المقاطع البصرية مؤخرًا أهمية العناصر السابقة أثناء عملية إنتاج كل فيديو، أو بالأخص عند إنتاج كل فيديو ناجح وذي تأثير، ففي عصر ذو اتصالات واسعة النطاق، و بالإضافة إلى قلة سعة تركيز المشاهد لمدة طويلة من الزمن في مشاهدة محتوى ما، قامت الشركات و معها المؤسسات الإعلامية في منح ذلك المجال من العرض المرئى مزيدًا من الاهتمام، وذلك لأنه ما يطلبه المشاهدون بالفعل.
أصبحت المنافسة الآن مشتدة بين كل المهتمين بمجال الفيديو الرقمي، وذلك بسبب كون بلاد بعينها تتخذ من الفيديو القصير مصدرًا للمعلومات، ذلك لأنهم ببساطة يهتمون بمحتوى الفيديو الرقمي أكثر من اهتمامهم بجداول البيانات أو الإنفوجرافيك أو أي بيانات إحصائية أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي، بينما يهتمون برؤيتها داخل الفيديو القصير بحسب تحليل “فيسبوك إنسايتس” الأخير.
لخص التحليل السابق أهم العوامل التي أثرت في نهضة صناعة الفيديو القصير مؤخرًا، كان منها “قلة سعة المشاهد للتركيز مدة طويلة”، “المشاهدة غير الواعية” و”، قوة المحتوى وأهمية فكرة الفيديو، وأخيرًا التشويق في السردية، باعتبار الفيديو القصير أداة سريعة للسرد القصصي.
قام “فيسبوك إنسايتس” بدراسات معمقة “In-depth Surveys” و تحليل بصمة “Biometric analysis” وكذلك مقابلات شخصية للتعرف على العوامل التي أثرت على قفزة في نجاح معدلات الفيديو القصير بهذا الشكل في كل من الإمارات العربية المتحدة و بريطانيا.
كان العامل الأول هو “الهواتف الذكية”
أثبتت الدراسة أن الاهتمام يقل بمرور الوقت، فما كان مناسبًا من مدة زمنية للفيديو في عام 2015، تختلف عما هي في عام 2016
تعد الهواتف الذكية هي الوسيلة الأكثر شيوعًا بين المستخدمين لمشاهدة الفيديوهات القصيرة بشكل يومي بنسبة أكبر من مشاهديها عن طريق حواسيبهم، ولهذا يفوز من ينتج المحتوى الأقصر والأكثر مناسبة للهواتف الذكية بالشريحة الأكبر من المشاهدين على مواقع التواصل الاجتماعي عن غيره من يعتمد على الفيديوهات المناسبة للشاشات الكبيرة.
الاهتمام
كان الاهتمام العامل الثاني الأكثر تأثيرًا في عملية نجاح الفيديوهات القصيرة، حيث أثبتت الدراسة أن الاهتمام يقل بمرور الوقت، فما كان مناسبًا من مدة زمنية للفيديو في عام 2015، تختلف عما هي في عام 2016، ولأن التركيز في حالة انخفاض دائم خصوصًا بين جيل الألفية الحديثة، فكان على محتوى الفيديو القصير أيضًا أن يواكب تلك التغيّرات، بتقديمه نفس المحتوى القوي، ولكن في وقت أقل.
المشاهدة غير الواعية
هل وجدت نفسك غارقًا في مشاهدة الكثير من المقاطع المصورة القصيرة بدون توقف؟ إنها عادة تحدث مع الكثير من مشاهدي المقاطع المصورة على إنستغرام و فيسبوك بالتحديد، فيقوم المرء بمتابعة المشاهدة بدون وعي منه، وبدون تفكير، فيجد نفسه يرى خمسة مقاطع متواصلة بشكل متتابع وسريع.
تشير الدراسة إلى أن كل ما كان متحركًا من المعلومات في المحتوى البصري يجذب اهتمام المشاهد بنسبة تضاعف نسبة عرض المعلومات بالأشكال التقليدية الأخرى
المحتوى
يميل أغلب المشاهدون لمتابعة محتوى يلمسهم شخصيًا، ولهذا يهتم المصممون بالمحتوى بشكل أساسي لكي يمس كل مشاهد شخصيًا، وذلك باهتمامهم بالنقاط المذكورة سابقًا، كالاعتماد على ما يحب المشاهدون مشاهدته بالفعل، و عن تزويدهم بمحتوى قوي وفريد من نوعه لا يقدمه الكثير من المنافسين في نفس المجال، ليجد الفريق القائم على البحث نتائج مدهشة بالنسبة لتأثير محتوى الفيديو على المشاهد، حيث وجدوا أن محتوى الفيديو القصير يبعث على البهجة والتشويق بنسبة تقارب ضعف النسبة التي يثيرها نفس المحتوى على منصات أخرى مثل التقارير والصور والبيانات.
تشير الدراسة إلى أن كل ما كان متحركًا من المعلومات يجذب اهتمام المشاهد بنسبة تضاعف نسبة عرض المعلومات بالأشكال التقليدية الأخرى، حتى ولو كانت حركة بسيطة تقل عن حركة الفيديو القصير السريعة، ذلك لأنها تجعل المشاهد جزءًا منها، وتحثهّ على التفاعل وكأنه جزء من تلك الحركة وليس فقط متلق لها، لذلك تنصح الدراسة كل من المهتمين بالتسويق والإعلام الرقمي أن يمنحوا مزيدًا من الاهتمام لذلك المجال، فربما سيكون هو المهيمن في القريب العاجل.