انتهت الأفكار التي لا تعتبر أن للمرأة دور كبير في الحياة الاقتصادية بأي مجتمع، وباتت أي دولة لا تؤمن بأن المرأة نصف المجتمع وتعمل على مساواة الرجل بالمرأة يؤدي إلى ضعف العائد الذي يمكن أن يجنيه ذلك الاقتصاد، وضعف في معدلات النمو. فالعديد من الدول التي استبعدت المرأة في الحياة الاقتصادية وتحرمها من القيام بأي نشاط في المجتمع بسبب عادات قديمة كما كان منتشرًا في الصين والهند، شل قدرة الاقتصاد على النهوض والنمو.
المرأة في الاقتصاد
يشير خبراء في الاقتصاد أن زيادة مشاركة المرأة في المجتمع وانخراطها في سوق العمل كانت القوة الرئيسية للنمو خلال العقدين الماضيين، ويؤكدون أن مساهمة المرأة في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي يزيد على ما تحققه الابتكارات التكنولوجية الجديدة أو حتى عمالقة الاقتصاد الجدد مثل الصين والهند، ولو تم إضافة قيمة عمل المرأة في المنزل ورعاية الأطفال، فإن إجمالي مساهمتها في الناتج المحلي العالمي ستزيد على النصف.
هذا الارتفاع الكبير في مشاركة المرأة في الاقتصاد عائد إلى ارتفاع نسب المرأة في التعليم وامتداد هذا النجاح إلى الجامعة حيث يمثلن حاليًا حوالي 55% من إجمالي عدد الطلاب الجامعيين.
شهدت العقود الأخيرة الماضية نهضة كبيرة على مستوى مشاركة المرأة في الاقتصاد وحققت قفزة كبيرة في انتزاع حقوقها في سوق العمل، وتستهدف المفوضية الدولية أن ترفع نسبة المساواة بين الرجل والمرأة إلى نسبة المساواة الكاملة 50 – 50 بحلول العام 2030.
ففي الولايات المتحدة أكبر اقتصاد على مستوى العالم بلغ عدد النساء العاملات يوازي تقريبًا عدد الرجال، وفي الصين تقف النساء تحت سن 35 سنة كمحرك أساسي له. وحسب الإحصائيات التي أوردتها المفوضية فإن نسبة النساء في سن العمل اللاتي يحصلن على عمل تقدر بحوالي 50% مقارنة مع نسبة الرجال البالغة 76%.
مساهمة المرأة في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي يزيد على ما تحققه الابتكارات التكنولوجية الجديدة
كما أن فجوة المداخيل بين الرجال والتساء تتجه نحو الانخفاض أكثر من الماضي وكانت توقعات البنك الدولي أشارت إلى ارتفاع مداخيل النساء حول العالم في العام 2014 إلى نحو 18 ترليون دولار أي أكثر من ضعف إجمالي الناتج العام المتوقع لكل من الهند والصين.
قضية المساواة بين الرجل والمرأة في عالم المال والأعمال خرجت من كونها قضية اجتماعية كما كانت سابقًا، لتصبح قضية اقتصادية تعد من بين التحديات العالمية لدفع النمو الاقتصادي وخصوصًا على صعيد زيادة القوى الشرائية وزيادة معدلات الناتج المحلي للدول.
وصارت المرأة تنافس بشكل فعلي الرجل في بعض بلدان العالم كما هو حاصل في الولايات المتحدة حيث بلغت نسبة الأعمال التجارية التي تملكها سيدات أعمال حوالي 40% من إجمالي الأعمال التجارية في أمريكا. ومن حيث تجميع الثروة فهناك 44% من النساء اللاتي يملكن أموالًا تساوي 100 ألف دولار وما فوق حسب تقرير للثروة العالمي وهنّ رائدات أعمال أو موظفات في شركات كبيرة استطعن تنمية ثرواتهن باستقلالية ومن دون اعتماد على أي جهة.
ومن جهة ثانية تثبت المؤشرات أن النساء يعملن أكثر من الرجال، ففي اليابان يفوق عبء النساء من العمل عبء الرجال بنسبة (7%) وفي النمسا(11%) وفي ايطاليا (28%)، والنساء في الهند يعملن 69 ساعة أسبوعيا مقابل 59 ساعة للرجال.
وفي تقرير لمعهد ماكينزي العالمي جاء فيه أن مساواة المرأة مع الرجل في سوق العمل يمكن أن تضيف حوالي 12 ترليون دولار إلى لاقتصاد العالمي بحلول 2025 كما أن إعطاءها حق المساواة في سوق العمل بالمنطقة العربية وإيران وتركيا سيضيف حوالي 2.7 ترليون دولار إلى إجمالي الناتج المحلي بحلول 2025.
مساواة المرأة مع الرجل في سوق العمل يمكن أن تضيف حوالي 12 ترليون دولار إلى لاقتصاد العالمي بحلول 2025
تمكنن النساء خلال السنوات الماضية من امتلاك نحو 30% من حجم الثروات العالمية بحسب تقرير الثروة العالمي وسيمتلكن أصولًا مالية تبلغ 72 ترليون دولار بحلول العام 2020 حسب تقرير لمؤسسة بوسطن للاستشارات الأمريكية.
المرأة في العالم العربي
لا يوجد شك أن مشاركة المرأة في النشاطات الاقتصادية في العالم العربي ستسهم من الناحية النظرية بمزيد من النمو والنهوض للاقتصادات العربية بلا منازع، أما من الناحية العملية فلا تزال النساء العربيات تواجه صعوبات كثيرة بسبب الأنظمة والثقافة وبالأخص صعوبة الحصول على المال في مجتمعاتهن، حيث تطالب مصارف بوثائق عن الدخل وتطلب رهن لأصل مالي والتاريخ المالي للشخص أو ما يسمى بالملاءة المالية، علمًا أن هذه الوثائق تعد عائقًا كبيرًا أمام المرأة العربية بسبب عدم انخراطها في مجال التجارة في العديد من الدول العربية. حيث تشير البيانات أن 14% من المؤسسات العربية تملكها سيدات أعمال.
ويختلف مدى نمو دور المرأة في المجتمعات العربية من بلد لآخر، حيث تمكنت المرأة في دول الخليج العربي من تجاوز تلك العقبات التي تعترض المرأة العربية في مجتمعات أخرى بسبب غنى دول الخليج بالمال، ويشار أن المجتمع السعودي لا يزال يعاني من عائق في مشاركة المرأة في الاقتصاد ولا تزال نسب المشاركة ضئيلة مقارنة بمجتمعات أخرى.
شكلت النساء العاملات في المملكة العربية السعودية ما نسبته 14.43% من إجمالي قوة العمل
فبحسب البيانات الصادرة في العام 2014 جاء في المملكة العربية السعودية شكلت النساء ما نسبته 14.43% من اجمالي قوة العمل وقد ارتفع معدل مساهمة المرأة السعودية في القطاع الحكومي ليصل الى حوالي 30.12 % من اجمالي العاملين، غير أن هذه المشاركة تركزت في قطاع التعليم حيث تمثل النساء الاغلبية بنسبة 86.65 % تليها الوظائف الصحية 5.60 % تقريباً، وعضوات هيئة تدريس بنسبة 2 %.
بينما في الإمارات ففي دولة الامارات العربية المتحدة نجد أن المرأة الاماراتية تشغل نسبة 40 % من الوظائف العامة في الوزارات والمؤسسات الاتحادية، كما تشغل نسبة 57 % في الوظائف الادارية العليا، ونسبة 87.5 % في بعض الوظائف الادارية.
وقد أظهرت عدد من الدراسات والبحوث الاقتصادية، ان زيادة مشاركة المرأة الخليجية ضمن القوى العاملة سيضيف 180 مليار دولار، أي 7 % الى الاقتصاد الوطني الخليجي بحلول 2025.
14% من المؤسسات العربية تملكها سيدات أعمال
وشكلت المرأة الكويتية نسبة 33 % من قوة العمل الكويتية وفي البحرين، تبلغ نسبة مشاركة المرأة في القطاع العام 37 % وتتركز في وزارة التربية والتعليم حيث تساهم المرأة فيها بنسبة 51 % من إجمالي النساء العاملات في القطاع الحكومي.
لابد للدول العربية أن تعي أن أساس أي نهضة في عالم اليوم هو مشاركة المرأة في المجتمع وفي الحياة الاقتصادية، وبالقدر الذي تشارك فيه المرأة في النشاطات الاقتصادية بالقدر الذي يتطور فيه الاقتصاد ويحقق معدلات نمو عالية.