نظرا لمجريات الأوضاع في العالم بأسره، لسائل أن يسأل؛ ما نوع الفن الإسلامي الذي لديه القدرة على فتح القلوب والعقول الأمريكية، في الوقت الذي أعاد فيه ترامب محاولته لحظر رعايا ستة دول ذات أغلبية مسلمة من الدخول للولايات المتحدة؟
سيُفتح المعهد الجديد للفن العربي والإسلامي الذي أنشأه الشيخ محمد بن راشد آل ثاني، في وسط مانهاتن. وهذا التوقيت ليس بمحض الصدفة وإنما تم اختياره بدقة عالية في محاولة من آل ثاني لأنسنة الإسلام
في آيار/مايو المقبل، سيُفتح المعهد الجديد للفن العربي والإسلامي الذي أنشأه الشيخ محمد بن راشد آل ثاني، في وسط مانهاتن. وهذا التوقيت ليس بمحض الصدفة وإنما تم اختياره بدقة عالية في محاولة من آل ثاني لأنسنة الإسلام؛ أي إعطائه طابعا إنسانيا ونشره في جميع أنحاء الولايات المتحدة. كما صرح الشيخ محمد بن راشد آل ثاني في اللقاء الذي أجراه مع صحيفة “ذا آرت” أنه يأمل في أن “المعهد لن يعرض فقط جمال الفن والثقافة في العالم العربي والإسلامي، بل وأن يتحدى أيضا بعض الصور النمطية والمفاهيم الخاطئة التي تقف حاجزا أمام التفاهم بين الثقافات”.
من جانب آخر، يعد تبجح ترامب وتفاخره (الذي يتشاركه مع عدد كبير من ناخبيه) أمرا جد عدواني خاصة فيما يتعلق برفضه التعامل مع عالم معقد بعض الشيء، والذي يبدو من غير المرجح أن يبلغ مدينة نيويورك. ولكن مما لا شك فيه، مدينة مانهاتن هي المكان الأنسب لافتتاح هذا المعهد، خاصة وأن القلوب والعقول، التي من الممكن أن يؤثر عليهم الفن العربي الإسلامي، توجد في المكان الذي صوت فيه الأغلبية لهيلاري كلينتون.
قصر الحمراء في غرناطة، إسبانيا
ولكن مع كل هذا التشاؤم، إن كان هناك شيء بمقدوره اختراق الحدود وسد الفجوة الثقافية فهو الفن. ففي حين تفرقنا الكلمات والتعريفات الفضفاضة، توحدنا الفنون البصرية وتجعلنا نغوص في المجهول ونسائل الزمان والمكان. وبالتالي، بحث غير المسلمين في الفن الإسلامي يجعلهم يشعرون بالجمال الداخلي للمعتقدات والتقاليد التي لا نتقاسمها فيما بيننا لنبحث “بقلب آخر وروح أخرى”.
في الواقع، للجمال الإسلامي سحر لا نظير له؛ فمثلا يعد قصر الحمراء في غرناطة أكثر الأماكن ابتهاجا في العالم، فهو قصر الأحلام، حيث نجد تصميما سماويا معقدا، وبراعة عبقرية تبث في النفس الهدوء والسكينة. وتتحول الغرف المضاءة من حولك إلى كهوف من البهجة، وأينما صوبتم أنظاركم ترون الأسقف البلورية البراقة التي تنيرها النوافذ العاكسة لألوان السماء الأندلسية. وهو ما يبعث في المرء شعورا بأنه يقف على غيمة في منتصف الطريق بين الجنة والأرض.
وبطبيعة الحال، من غير الممكن نقل هذا المبنى الذي يعود للعصور الوسطى ووضعه في معرض فني، إذ من الصعب جدا جمع جمال أي الفنون الإسلامية ووضعها في معرض. وعموما، الأنماط الزخرفية البديعة والأخاذة في الحمراء هي الميزة التي تجعله قبلة لجميع السياح. في المقابل، الحمراء ليس إلا نموذجا واحدا من الإنجازات الفنية الإسلامية العظيمة.
إن جميع التصاميم المجردة على خلاف تحف الفن الغربي، هي ما تسحر عقول جميع المطلعين على الأعاجيب الإسلامية من مدينة أصفهان إلى قرطبة
في حقيقة الأمر، فإن جميع التصاميم المجردة على خلاف تحف الفن الغربي، هي ما تسحر عقول جميع المطلعين على الأعاجيب الإسلامية من مدينة أصفهان إلى قرطبة. لذا أنصحكم بزيارة هذه الأماكن، وأنا على يقين تام بأن إمضاءكم بضعة أيام في مدينة مراكش لن يجعلكم تفكرون مرة أخرى في الإسلاموفوبيا، لأنكم إن زرتم مدرسة ابن يوسف فقط ستشعرون، مما لا شك فيه، بمدى دفء ودماثة المدينة التي تحتضنكم.
وبالتالي، فإن إنشاء معرض كهذا لن يساهم فقط في مجرد عرض تحف فنية بل سيسمح للزوار من التواصل مع الألوان والأنماط الفنية التي ستجعل الناظر ينتشي بسحر المكان. ويعد متحف فكتوريا وألبرت في لندن أفضل مكان يتيح لنا رؤية كل هذا الجمال، الذي يستخدم الإضاءة المنخفضة والترتيبات المنسجمة جماليا لتوحيد السيراميك، والسجاد والشظايا المعمارية في تركيب خلاب وهادئ.
ومن هذا المنطلق، يمكن للفن الإسلامي أن يجعلك تغير علاقتك مع الزمان والمكان، ويفتح العقول الأمريكية. ولذلك، على المعهد العربي للفن الإسلامي أن يعمل على إيصال ذلك التأثير النفسي السامي للزائر لدرجة تجعله يتخيل أنه يتجول في أحد شوارع المدن العربية القديمة، وبالتالي، يصبح المعهد بمثابة مدينة أكثر منه بمتحف.
في المقابل، هناك بعض الفنون الإسلامية التي لها تأثير أعمق من غيرها. وإذا كنت بصدد إنشاء “مجموعة أحلام” فسأركز جل تفكيري على فترة الخلافة خلال القرون الوسطى في شمال إفريقيا وإسبانيا، الأماكن التي بلغ فيها الفن أوج عطائه والذي ما زال بإمكاننا الاستمتاع به عند زيارتنا للمغرب والأندلس. وعلى سبيل المثال، تعتبر مئذنة مسجد الكتبية في مراكش مطابقة لمئذنة كاتدرائية إشبيلية التي تعد أكبر كاتدرائيات القرون الوسطى. وقد أنشئ كل من المعلمين في القرن 12 من قبل الموحدين. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال بالإمكان الاستمتاع بجمال فن شمال إفريقيا والأندلس بمجرد زيارة معرض الفن العربي الإسلامي. ومن بين أكثر المنحوتات جمالا والتي يمكن عرضها في المعرض الجديد، المنبر الخشبي المنحوت على الطراز المغاربي.
في حقيقة الأمر، أصبح الفن اليوم يتماشى مع الإبداعات الإسلامية في القرون الوسطى. ومن المرجح أن يعرض معهد الفن العربي الإسلامي أعمال منى حاطوم التي تعد بمثابة شهادات تشكيلية لأزمات العالم.
الفردوس لوحة فنية لوقاص خان، 2014
وفي هذا الإطار، يتبادر إلى أذهاننا سؤال: هل بإمكان أعمالها الفنية تغيير منظور الأمريكيين للإسلام؟ وفي هذا الصدد، أود أن أوصي بضرورة عرض الأعمال الطوباوية للفنان الباكستاني، وقاص خان، إذ أن أعماله المعقدة تعكس الحرية الأثيرية لأعظم الفنون الإسلامية. وهذا هو الفن الذي بوسعه تغيير العقول والأرواح على حد السواء.
أعمال خان لا تستحضر فقط العصور الوسطى للإسلام، بل تعكس أيضا الحركة التقليلية الأمريكية. وذلك يوعز إلى الانتماءات الوثيقة بين الشعور الأمريكي للفن التجريدي
من ناحية أخرى، لا تفتقر الولايات المتحدة إلى الفضول الثقافي. ففي القرن 19 روى الكاتب، واشنطن إيرفينغ، العديد من الحكايا عن قصر الحمراء، كما تحدث إدغار ألان بو عن نشوة ” الأرابيسك”. لكن يجدر الإشارة إلى أن أعمال خان لا تستحضر فقط العصور الوسطى للإسلام، بل تعكس أيضا الحركة التقليلية الأمريكية. وذلك يوعز إلى الانتماءات الوثيقة بين الشعور الأمريكي للفن التجريدي، انطلاقا من جاكسون بولوك، ومرورا بدونالد جاد، ووصولا إلى العالم الإسلامي، حيث كان الفن دائما ذا طابع تجريدي.
لا يمكن لأحد أن ينكر عدد المتاحف التي تتمتع بها الولايات المتحدة، المليئة بالأعمال التشكيلية التي تعكس نوايا الأمريكيين الليبرالية الطيبة. ولكن ترامب لا ينظر إلا لأسوأ أوجه طبيعتنا. وبالتالي، كيف للجمال أن يساعدنا في حين أن الناخبين يفضلون تدعيم صفوف الوحش؟
المصدر: الغارديان