تعتزم حركة حماس خلال الأيام القادمة طرح وثيقة سياسية للرأي العام الخارجي والدوائر السياسية الأجنبية، والتي يبدو أنها ستتضمن نصوصًا وبنودًا جديدة ومستجدة على نهج الحركة وميثاقها العام، وانطلاقاً من أن حماس حركة مقاومة استعصت على كثير من المتغيرات الإقليمية السياسية التي كادت أن تعصف بها، ونظراً لحساسية موقعها بالنسبة للرأي العام الفلسطيني باعتبارها الرصاصة الأخيرة في البندقية الفلسطينية، والجبهة التي زاوجت ما بين الواقع السياسي والعسكري لحركات التحرر الوطنية، كان لما يصدر عنها وقع مميز، لا سيما إن كان الخطاب تجديداً موجهاً إلى الآخر الذي يشيطنها باستمرار.
ما يميز هذه الوثيقة هو خروجها إلى الضوء في ظل متغيرات عدة، كالأزمة السياسية التي تحيط بمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، والاحتدام الحاد بين جناحه وجناح محمد دحلان، إلى جانب انقسام القرار الفلسطيني بين الفصائل الفلسطينيينة ككل، ولا نقصد هنا فتح وحماس وإنما كل الفصائل بما فيها فصائل اليسار.
الواقع يقول أن فشل قطاف هذه الوثيقة احتمال قائم ووارد جداً، فمحاولات التقارب بين الحركة والمجتمع الدولي “أمريكيا وأوروبياً” فشلت مرات عديدة وكانت تصطدم بأساسيات الحركة وعنوانها كالـ”مقاومة”
يأتي كل هذا بالتزامن مع محاولات الأمريكان والأوروبيين في البحث عن صيغة معينة لمحاولة استيعاب حركة حماس كبديل سياسي فعال أثبت نفسه في الساحة الفلسطينية، ولن يتم ذلك إلا في حال أبدت الحركة ميولاً قوية نحو إحداث تغيرات أساسية في توجهاتها مع علمهم يقيناً أن هذه الاشتراطية قد تجبر حماس على مواجهة خيارات صعبة داخلياً وخارجياً.
وفي الوقت نفسه فإن أمريكا وأوروبا ليستا وحدهما الراغبتين في مغازلة حماس لتكون أقل صرامة نحو إسرائيل، فحماس نفسها قد بدأت بفهم الأوراق المطروحة في الساحة السياسية وتبحث عن مكان يعطيها شرعية التحرك سياسياً في المنطقة سواء من داخل جسم منظمة التحرير أو خارجها ولهذا انطلقت تحاول فتح قنوات للتواصل والتقرب من الأمريكيين والأوروبين في محاولة لإبراز مفاهيم جديدة قد تستخدم للحكم على اعتدالها والتي قد تطمئن جميع الأطراف بإمكانية تأسيس قاعدة لتفاهم حيوي معها. حيث جاءت هذه الوثيقة تتويجاً لهذه التغيرات المطروحة. زد على ذلك أن الحركة ألمحت على لسان بعض قادتها أن المطالب والاشتراطات الأمريكية الأوروبية يمكن أن تتحول إلى معادلات عملية مختلفة وقد تصبح صيغ مقبولة وقابلة للتدارس.
بالمحصلة، هل يمكن لهذه الوثيقة أن تكون بوابة التقارب بين الحركة وبين الأمريكان والأوروبيين؟ وهل ستكون بداية لمرحلة جديدة يتعامل فيها المجتمع الدولي مع الحركة باعتبارها بديل مؤقت أو محتمل للمنظمة؟
الواقع يقول أن فشل قطاف هذه الوثيقة احتمال قائم ووارد جداً، فمحاولات التقارب بين الحركة والمجتمع الدولي “أمريكيا وأوروبياً” فشلت مرات عديدة وكانت تصطدم بأساسيات الحركة وعنوانها كالـ”مقاومة” وبقوة اللوبيات الصهيونية في الدول الغربية، وبالاستعداد اللامتناهي للسلطة على التنازل دون قيد أو شرط، فأي بديل قد تحلم به أمريكيا وأوروبيا لن تجد فيه ما وجدته في السلطة.
إن طبيعة تعقيد اتخاذ القرار في داخل الهيكلية التنظيمية للحركة وبنية الحركة المؤسساتية وقواعدها الشورية تجعل من محاولة البعض إجراء تحويل في المواقف السياسية للحركة وتحريك التيار نحو مصب آخر أمراً غاية في الصعوبة
يضاف إلى قائمة التحديات انه وفي ظل ضغوط الظروف الإقليمية التي تحاصر الحركة في ظل الحرب المستعرة على تنظيم الإخوان المسلمين، فإن طبيعة تعقيد اتخاذ القرار في داخل الهيكلية التنظيمية للحركة وبنية الحركة المؤسساتية وقواعدها الشورية تجعل من محاولة البعض إجراء تحويل في المواقف السياسية للحركة وتحريك التيار نحو مصب آخر أمراً غاية في الصعوبة، ربما سيكون ممكناً، لكن ليس على المدى القصير. ولن يكون مرةً واحدة وإنما تدريجيا. في النهاية تبقى هذه الوثيقة وسطورها الجديدة تستحق التأمل والتفكير باعتبارها إشارات موثقة على قابلية الحركة لإعادة النظر في أيدلوجياتها من منطلق التفاهمات والمكاسب السياسية.