أعيدت إلى الواجهة المخاوف من مخاطر انهيار سدّ الموصل في العراق، بعد التحذيرات التي أطلقها الخبراء بهذا الشأن، على وقع الكارثة المؤلمة التي تعرضت لها مدينة درنة الليبية.
وأثير الجدل بين الأوساط العراقية بعد أن قامت شبكة “ناشيونال جيوغرافيك” الأمريكية بإعادة نشر تقرير يحذّر من تكرار كارثة درنة الليبية في حال انهيار سدّ الموصل، والذي يعد أكبر مشروع مائي في العراق.
وعدّت الشبكة الأمريكية سدّ الموصل أحد أخطر سدود العالم، ورجّحت حدوث خسائر وأضرار هائلة تطال مناطق واسعة، بما في ذلك المواقع الأثرية العريقة، كما توقّع التقرير الأمريكي أن يسهم انهيار السدّ في وفاة 1.5 مليون شخص ممّن يقطنون على ضفاف نهر دجلة، في حال عدم إخلائهم خلال وقت لا يتجاوز 4 ساعات.
أوضاع السدّ مستقرة
رفض مدير سدّ الموصل، رياض عز الدين النعيمي، الإجابة عن أسئلة “نون بوست”، لكنه قال في تصريحات صحفية سابقة في 17 سبتمبر/ أيلول 2023، إن “أوضاع السدّ لا تدعو للقلق، وهو جاهز لمواجهة أي فيضانات متوقعة أو أي كوارث طبيعية أخرى على غرار الزلازل”.
وبيّن أن هذه التقارير ليست وليدة اللحظة بل بدأت منذ عام 2005، وتلاها تقرير آخر عام 2015 إثر سيطرة تنظيم “داعش” على الموصل ووصوله إلى السد، قبل أن يتم تأمين السد من عناصره.
وفي مؤتمر صحفي عقده في 21 سبتمبر/ أيلول 2023، أكّد النعيمي اهتمام الحكومة العراقية ووزارة الموارد المائية بمشروع سدّ الموصل، الذي أصبح يغذّي جميع روافد العراق وحتى نهر الفرات، بعد شحّ الأمطار خلال السنوات الثلاث الماضية.
وأقرّ النعيمي بأن انهيار السدّ سيؤدي إلى غرق مدينة الموصل والمدن الموجودة على حوض نهر دجلة، وتصل أضراره حتى العاصمة بغداد، واستدرك بأنه لا توجد أي مؤشرات جدية حول خطر انهيار السد في الوقت الحاضر حسب المعطيات العلمية، مؤكّدًا وجود 1500 جهاز تحسُّس موجود بكافة المواقع لمراقبة أوضاع هيكل السد.
وكشف النعيمي أن الفريق الهندسي الأمريكي زوّد إدارة سدّ الموصل بأجهزة تقنية حديثة لاستخدامها في عملية التحشية، من خلال ربط أجهزة التحسُّس عبر أجهزة الكمبيوتر والأقمار الصناعية.
وشدد على أن الجهات المختصة تتابع أوضاع السدّ عن كثب ولم تلحظ أي مشكلة فنية في الأُسُس، حيث حدد الفريق الهندسي خطر الانهيار في حال تجاوز خزين السدّ 11 مليار متر مكعب، وأوضح أن المنسوب الآمن لسدّ الموصل هو 7 مليارات متر مكعب، وفق ما حدده الخبراء الدوليين عام 2006، وتحت هذا المنسوب لا يمكن أن ينهار في الظروف الطبيعية.
وكشف النعيمي أن السدّ يعاني منذ إنشائه من الطبقات الجبسية في أسفله، والتي تتعرض إلى ذوبان نتيجة ضغط الخزن، إذ تسير أعمال التحشية على مدار الساعة، وبمعدل 3 وجبات كل يوم، كل وجبة تضم 30 عاملًا فنيًّا.
أخطر سدود العالم
بدوره يؤكد المدير العام السابق للسدود وخزانات الماء في وزارة الموارد المائية بإقليم كردستان العراق، المهندس أكرم أحمد رسول، على أن سدّ الموصل يعدّ من أخطر السدود في العالم.
ويوضح رسول في حديثه لـ”نون بوست” أن هناك عوامل رئيسية تجعل سدّ الموصل معرّضًا للانهيار، تتمثّل في وجود طبقات جبسية في أساس السدّ، إحداها بسمك 5 أمتار والثانية بسمك 40 مترًا.
ويكشف عن وجود فجوات في أماكن مختلفة داخل البحيرة وكذلك في جسم السدّ، بالإمكان مشاهدتها بالعين المجردة، وهذه الظواهر دليل قاطع على وجود فواقد كميات هائلة من البحيرة، على شكل تسريبات بطيئة في أعماق مختلفة تحت أساس جسم السدّ وقاع البحيرة.
وينوّه رسول إلى أنه عند احتساب الإيرادات المائية وطرح الإطلاقات والتبخُّر يظهر وجود فواقد بكميات كبيرة، وهذا دليل واضح عن وجود كهوف في أساس السد، ما يؤكّد أنه في حالة خطرة جدًّا، ويلفت إلى أن سدود درنة تعد صغيرة مقارنة بسدّ الموصل الذي تكون كارثته أكبر عندما تبتلع مياهه مناطق واسعة من العراق.
حلول تأمين السدّ
ويقول قائم مقام الموصل زهير الأعرجي، إن مخاطر السدّ تظهر للعلن بين فترة وأخرى، وقبل أكثر من 5 سنوات أيضًا أثيرت المخاوف من سدّ الموصل، لكن هناك دراسات واضحة تؤكد عدم وجود أية مخاطر في موضوع انهيار السدّ في الوقت الحالي على الأقل، ولا توجد أية مؤشرات على ذلك.
ويشير الأعرجي في حديثه لـ”نون بوست” إلى “وجود خطط استراتيجية لتأمين السد، حيث جرى تقديم طلبات كثيرة منذ عام 2004 حول إكمال سدّ بادوش، لكن حتى الآن لا يوجد أي تحرك على هذا السدّ الذي يقلل من مخاطر انهيار سدّ الموصل”.
ويبيّن الأعرجي أن العراق ورغم التقدم العمراني الذي حصل فيه، لكنه بحاجة إلى إكمال المشاريع الاستراتيجية، لكن لا بدَّ أن يكون هناك دعم إقليمي أو دولي للمساعدة الاستشارية وتقديم التقنيات في كثير من الأمور، وليس في موضوع سدّ الموصل فقط.
وحول الحلول المقترحة لمعالجة مخاطر السدّ بعد استعادة السيطرة عليه من مسلحي تنظيم “داعش”، يبيّن الخبير في شؤون المياه والزراعة عادل المختار، بأنه طُرحت عدة مقترحات لحماية السدّ وتأمينه من الانهيار، منها إنشاء سدّ بادوش، لكنه توقف لأسباب وخلافات عديدة.
ويضيف في تصريح متلفز أنّ الحل المقترح الثاني هو بناء جدار صدّ أمام سدّ الموصل بارتفاع حوالي 250 مترًا، لكنه يحتاج إلى شركات عملاقة ومتطورة وتقنيات متقدمة، ولم يتم العمل به أيضًا بسبب ارتفاع الكلفة وأسباب أخرى.
أما المقترح الثالث -بحسب المختار- هو ما اقترحه فيلق المهندسين الأمريكي، إذ تم الاتفاق مع شركة إيطالية عالمية متخصصة للعمل على صيانة السدّ وحمايته، بعقد تجاوز 300 مليون دولار، من خلال استخدام آلات ضخمة متطورة، وجرى العمل حتى عام 2019.
وفي الختام، فإن الوضع المائي بالعراق بحاجة إلى روح وطنية تضمن التحرك للاستفادة من الخبرات القديمة للمتقاعدين الذين عملوا في سدّ الموصل، للوصول إلى حلول عاجلة وتلافي خطر الكارثة المحتملة.