ذات يوم من صيف عام 2011 أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان الرئيس الأمريكي باراك أوباما شخصيا وفي تصريح صحفي رسمي على وسائل الإعلام و بعد أنباء متضاربة وغير مؤكدة. أن القوات الخاصة الأمريكية تمكنت من القضاء على الصيد الكبير، أسامة بن لادن بعد اكتشاف مكانه ومحاصرته ومن ثمة قتله.
صحيح أنه لم يكن للقتيل جثة كما كل القتلى، ولم يتم عرض سلاحه ولا مقتنياته الشخصية، كما لم يتم عرض صور الاشتباك، وصحيح أيضا أن التصريحات بعد ذلك تضاربت حول إن كان مسلحا أو لم يكن، وهل قاوم أم لم يفعل؟ وكأن المطلوب الأول لكل أجهزة المخابرات العالمية يحتمل ألا يكون مسلحا ولا متحسبا لمثل هذه اللحظة، إلا أن رماد الجثة التي أحرقت وذرّت في البحر كان دليلا كافيا ودامغا على أن الرجل قد مات، وأن آخر فصل من فصول قصته -التي ملأت آذان العالم وشغلت الرأي العام فيه سنين طويلة– قد انتهى وإلى الأبد. على الأقل في نظر صاحب هذه الرواية وهو الولايات المتحدة الأمريكية.
لماذا تستثنى جثة بن لادن من ذلك وتحرق ويرمى رمادها في البحر بعد سويعات قليلة من مقتله ولم يتثبت أحد بعد من الأمر، وكأنما قصد إلى إخفاء كل أثر لجريمة ما؟
لكن الغريب في الأمر أن طريقة الدفن المبتكرة هذه لم يحدث أن نفذت على أحد من أعداء الولايات المتحدة الأمريكية، فقد ألقي القبض على صدام حسين– بعد بحث طويل- وحوكم وأعدم شنقا على مرأى من الجميع، وقتل ولداه عدي وقصي وعرضت جثتيهما على الصحافة، وقتل أبو مصعب الزرقاوي وعرضت جثته أيضا. فلماذا تستثنى جثة بن لادن من ذلك وتحرق ويرمى رمادها في البحر بعد سويعات قليلة من مقتله ولم يتثبت أحد بعد من الأمر، وكأنما قصد إلى إخفاء كل أثر لجريمة ما؟ وإذن فما هي تلك الجريمة ؟
أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة
وهاهو اليوم فصل من فصول تلك القصة يعود للعرض مرة أخرى، مع تغيير طفيف في الزمان والمكان والشخصيات، ففي الموصل بالعراق هاهو أبو بكر البغدادي يكاد يحاصر ويطوّق من كل جانب، وليس ثمة من خيار أمام القوات المحاصرة له إلا إحدى النهايتين، نهاية صدام حسين وأبو مصعب الزرقاوي، بمعنى قتل مباشر بدلائل ملموسة لا تدع مجالا للشك، أو نهاية أسامة بن لادن نهاية غامضة مستترة تحمل في ثناياها كل الشكوك وتحتمل كل التأويلات.
سيناريو بن لادن هو الأقرب لنهاية البغدادي، فوراء الرجل جبال من الأسرار التي لا تخدم القوى التي تحاصره،
والأرجح أن سيناريو بن لادن هو الأقرب لنهاية البغدادي، فوراء الرجل جبال من الأسرار التي لا تخدم القوى التي تحاصره، فهي لا تحاصر شخصه بقدر ما تحاصر كنز المعلومات الذي يحوزه والذي تخشى أن يتسرب منه شيء للرأي العام. ليس أقله الجواب على السؤال الكبير : كيف استطاع هذا التنظيم احتلال الموصل بأقل من 4 أربعة آلآف مقاتل مقابل ما يقرب من سبعين ألف عنصر من الجيش العراقي والشرطة والقوات الحكومية المتعددة والمختلفة التجهيز والتسليح ؟ وهو سؤال لن تكون الإجابة عليه في صالح الكثير من الأطراف. والأكثر من غموض النهاية التي سوف يشترك فيها البغدادي مع بن لادن سوف نشهد غموض القاتل، فالأرجح أن يتفرق دمه بين القبائل فلا نعلم قاتله إلا ظنونا.
ولقد كان لابن لادن نصيب من تلك الظنون أيضا، فقد أشيع يومها أن المخابرات الباكستانية هي من قامت بقتله، ولكنها لم تشأ أن تعلن ذلك خوفا من انتقام أنصاره وثورة المتعاطفين معه من الشعب الباكستاني، ولذلك قدمت القوات الأمريكية لتبني العملية.
والأمر نفسه مع صدام حسين حيث أشيع أن القوات الكردية هي التي اكتشفت مكانه، ثم استدعت القوات الأمريكية تجنبا لعداء أهل السنة.
أما البغدادي فإن قصته أكثر غموضا وخيوطها أكثر تشابكا، ولذلك فالأرجح أن مصير بن لادن هو الأنسب لنهاية قصته، ليس خوفا من المكون السني الذي يحسب عليه، فهذا المكون لم يعد يخيف أحدا، ولكنه مخزون استراتيجي من المعلومات للكثير من القوى المحاصرة له والتي سوف تحرص كل الحرص على طي صفحة أخرى من ذات الجريمة دون ترك أثر أو دليل. وكذلك هي الجريمة الكاملة.