بينما تمكنت الدول المنتجة للنفط الخام في منظمة أوبك والدول المستقلة من أزمة تخمة المعروض وهبوط أسعار النفط بعد اجتماعات طويلة وجهود كثيرة للتنسيق بين أوبك والمنتجين خارجها أدت لعقد اتفاق تاريخي لخفض الإنتاج، عادت المخاوف مجددًا من تجدد تخمة المعروض وبالتالي هبوط الأسعار من جديد بسبب إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، ليشكل بهذا خطرًا على الأسواق النفطية ولاأسعار.
فورة النفط الصخري في أمريكا مجددًا
استغلت شركات النفط الصخري الأمريكية عودة أسعار النفط للارتفاع فوق 55 دولار للبرميل لحفر آبار جديدة منذ بداية العام الحالي، ومن جهة أخرى فقد أفسح ترامب المجال لتلك الشركات بالعمل على نطاق أوسع من خلال شرعنة عمليات حفر الآبار والتنقيب على النفط الصخري، حيث أصدر ترامب مراسيم تلغي كل القوانين البيئية في الولايات المتحدة التي كانت تمنع عمليات التنقيب عن النفط الصخري، كما ألغى أيضًا اتفاق مؤتمر المناخ في باريس. بالإضافة إلى التطور في تقنية الحفر واستخدام التكنولوجيا في خفض تكاليف الاسنخراج والتي أدت إلى خفض التكاليف إلى 40 دولار للبرميل.
ويتساءل العديد من المراقبين فيما إذا كانت شركات النفط الصخري قد استفادت من التجربة الماضية والتي أدت إلى إفلاس الكثير منها وسببت أزمة في أسواق النفط وأسعاره أدت لهبوط الأسعار إلى دون 50 دولار للبرميل منتصف العام 2014 وكانت هي أولى المتضررين.
أوبك لن تسمح لشركات النفط الصخري بالركوب مجانًا على ظهر المنظمة والاستفادة من تحسن أسعار النفط
وفيما لو استمرت تلك الشركات على نفس النهج، فإن أوبك لن تقف مكتوفة الأيدي ولن تسمح لها بالصعود على حساب منظمة أوبك، كما أكد وزير النفط السعودي في معرض لقاءه وزير الطاقة الأمريكي على هامش “أسبوع سيرا النفطي” أن “أوبك لن تسمح لشركات النفط الصخري بالركوب مجانًا على ظهر المنظمة والاستفادة من تحسن أسعار النفط”. وهذا يشير إلى توقف شهية أوبك والمنتجين المستقلين عن تمديد اتفاق تخفيض الإنتاج في اجتماعها المقبل في 17 مارس/آذار في فيينا، أي بعد نحو أسبوع من الآن.
وقد كانت أسعار النفط شارفت على بلوغ 60 دولار للبرميل مع بدء سريان الاتفاق واالمستثمرين حول العالم يتفاعلون مع كل قرار بتجديد خفض الإنتاج وإمكانية تمديده وتصعد الأسعار مع سريان أخبار بنجاح الاتفاق، إلى أن عادت شركات النفط الصخري الأمريكية للعمل مجددًا، واستغلال ارتفاع الأسعار لصالحها دون الأخذ في الاعتبار المصلحة العامة المرتبطة بحجم المعروض وكمية الطلب وتأثيرهما على أسعار النفط العالمية، الذي تعتمد كثير من الدول على إيرادات النفط في بناء موازناتها.
عودة معركة كسر العظم
كان صعود أسعار النفط العالمية قبل عامين فرصة ذهبية لدى شركات النفط الصخري الأمريكية لتوسيع عمليات الحفر والإنتاج بأقصى طاقتها، بالشكل الذي أدى إلى إغراق الأسواق بالمعروض. فما كان من منظمة أوبك إلا أن تعلن الحرب -أو كما وصفها كثيرون بـ”كسر العظم”- على تلك الشركات والدخول في دوامة الإنتاج والأسعار من خلال إبقاء مستويات الإنتاج عند مستوياتها العليا لإغراق الأسواق بشكل متعمد والضغط على الأسعار للانخفاض لكبح جماح شركات النفط الصخري وتعمد إفلاسها، وقد تسبب هذا المناخ المشحون إلى مشاكل كثيرة بين ألأعضاء المنتجين في أوبك واتهمت السعودية صاحبة أكبر حصة إنتاج في المنظمة بأنها لا تشن حربًا اقتصادية من خلال النفط على روسيا بسبب تدخلها في سوريا وكذلك على إيران.
علمًا أن النفط الصخري بحد ذاته لا يهدد الإنتاج التقليدي للنفط إلا أنه يقلل من استيراد الولايات المتحدة للنفط العالمي، مع تقدم إنتاج النفط الصخري محليًا وهذا ما يدفع الأسعار للانخفاض، ويُذكر أن هناك العديد من العوامل التي تدفع الولايات المتحدة لعدم التوسع في إنتاج النفط الصخري أهمها الضرر على البيئة والمناخ بالإضافة إلى التكلفة العالية لإنتاجه.
منذ أن تجاوزت أسعار الخام 50 دولار للبرميل أضافت الشركات نحو 281 منصة نفطية في 34 أسبوعًا
وحسب الأرقام الواردة في تقارير منظمة أوبك في شهر شباط/فبراير الماضي إن الالتزام بخفض الإنتاج من قبل الأعضاء والمستقلون أدى لتراجع تدفق التفط التقليدي في السوق إلى حوالي 1.146 مليون برميل يوميًا، ليصل حجم الإنتاج اليومي إلى 32.139 مليون برميل وأنه من المتوقع أن يتحسن الطلب العالمي على النفط في العام الحالي 2017 بمقدار 35 ألف برميل يوميًا ليلامس 1.19 مليون برميل يوميًا.
في الأثناء زادت شركات الطاقة الأمريكية عدد منصات الحفر النفطية في شهر فبراير/شباط الماضي للأسبوع الخامس على التوالي لتواصل التعافي المستمر منذ تسعة أشهر مع استفادة شركات الحفر من اتفاق أوبك الذي أبقى أسعار الخام فوق 50 دولار للبرميل.
ومن المتوقع ارتفاع إنتاج النفط الصخري الأمريكي في آذار/مارس المقبل بنحو 79 ألف برميل يوميًا، وهي أعلى وتيرة في خمسة أشهر إلى 4.87 مليون برميل يوميًا، وهو أعلى مستوى منذ أيار/مايو العام الماضي، وأفادت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة أن شركات الحفر زادت عدد المنصات النفطية بمقدار ست منصات في الأسبوع المنتهي في 17 شباط/فبراير ليرتفع إجمالي عدد منصات الحفر إلى 597 منصة – وهو أكبر عدد منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2015.
يتوقع محللون أن تزيد شركات الطاقة الأمريكية إنفاقها على أنشطة الحفر وتضخ المزيد من النفط والغاز الطبيعي الصخري في السنوات المقبلة
وحسب ما جاء في صحفة الاقتصادية حول عدد منصات الحفر في أمريكا منذ صعود سعر النفط فوق 50 دولار للبرميل، فقبل عام كانت هناك 413 منصة نفط عاملة، ومنذ أن تجاوزت أسعار الخام 50 دولار للبرميل أضافت الشركات نحو 281 منصة نفطية في 34 أسبوعًا من الأسابيع الثمانية والثلاثين الأخيرة، وهو أكبر تعافي لها منذ أن أدت تخمة معروض النفط العالمي إلى هبوط السوق على مدى عامين منذ منتصف 2014.
وتراجع عدد منصات الحفر النفطية الذي تحصيه “بيكر هيوز” من مستوى قياسي بلغ 1609 منصات في تشرين الأول/أكتوبر 2014 إلى أدنى مستوياته في 6 سنوات عند 316 منصة في مايو/أيار مع هبوط أسعار الخام الأمريكي من فوق 107 دولارات للبرميل في حزيران/يونيو 2014 إلى قرب 26 دولار في شباط/فبراير 2016.
ويتوقع محللون أن تزيد شركات الطاقة الأمريكية إنفاقها على أنشطة الحفر وتضخ المزيد من النفط والغاز الطبيعي الصخري في السنوات المقبلة، وسط توقعات باستمرار صعود أسعار الطاقة.
وطالما أن شركات النفط الصخري تسير على خطى السنوات الماضية ضاربة بعرض الحائط موازين السوق العالمية والأسعار، فإن معركة كسر العظم بين منتجي النفط التقليدي وشركات النفط الصخري ستعود، وهذا سيفرض المزيد من المشاكل المالية وأعباء مالية على دول الخليج والسير قدمًا في إجراءات التقشف وفرض ضرائب جديدة، وبالأخص السعودية التي تنوي طرح 5% من أسهم شركة أرامكو للاكتتاب العالمي وتحتاج أن تكون أسعار النفط فوق 60 دولار للبرميل لما يؤثر هذا على تقييم احتياطيات الشركة النفطية وقيمتها المالية بالمحصلة.