خرج رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للصحافة من السليمانية، بمظهر يبدو عليه الثقة والقوة ليعلن: (إن العراق سيواصل ضرب أهداف تنظيم داعش في سوريا وفي بلدان مجاورة، بعد الحصول على موافقتها) ليفتح بهذا الإعلان صفحة جديدة من التورط العراقي بمعارك دول الجوار، تبدأ بسوريا، ولا نعلم إلى أين ستنتهي.
جاء هذا الإعلان بعد أن قامت الطائرات العراقية بضرب مواقع “تنظيم الدولة” فعلياً وللمرة الأولى، في 24 شباط / فبراير من هذه السنة، بمناطق سورية محاذية للحدود العراقية، بحجة إنها جاءت كردٍ على التفجيرات التي شهدتها بغداد. لكن الأمر يبدو أبعد مما برره العبادي لحقيقة هذه الضربات، ذلك لأن هذه الضربة الجوية نفذت بعلم الامريكان وبمعلومات استخباراتية منهم، حسب ما أعلن ذلك البنتاغون على لسان متحدثه الرسمي الكابتن “جيف ديفيز”. أن حقيقة الأمر تُفيد بسعي الولايات المتحدة بقيادة ترامب، لجعل العراق لاعب جديد في سوريا وتحت الرعاية الأمريكية.
إن الخطط الجديدة لترامب، إذا ما أصر على تطبيقها في سوريا والعراق، فليس من المتوقع أنها ستساهم في صنع نهاية قريبة للصراع في هذين البلدين
فبعد أن كانت المؤشرات تدل على أن ترامب، سيتعاون مع تركيا بشكل فاعل وقوي في موضوع تحرير الرقة، والمناطق الآمنة وغيرها الكثير، نجده الآن يبحث عن خيارات أخرى غير تركيا، لقد أبدت تركيا عزمها على المشاركة بتحرير الرقة بالتعاون مع قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، بشرط عدم مشاركة “قوات سوريا الديمقراطية” في تلك العملية، والتي تعتبرها تركيا امتداد لحزب العمال الكردستاني التركي الذي يشن حرب انفصالية في جنوب تركيا. لكن الولايات المتحدة يبدو أنها قد حسمت خيارها في الاعتماد على تلك المليشيات، بل أنها تقوم الآن بحمايتها بعد أن قامت بإرسال 400 جندي من قوات المارينز لمناطق تلك المليشيات الكردية، إضافة إلى امدادها بأسلحة نوعية تحضيراً لها لمعركة الرقة.
وبسبب إدراك الأمريكان، بأن المقاتلين الاكراد ما هم إلا مليشيات مسلحة، وليست جيشاً يمكن الاعتماد عليه، ولن يستطيعوا وحدهم مقاتلة عناصر التنظيم في الرقة، فإنها تقوم الأن بدفع الجيش العراقي للمشاركة بالحرب الدائرة في سوريا، كما وتفكر أيضاً، بزج الجيش الأردني في هذه العلمية، ليصلوا إلى مرحلة يجمعون فيها كل الضعفاء، لتشكل منهم تحالف عسكري جديد، تطمح أن يكون قادراً على تحرير الرقة دون الحاجة لتركيا.
وعلى ما يبدو أن استجابة العبادي للضوء الأخضر الأمريكي، كان يحاول بها أن يوازن بين النفوذ الأمريكي والإيراني عليه، لأجل المحافظة على حظوظ قويةً في الانتخابات القادمة، والعبادي وافق فقط، حينما كانت هذه الاستجابة موافقة للأجندة الإيرانية في سوريا، وتمثل دعماً للحكومة السورية بقيادة بشار الأسد. أما موقف روسيا من هذه التطورات كان مشجعاً، ذلك لأنها لا يؤثر على نفوذها في سوريا، بل ربما أنها تخدمها، فكل القوات التي تقاتل في سوريا ما عدا تركيا هي قوى مسلوبة الإرادة تمشي وفق إرادات الدول الكبرى المتمثلة بروسيا والولايات المتحدة، مما يجعل من السهل على روسيا التوافق مع الأمريكان دون أن تلقي بالاً للأطراف الأخرى.
بسبب إدراك الأمريكان، بأن المقاتلين الاكراد ما هم إلا مليشيات مسلحة، وليست جيشاً يمكن الاعتماد عليه، ولن يستطيعوا وحدهم مقاتلة عناصر التنظيم في الرقة، فإنها تقوم الأن بدفع الجيش العراقي للمشاركة بالحرب الدائرة في سوريا
هل تحالف الضعفاء قادر على هزيمة تنظيم الدولة؟
إن التحالف بين ميليشيا سوريا الديمقراطية، والجيش العراقي، والجيش الأردني، وقوات الأسد، بالإضافة للمليشيات العراقية والإيرانية والسورية، يعتبر تحالفاً للضعفاء ستدعمه أمريكا، ويكون مطيعاً لها، لكن يا ترى هل هؤلاء قادرين على هزيمة تنظيم الدولة؟ وأين كانت كل تلك القوى طيلة السنوات الستة من سيطرة تنظيم الدولة على مساحات شاسعة من سوريا؟ وثبت فشلهم عسكرياً على أرض الميدان أمام التنظيم، لولا الدعم الجوي الروسي والأمريكي.
الأمر المربك في سياسة ترامب في سوريا، ويجعل من الصعوبة على المراقب أن يجد لها تفسير، أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد استبعاد تركيا من سوريا، أو على الأقل تهميش دورها، بنفس الوقت نرى مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي تقول: “يتعين علينا العمل من أجل إخراج إيران وأتباعها من سوريا، ويجب أن لا تبقى سورية ملاذا للإرهابيين” فهل هذا يعني أن الأمريكان يريدون إخراج أو تهميش دور تركيا وإيران في سوريا بنفس الوقت؟ وإذا ما سلَّمنا بهذا الاستنتاج جدلاً، فهل يعني هذا، أن موقف ترامب الحالي في سوريا، إنه يريد استثناء كل الميليشيات الموالية لإيران من العمل في سوريا، وعدم ضمها لتحالف الضعفاء الذي تريد ان تستعيد الرقة به؟ ألا يشكل لها هذا، عجزاً بعدد الجنود العاملين على الأرض؟ هل الجيش العراقي سيحقق لها التفوق العددي على الأرض؟
إن الاستعانة بالجيش العراقي لن تحقق لأمريكا الغرض الذي تريده بإبعاد إيران من المسرح السوري، ذلك لأن الجيش العراقي بالأساس مكون من ميليشيات موالية لإيران، وإذا كان ترامب يريد الحفاظ على نظام بشار الأسد باعتباره أخف الضررين في نظره مقارنة بالمعارضة الإسلامية السورية، فإن هذا يعني أن إيران موجودة أيضاً في سوريا، ذلك لأن النظام السوري هو أيضاً موالي لإيران جملة وتفصيلاً. أي أن أمريكا لا تستطيع أن تنفكَّ عن إيران في سوريا أو العراق.
إن التحالف بين ميليشيا سوريا الديمقراطية، والجيش العراقي، والجيش الأردني، وقوات الأسد، بالإضافة للمليشيات العراقية والإيرانية والسورية، يعتبر تحالفاً للضعفاء ستدعمه أمريكا
إن الولايات المتحدة إذا أصرت على خططها باستبعاد تركيا ومن ورائها العرب. فلا يمكن لها أن تنفك عن إيران، فهي موجودة بنظام الأسد، وموجودة بالمليشيات، وموجودة بالجيش العراقي، بل إنها موجودة حتى بتنظيم الدولة حسب بعض المؤشرات.
خيار استراتيجي خاطئ
إنَّ خيار الولايات المتحدة، بالاستعاضة عن الجيش التركي والجيش الحر، بالجيش العراقي والجيش الأردني والقوات الكردية، هو خيار خاطئ استراتيجياً، وهناك شكوك قوية في إمكانية أن يحقق هؤلاء أية انتصارات على الأرض، بمواجهة عناصر “تنظيم الدولة”، على الرغم من الغطاء الجوي الأمريكي الذي ستوفره لهم. وإذا ما فكرنا بالموضوع على المدى البعيد، فإن هذا التحالف يعتبر تحالف أضداد، وعبارة عن تشكيلة غير منسجمة، لفرقاء متخاصمين في كل شيء، سوى عدائهم المزعوم لداعش.
إن كل طرف منهم لديه أجندة مختلفة، وسوف يظهر هذا الخلاف بينهما جلياً قبل أن يحققوا أهدافهم، كما يحدث الآن في العراق، فالخلافات الكردية مع الحكومة قد ظهرت، قبل أن يكتمل تحقيق نصرهم بالموصل.
ما سر تفضيل الأمريكان للعراق؟
يبدو أن استجابة العبادي للضوء الأخضر الأمريكي، كان يحاول بها أن يوازن بين النفوذ الأمريكي والإيراني عليه، لأجل المحافظة على حظوظ قويةً في الانتخابات القادمة
إن الولايات المتحدة الأمريكية، تفضل التحالف مع العراق على حساب تركيا، لأسباب عديدة على رأسها أسباب الاقتصادية. والولايات المتحدة إذا أرادت شريكاً لها في المنطقة غير مكلف اقتصادياً، فلن تجد أفضل من العراق كشريك مثالي لها، وفي هذا الصدد يقول الباحث “جيمس جيفري” من “معهد واشنطن للدراسات”: “إن واشنطن لعبت دوراً قيادياً في جمع مساعداتٍ اقتصادية بقيمة 16 مليار دولار أمريكي للمساهمة في تمويل حرب العراق. لكن المبلغ الحقيقي الذي أنفقته الولايات المتحدة بشكلٍ مباشر، لم يتعدى 2.7 مليار دولار فقط، وهو في الواقع قرضٌ لشراء المعدات العسكرية الأمريكية، الأمر الذي ساعد الصناعة الأمريكية والجيش العراقي على حدٍ سواء.”
وبالتالي فإن الولايات المتحدة الأمريكية تجد بالعراق شريكاً أفضل من الشريك التركي الصعب المراس ذو السياسة المستقلة، وصاحب الطموحات الواسعة في المنطقة حسب رؤية الأمريكان له. لكن مع ذلك يعود نفس الباحث ليؤكد أهمية تركيا بالمنطقة ويوجه رسالة للقيادة الأمريكية بخصوص تركيا فيقول: “من الصعب رؤية كيف يمكن لواشنطن تنفيذ عمليات ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا من دون قواعد تركية وتعاونها المباشر. فوفقاً لمسودة تقرير من قبل “معهد واشنطن”، فإن جميع القبائل العربية الرئيسية الأربع حول الرقة، على خلاف تتفاوت حدته مع الأكراد، مما يثير تساؤلات حول اليوم التالي في الرقة إذا تم تحرير المدينة من قبل الأكراد.
إن الاستعانة بالجيش العراقي لن تحقق لأمريكا الغرض الذي تريده بإبعاد إيران من المسرح السوري، ذلك لأن الجيش العراقي بالأساس مكون من ميليشيات موالية لإيران
كما إن تحقيق «وحدات حماية الشعب» انتصاراً ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في الرقة وتوسع هذه «الوحدات» في مساحات شاسعة من الأراضي العربية، كما يحصل في مدينة منبج حالياً، سيخلّف تداعيات مقلقة بالنسبة للترتيبات الإقليمية بعد دحر التنظيم، بما فيها احتمال تعاون «وحدات حماية الشعب» مع إيران ونظام الأسد.)
إن الخطط الجديدة لترامب، إذا ما أصر على تطبيقها في سوريا والعراق، فليس من المتوقع أنها ستساهم في صنع نهاية قريبة للصراع في هذين البلدين، إنما ستدرج ضمن الخطط التي سبق أن جربها أوباما من قبله، ولم تفضي لشيء، بل ستكون له بداية جديدة، ولمرحلة جديدة، لا تفضي إلى شيء، سوى المزيد من الدماء التي يدفعها الشعبان من دمائهم.